بينما يسير التطبيع الإماراتي الإسرائيلي في جميع المجالات بسرعة الصاروخ، وفي أجواء احتفالية من قِبل المسؤولين في البلدين، ركزت وسائل إعلام عبرية على الفساد المالي في الدولة الخليجية، موجهةً تحذيرات للمستثمرين الإسرائيليين، فما القصة هذه المرة؟
تعويل إماراتي على الاستثمار الإسرائيلي
بدأت صحيفة هآرتس الإسرائيلية تقريرها بذكر توقعات وزير الاقتصاد الإماراتي عبدالله بن طوق المري بأن بلاده تنتظر صفقات تجارية جديدة نتيجة اتفاق السلام ما يصل إلى 550 مليون دولار، بما في ذلك من خلال مشاريع الطاقة الشمسية المشتركة، حيث تسعى الإمارات لتقليل اعتمادها على قطاع النفط.
كما عددت الصحيفة بعض المكاسب الأخرى التي تنتظرها الإمارات بتوقيع اتفاق التطبيع، أبرزها أن الدولة الخليجية أوجدت بالتأكيد العديد من الفرص الاقتصادية الجديدة، ونوّعت شركاءها التجاريين بعيداً عن العالم العربي، ناهيك عن التودد إلى واشنطن.
وبحسب الصحيفة أيضاً فإن الاقتصاد الإماراتي تضرَّر بشدة بفعل تداعيات جائحة كورونا وانخفاض أسعار النفط، ومن ثم فإن توقيع الاتفاقيات بشكل يومي في جميع المجالات مع الجانب الإسرائيلي، وخصوصا في القطاع المالي، يُنظر إليه في أبوظبي على أنه طوق نجاة لتدفق الاستثمارات مع لهفة واضحة من جانب المستثمرين الإسرائيليين لانتهاز الفرصة.
رسالة تحذير من "الفساد المالي"
لكن الصحيفة طالبت المستثمرين الإسرائيليين وغيرهم بعدم الانبهار بالمظاهر البراقة في الإمارات، والحذر من الفساد المالي في هذه الدولة الخليجية، حيث أكدت تسريبات FinCEN (المركز المالي) الأخيرة، أن الإمارات لا تزال تعاني من أوجه قصور كبيرة فيما يتعلق بقوة نظامها المالي الذي يمكن أن يعطل صفقات الشركاء المحتملين في إسرائيل.
"في الواقع، سيعتمد قدر كبير من نجاح الاتفاقية الإسرائيلية الإماراتية على المدى الطويل على رغبة الإمارات في إصلاح أطرها المالية والقانونية بشكل حقيقي، بحيث يمكن أن تصبح مركزاً مالياً عالمياً في حقبة ما بعد النفط، دون السماح للفساد والأموال غير المشروعة بالانتشار، وتلطيخ سمعتها".
وأشارت الصحيفة إلى أنه على مدى العقدين الماضيين تمكنت الإمارات من تسويق نفسها عبر بعض "السياسات البراغماتية" بأنها تحولت إلى دولة جاذبة للتجارة والسفر والاستثمار، لكن تسريبات FinCEN الأخيرة، كشفت أن هذه الصورة تمت بغض الطرف عن التدفقات المالية التي تنطوي على مشاكل.
تلك الوثائق، بحسب الصحيفة، أظهرت أن البنك المركزي الإماراتي تورط في الفساد، عبر السماح لشركة Gunes General Trading ومقرها دبي، بمساعدة إيران في التهرب من العقوبات، وهذا هو بالضبط نوع من الفساد الذي تمارسه الدولة الخليجية لتحقيق تطلعاتها في أن تصبح مركزاً تجارياً دولياً والاستفادة الكاملة من العلاقات الطبيعية مع إسرائيل.
جدير بالذكر هنا أن قوة العمل المالي وهي هيئة دولية تراقب غسيل الأموال وتمويل الإرهاب حول العالم اعتبرت في آخر تقرير دولي لها، في أبريل/نيسان الماضي، أن الإمارات "لا تفعل ما يكفي لمنع غسيل الأموال"، وقررت الهيئة ومقرها باريس وضع الدولة الخليجية في القائمة الرمادية "أي تحت المراقبة الدقيقة لمدة عام"، بحسب تقرير لوكالة رويترز.
ورصد التقرير الذي أصدرته الهيئة 10 عناصر من 11 عنصراً في النظام المالي مطلوبٌ من الإمارات إدخال تحسينات جوهرية عليها خلال مهلة العام، وإلا وجدت نفسها في القائمة السوداء التي تضم "اليمن وسوريا وباكستان" في مجال غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، حيث أظهر التقرير الذي استغرق إعداده 14 شهراً وشمل زيارات للمحققين الماليين التابعين للهيئة إلى الدولة الخليجية، أن إجراءات الإمارات للتحقيق في شبهات غسيل الأموال على أراضيها، وخصوصاً في دبي، تفتقد للجدية ويشوبها الفساد بصورة نمطية.
ومع الانخفاض الأخير في عائدات النفط والغاز، لم تعد الإمارات قادرة على قبول التناقضات داخل نظامها القضائي وتسامحها مع رأس المال الفاسد الذي لا يزال يثير تساؤلات بين المستثمرين، كما أن تسريبات FinCEN التي أظهرت نقاط الضعف في النظام المالي لدولة الإمارات، وضعت النظام القانوني الإماراتي تحت دائرة الضوء الدولية المماثلة.
تناقضات قانونية في قضية "طلاق القرن"
وفي أغسطس/آب الماضي، رفضت محكمة التمييز في دبي -أعلى محكمة في الإمارة- محاولة من قبل "تاتيانا أحمدوفا"، الزوجة السابقة للملياردير الروسي "فرهاد أحمدوف"، مصادرة يخت زوجها السابق كدفعة من فاتورة الطلاق البالغة 453 مليون جنيه إسترليني، رغم صدور قرار من المحكمة العليا في لندن بأحقيتها في اليخت كجزء من فاتورة الطلاق.
وعلقت الصحيفة الإسرائيلية على الأمر بالقول: "في حين أن هذا الحكم قد يبدو شأناً محلياً تافهاً، فإن النقطة الأساسية هي أنه في أثناء الإجراءات رفضت محكمة دبي احترام قرار محكمة بريطانية، وهي سابقة مقلقة للمستثمرين الإسرائيليين المحتملين"، مضيفة أن قضية "أحمدوف" كشفت عن ثغرات في النظام القضائي لدولة الإمارات، قد يكون لها عواقب بعيدة المدى.
اللافت في قضية أحمدوف أن محكمة التمييز في دبي رفضت دعوى تعويض رفعها الملياردير الروسي مطالباً طليقته بمبلغ 115 مليون دولار، زعم أنه خسرها بسبب احتجاز اليخت لونا في الفترة الماضية، وصرح محامي تاتيانا لصحيفة ذي ناشيونال التي تصدر باللغة الإنجليزية في الإمارات بأن الدعوى التي رفضتها محكمة دبي وألزمت الملياردير الروسي بمصروفات الدعوى ليست سوى محاولة جديدة من أحمدوف للتهرب من تنفيذ قرار المحكمة البريطانية، بإلزامه بدفع 453 مليون جنيه إسترليني (حوالي 586 مليون دولار)، ما يعادل 40% تقريباً من ثروته التي تزيد بحسب التقديرات عن مليار و400 مليون دولار.
وأضاف المحامي اليساندرو تريكولي، أن قرار محكمة دبي يعد انتصاراً مهماً لموكلته تاتيانا، خاصة أن القرار ملزم ولا يمكن الاستئناف عليه، مشيراً إلى أن قرار المحكمة كشف تلاعب السيد أحمدوف الذي ادعى قبل ذلك أمام محكمة استئناف دبي بأن اليخت للاستخدام الشخصي وليس لأغراض تجارية، بالتالي لا يخضع لتقسيم الثروة، ثم عاد ليرفع دعوى تعويض عن الأضرار المادية التي لحقت به جراء توقف اليخت.
ماذا قد يعني ذلك بالنسبة للنظام المالي؟
القضية المعروفة إعلامياً باسم "طلاق القرن" شهدت فصولاً متعددة من خلال استغلال أحمدوف -الذي تربطه علاقات وثيقة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين- علاقاته المتشعبة لإخفاء ثروته وعدم الالتزام بما حكمت به المحكمة العليا في لندن، مستفيداً من فساد النظام المالي في الإمارات، بحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية.
كما قالت صحيفة هآرتس "الحكم لصالح أحمدوف" قد يكون أمراً محلياً "تافهاً"، لكن التركيز من الجانب الإسرائيلي ينصب على النظام القضائي والمالي في الإمارات، فيما يبدو أنه ضغوط من أجل تغيير ذلك النظام بصورة تضمن للمستثمرين الإسرائيليين مصالحهم.
ويرى كثير من المراقبين لقصة التطبيع الإماراتي الإسرائيلي والسرعة التي يتم بها الإعلان عن اتفاقيات جديدة يومياً، أن ما يمكن وصفه "بالانبطاح التام من جانب أبوظبي لكل ما تريده إسرائيل" يشير إلى أنه من غير المستبعد أن يشهد النظام المالي وربما القضائي أيضاً تغييرات جذرية، هدفها الأساسي طمأنة المستثمرين الإسرائيليين.