انتهت أولى مباريات دور الـ 16 بين فرنسا والأرجنتين، بفوز "الديوك" 4-3 في لقاءٍ كان مثيراً حتى اللحظات الأخيرة، لكن ما فعله الشاب المثير للإعجاب كيليان مبابي كان كفيلاً بضمان بطاقة التأهل لصالح فرنسا، لتكون أول المتأهلين إلى الدور ربع النهائي من المونديال الروسيّ.
قطار "الإكسبريس" السريع.. مبابي!
بعمر الـ 19 فقط يقود مبابي فرنسا للعبور على حساب الأرجنتين. في عمر الـ 19 فقط يراوغ 4 لاعبين، ثم يحصل على ركلة جزاء في مباراة دور الـ 16. في عمر الـ 19 فقط يظهر مبابي بثوب البطل، مرتفعاً فوق كل النجوم على أرضية الميدان، ويسجل هدفين يقتلان الحلم الأرجنتينيّ تماماً. في عمر الـ 19 فقط ينقذ مبابي المدرب ديدييه ديشامب من المقصلة، ويحمل أحلام الفرنسيين على أكتافه، عابراً بهم ببراعة ورشاقة يحسد عليها.
لا تَقُل مبابي، ولكن قُل "قطار الإكسبريس السريع"؛ برشاقة تيري هنري يركض مبابي كالغزال على أرضية الميدان، وبحسم تريزيغيه يسجل الأهداف بلا هوادة، أضف إلى ذلك مهارة بالغة في المراوغة والانطلاق والقوة في الالتحامات. مبابي هو أفضل موهبة ظهرت منذ ظهور كريستيانو رونالدو وميسي على الساحة الكروية، لا أدري كيف للاعب في سن الـ 19 أن يكون هكذا!
كيف سيصبح عندما يبلغ الـ 25 من عمره؟
إن قُدر لفرنسا الفوز بالمونديال فسيكون بفضل مبابي، وحينها سيكون على المدرب ديدييه ديشامب أن يتشارك معه راتبه والجائزة المالية، وربما يعطيه الميدالية الذهبية أيضاً.
فليحبس العالم أنفاسه خلال السنوات القادمة منتظراً الفرنسي المهاجر، كيليان مبابي.
الأرجنتين.. لقطات بلا فريق
لقطة يسجل بها سيرجيو أغويرو في المباراة الافتتاحية، وأخرى يعبر بها روخو بالأرجنتين أمام نيجيريا، واليوم لقطة من دي ماريا وأخرى من ميسي، والآن سيطير المنتخب الأرجنتيني إلى بيونس آيريس لاستقبال اللعنات من المشجعين. هذه هي قصة الأرجنتين في "روسيا 2018" باختصار.
والحقيقة أن هذه الحكاية القصيرة ثقيلة الظل على محبي "راقصي التانغو" ليست مفاجأة على الإطلاق؛ فالمنتخب الذي لم يستطع الفوز على آيسلندا وخسر بثلاثية بيضاء أمام كرواتيا، ثم عبر بشق الأنفس أمام نيجيريا، ناهيك عن خسارته أمام إسبانيا بسداسية في المباريات التحضيرية، هو منتخب يستحيل أن يفوز بكأس العالم.
منتخب الأرجنتين لم يكن سوى مجموعة من اللاعبين ينتجون لقطات فردية، لكنهم غير قادرين على خلق مجموعة، غير قادرين على تكوين فريق كرة قدم متجانس، والسبب في هذا بشكل واضح هو المدرب.
خورخي سامباولي الذي قاد منتخب تشيلي للفوز بكوبا أميركا، وقدَّم موسماً متوسطاً مع نادي إشبيلية الإسباني، وحقَّق التأهل لمنتخب بلاده إلى مونديال روسيا بعد معاناة كبيرة، لكن خطته القائمة على بدء اللعب من الخلف والضغط العالي على الخصم لا تناسب إمكانات لاعبي المنتخب، مثل العجوز ماسكيرانو والظهير الأيسر السيئ نيكولاس تاغليافيكيو، ومتوسط الميدان إنزو بيريز والظهير الأيمن ميركادو.
وهذا ما حدث، عندما استطاع لاعبو المنتخب الفرنسي السيطرة على نصف الملعب بسهولة تامة، بتواجد بول بوغبا في أعلى مستوياته، واستخلاصه العديد من الكرات في مناطق المنتخب الأرجنتيني، ما جعل المنتخب الأرجنتينيّ تحت التهديد طيلة الوقت.
كما أن إمكانات ماسكيرانو وبيريز وبانيغا لا تسمح لهم بإحكام السيطرة على وسط الملعب، أمام فريق بحجم المنتخب الفرنسي الذي يمتلك خط وسط "مرعباً"، بوجود لاعبين بقيمة نغولو كانتي وبوغبا وماتويدي. إضافة إلى طلب المدرب بناء اللعب والاعتماد الكامل على التمريرات الأرضية الدقيقة من قدم لقدم، وهو ما لا يقدر عليه أمثال هؤلاء اللاعبين. فهم لا يملكون المهارة الكافية، سواء للمراوغة أو الاحتفاظ بالكرة تحت الضغط. هذا جعل المنتخب الأرجنتيني عرضة لهزائم كثيرة، سواء في المباريات الودية مثلما خسر من منتخب إسبانيا 1-6، أو خلال مشوار التصفيات المؤهلة إلى كأس العالم، ثم اليوم أمام "الديوك" الفرنسية.
كما أن اعتماد المدرب الأرجنتيني على ميسي وحده اليوم كمهاجم دون إشراك أغويرو أو ديبالا يعد درباً من دروب الجنون والانتحار، أو كما يقولون في الصحافة الأرجنتينية بأن سامباولي يصر على "الرقص بلا راقصين".
الجانب الإحصائي
تظهر إحصائيات موقع Who Scored المتخصص، كيف كان مجموعة كبيرة من لاعبي المنتخب الأرجنتيني خارج نطاق الخدمة خلال المباراة، خاصة حارس المرمى الذي حصل على أقل تقييم بين جميع اللاعبين وثالث أقل تقييم منذ انطلاق نهائيات كأس العالم 2018.
فيما عدا ذلك تظهر الأرقام تقارباً خادعاً في المستوى والفرص والتسديدات لكن كل من شاهد المباراة يعلم أن النتيجة كانت رحيمة للغاية بالمنتخب الأرجنتينيّ.
في النهاية استحقت الأرجنتين الهزيمة، ولولا قلة خبرة لاعبي فرنسا في مثل هذه المواعيد الكبيرة لانتهت المباراة بنتيجة أكبر من ذلك بكثير، لكن ربما كان القدر رحيماً بميسي كي لا ينتهي موندياله بطريقة مأساوية.