قبل أشهر هدد المرشح الرئاسي عن الحزب الديمقراطي جو بايدن بأنه سيعاقب تركيا في حال نجاحه في الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في
الـ3 من نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، بسبب حصول أنقرة على منظومة دفاعية روسية، إضافة إلى ملفات أخرى لها علاقة بالإجراءات الأمنية التي تتخذها تركيا ضد الضالعين في محاولة الانقلاب العسكري عام 2016.
لكن ومع اقتراب يوم الحسم يبدو أن بايدن قد يكون أمامه الكثير من الأزمات وسيتخلى عن "معاقبة أنقرة" إذا ما نجح في حسم الماراثون الانتخابي لصالحه بسبب ملفات أخرى أكثر تعقيداً مثل الصين وروسيا كما يقول بعض الخبراء لوكالة رويترز.
كان الملف التركي حديث شد وجذب بين بايدن وترامب فيما يرى أنصار المرشح الديمقراطي أن الرئيس الأمريكي لم يتخذ مواقف حازمة تجاه ما تفعله أنقرة في العديد من الملفات الهامة بالشرق الأوسط وأهمها الموقف في سوريا، لكن على ما يبدو أن بايدن سينتهج نفس الطريقة بسبب الظروف المعقدة وأيضاً محاولة تركيا القوية في استقلال سياستها الخارجية بعيداً عن الفلك الأمريكي.
ماذا فعل ترامب مع تركيا من قبل؟
في يوليو/تموز 2019 بعد أيام من تسلم تركيا نظم الدفاع الصاروخي الروسية أجمع كبار مسؤولي الأمن في إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على ضرورة التزام واشنطن بتهديدها بفرض عقوبات على تركيا شريكتها في حلف شمال الأطلسي.
كانت وزارة الخارجية الأمريكية قد أرسلت توصياتها إلى مجلس الأمن القومي داعية إلى فرض عقوبات فورية على أفراد وكيانات في تركيا وكان من المقرر تنفيذ تلك الإجراءات بمجرد أن يعتمدها الرئيس دونالد ترامب.
لكن مصدرين مطلعين على عملية اتخاذ القرار عند ترامب قالا إنه لم يفعل ذلك وخالف أقرب مستشاريه إليه. ويرفض ترامب حتى الآن فرض عقوبات على أنقرة لشرائها النظام الصاروخي إس-400 الروسي الذي تقول واشنطن إنه يعرض دفاعات حلف شمال الأطلسي للخطر.
ورغم أن مخالفة نصائح المستشارين أمر شائع عند ترامب فقد حال تصرفه الفطري أن يتعامل باللين مع تركيا دون حدوث انهيار كامل في العلاقات المتدهورة بشدة بين أنقرة وواشنطن.
كانت الشراكة القائمة بين البلدين منذ عشرات السنين قد شهدت اضطراباً لم يسبق له مثيل في السنوات الخمس الأخيرة بسبب خلافات على السياسات الخاصة بسوريا والعلاقات الأوثق التي ربطت بين أنقرة وموسكو وطموحات تركيا في شرق البحر المتوسط واتهامات أمريكية موجهة لبنك تركي مملوك للدولة وتراجع الحقوق والحريات في تركيا.
ماذا سيفعل بايدن؟
وإذا فاز المرشح الديمقراطي جو بايدن منافس ترامب في الانتخابات التي تجري يوم الثلاثاء القادم، فإنه سيتبنى موقفاً أكثر صرامة من تركيا خاصة فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان وربما يفرض عقوبات بسبب شراء أنقرة نظام الصواريخ الروسي إس-400 بعد أن أكد أردوغان الأسبوع الماضي اختبار النظام.
غير أن محللين قالوا إن الأولوية بالنسبة لبايدن ستكون مواجهة روسيا وإيران وإعادة الاستثمار في التحالفات متعددة الأطراف وهو ما قد يفيد أنقرة.
وقال ماكس هوفمان المدير المشارك بمركز التقدم الأمريكي "من المستبعد أن يلجأ بايدن إلى نهج تلقائي بفرض العقوبات، مثلما يفترض كثيرون فيما يبدو، لكنه سيضيق الهوة على الأرجح بين صفوف المسؤولين المتخصصين في الحكومة الأمريكية والبيت الأبيض، وهي الهوة التي اتسعت في عهد ترامب".
وقال توري توسيج مدير الأبحاث بمركز بيلفر بكلية كينيدي في هارفارد "أعتقد أن من الإنصاف القول إنك ستشهد تحولاً أقوى (من إدارة بايدن) ضد الحكومة التركية حين تتعارض مع المصالح الأمريكية".
وأشار إلى أن تراجع الديمقراطية في تركيا سيكون على الأرجح مصدراً أكثر أهمية للقلق.
وامتنع مسؤولون في حملة الدعاية الانتخابية لبايدن عن التعليق في هذا التقرير.
اللجوء إلى الكونغرس!
سيكون من أوائل الخطوات التي يخطوها بايدن في السياسة الخارجية إعادة التزام واشنطن بالتحالفات وعلى رأسها حلف شمال الأطلسي الذي لحق الضرر بتماسكه في عهد ترامب بتشكيكه في أهمية الحلف القائم منذ 70 عاماً.
وقال المحللون إن إصلاح التحالف بين الولايات المتحدة وأوروبا سيدفع بايدن للعمل مع تركيا أو على أقل تقدير السعي في هذا الاتجاه.
وقال سونر كاجابتاي، وهو باحث كبير في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى "أتوقع أن يتواصل بايدن مع أردوغان لأن الأولوية ستكون لإنعاش حلف شمال الأطلسي، وتعلمون أن ذلك غير ممكن دون تركيا".
لكن ذلك الجهد سوف يصطدم مع الضغط المتزايد من جانب الكونغرس لفرض قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات، وهو تشريع أقره مجلس الشيوخ الأمريكي بموافقة 98 عضواً مقابل رفض عضوين اثنين ومصمم لمعاقبة اعتداء روسيا وإيران وكوريا الشمالية وردع الدول الأخرى عن التعاون مع هذه الدول.
وقال السناتور الديمقراطي كريس فان هولند في مقابلة "صبر الكونغرس نفد بالفعل. أتصور أنكم ستجدون تأييداً من الحزبين (الديمقراطي والجمهوري) في الكونغرس لدفع الإدارة، أياً كانت، للمتابعة من خلال عقوبات قانون مكافحة أعداء أمريكا".
وحتى الآن تمثل عقاب واشنطن لأنقرة على شرائها النظام الصاروخي الروسي في استبعاد تركيا من برنامج الطائرات المقاتلة إف-35. لكن الشركات التركية ما زالت تنتج مكونات هذه الطائرات.
وكتب إمري بيكر، وهو مدير في مجموعة أوراسيا لاستشارات المخاطر السياسية، في مذكرة بحثية حديثة أن أنقرة وواشنطن لديهما فسحة زمنية بين ستة وتسعة أشهر لإعادة العلاقات وبناء النوايا الحسنة مع استمرار ارتفاع "احتمالات الحوادث" وتزايدها بمرور الوقت.
وأضاف بيكر "في ظل خيارات معاقبة تركيا، وبغض النظر عن تخلي أنقرة عن صواريخ إس -400، من المرجح أن يبدأ بايدن في فرض إجراءات أخف وطأة قرب نهاية عام 2021 بموجب قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات ويهدد باتخاذ إجراء أكثر صعوبة ما لم تتراجع تركيا عن مسارها. قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات قد يكون كارثياً لتركيا".