“سيقوّي قبضة العسكر”.. واشنطن بوست: ابتزاز ترامب السودان للتطبيع مع إسرائيل سيتأتي بنتائج عكسية

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/10/21 الساعة 14:17 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/10/21 الساعة 17:03 بتوقيت غرينتش
السفارة الأمريكية بالخرطوم تعلن إزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب/رويترز

يبدو الانفتاح الجديد من جانب ترامب تجاه السودان في ظاهره كما لو أنه "انتصار دبلوماسي". إذ أعلن يوم الإثنين 19 أكتوبر/تشرين الأول، أن إدارته سوف ترفع اسم السودان من قائمة الولايات المتحدة للدول الراعية للإرهاب، التي ظل السودان فيها 27 عاماً. لا شك في أن الشطب يشكل أنباءً سارةً للسودان؛ إذ إن إضافته إلى هذه القائمة حرم حكومته من التحويلات الدولارية الدولية وحدّ من قدرته على جذب الاستثمارات الأجنبية والمساعدات والقروض، كما تقول صحيفة The Washington Post الأمريكية.

وفي غضون ذلك، لدى ترامب الآن انتصار آخر على نمط "أمريكا أولاً"، كي يتباهى به خلال المناظرة الرئاسية التي تعقد الخميس 22 أكتوبر/تشرين الأول. وفي إطار اتفاق البيت الأبيض مع الخرطوم، سوف يدفع السودان تعويضات بقيمة 335 مليون دولار إلى عائلات الضحايا الأمريكيين الذين سقطوا في الهجمات التي استهدفت السفارتين الأمريكيتين في كينيا وتنزانيا عام 1998، وضحايا تفجير المدمرة الأمريكية "يو إس إس كول" في عام 2000. اضطلع السودان في ذلك الوقت بدور في هذه الهجمات من خلال استضافة شبكات المسلحين المرتبطة بتنظيم القاعدة. وفي يوم الثلاثاء 20 أكتوبر/تشرين الأول، أكد محمد زين العابدين، محافظ البنك المركزي السوداني، أن هذه الأموال حُولت فعلياً وفي انتظار صرفها.

تبعات التطبيع مع إسرائيل

لكن بالنسبة للبيت الأبيض، ثمة جائزة مختلفة في الحسبان. يتوقع ترامب وحلفاؤه أن دفء العلاقات بين الولايات المتحدة والسودان سوف يقود الخرطوم إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل. على مدى أشهر، تجادَل الدبلوماسيون سراً حول توقيت وكيفية انضمام السودان إلى حفنة من الدول العربية التي أجرت اتصالات رسمية مع الإسرائيليين. إحدى هذه الدول، وهي الإمارات، اضطلعت بدور هائل في التوسط للتقارب بين الخرطوم وواشنطن، وكذلك في إقناع الخرطوم للحاق بمسار التطبيع.

ستكون رمزية مثل هذه الخطوة أمراً محتوماً. ففي عام 1967، استضافت الخرطوم كبار الشخصيات بالجامعة العربية، الذين أعلنوا في أعقاب نكسة 1967، ما عُرف بقرار "اللاءات الثلاثة": لا صلح مع إسرائيل، ولا اعتراف بإسرائيل، ولا تفاوض مع إسرائيل. تغير الموقف على مدى عقود، لكن السودان ظل خصماً صريحاً لإسرائيل وقدَّم الدعم إلى الجماعات والفصائل التي تنفذ عمليات ضدها.

والآن، يتحالف القادة العسكريون الذين حلوا محل البشير -وضمنهم شخصيات مرتبطة بتاريخ دموي من جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان- في أمثلةٍ عديدةٍ تحالفاً وثيقاً مع الإماراتيين والسعوديين. في العام الماضي، ساعد رداء المساعدات المالية الذي بسطته هذه الدول أمام السودان على تعزيز النظام المؤقت بالدولة الإفريقية في مواجهة الاحتجاجات المنظمة المؤيدة للديمقراطية.

تقوية العسكر 

كتب جان بابتيست جالوبين، الباحث لدى المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، في وقت سابق من هذا العام: "عملية إعادة ترتيب الأوضاع الدولية للسودان تمت بسرعة. خلال أقل من سنة، والدعم المالي القادم من السعودية والإمارات منح الجنرالات فسحة من الأمر كانت ضرورية للتصدي للمطالب التي تنادي بحكم مدني، وشكلت توازنات قوى مائلة أتاحت للجنرالات شق طريقهم خلال مرحلة زمنية من الحشد الجماهيري".

يُحتمل أن يكون قادة السودان المدنيون أكثر تفضيلاً لاتخاذ قرار واضح حول إسرائيل في وقت لاحق، ربما بعد أن تعقد البلاد الانتخابات في 2022. كتب يوناتان توفال، محلل السياسة الخارجية الكبير لدى المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية (Mitvim)، في صحيفة Haaretz الإسرائيلية، أن "تنمر" إدارة ترامب بالسودان لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، في وقت قريب، سيقوي العسكر، إذ يمكن أن يرسخ إحكام القبضة الحديدية للجيش على الأمن القومي للبلاد، بينما سوف يساعد الإسلاميين على حشد المعارضة الجماهيرية تحت لوائهم".

أضاف توفال: "بدلاً من التبشير بعلاقة مزدهرة بين الجانبين، فإن الطريقة العدوانية التي تلوي بها إدارة ترامب يد السودان للمخاطرة بتقويض العملية الحساسة لتحوُّل البلاد نحو الديمقراطية، تعزز قوة جيشه على حساب الأطراف المعنية من المدنيين، وتزيد من قوة مناشدات الجماعات الإسلامية، وفي نهاية المطاف تقضي على أي علاقة بين إسرائيل والسودان وتدفعها نحو نهاية مبكرة وسريعة". 

"تهديد التحول الديمقراطي"

يعبر الخبراء في واشنطن عن حسرتهم من عدم اكتراث واشنطن بالتحول الديمقراطي الأعمق في السودان. بحسب روبي جرامر، مراسل مجلة Foreign Policy، لم يشارك موظفو السلك الدبلوماسي بمكتب إفريقيا التابع لوزارة الخارجية الأمريكية في المفاوضات، عندما ضغط البيت الأبيض وحلفاؤه على السودانيين المترددين في مسألة تطبيع العلاقات مع إسرائيل.

وأخبر زاك فيرتين، الزميل غير المقيم لدى معهد بروكنجز، الصحفيين في صحيفة The Washington Post بأن "واشنطن كان يتوجب عليها فعلياً أن تمنح نوعاً من المساعدات السياسية والاقتصادية من أجل أن تنجح عملية التحول السودانية المصيرية". وأضاف: "بدلاً من ذلك، امتنعت إدارة ترامب وابتزت ديمقراطيةً هشةً لخدمة أهدافها السياسية الداخلية".

يعمل ترامب وفقاً لجدول زمني ضيق، لكن بعض مراقبي الشأن السوداني يأملون رؤية تغير في النهج.  كتب كاميرون هدسون، كبير الباحثين بالمجلس الأطلنطي: "في الأسبوعين المتبقيَين قبل يوم الانتخابات، سوف تفعل الإدارة ما في وسعها لكي تجعل شطب السودان من قائمة الإرهاب ليس مجرد نصر دبلوماسي عابر أو إثبات إضافي لخطتها في الشرق الأوسط، بل بدلاً من ذلك (سوف تحاول أن تجعله) خطوة نحو قضية أكبر تتعلق بتحقيق التحول الديمقراطي السلمي في القرن الإفريقي وما وراءه".

تحميل المزيد