مع اقتراب السباق الانتخابي من نهايته بعد أن بدأ التصويت بالفعل، يستعد رمز الحزب الديمقراطي الأبرز حالياً باراك أوباما، للنزول إلى الساحة لدعم جو بايدن، بينما يفتقد دونالد ترامب دعم جورج بوش الابن، فكيف سيؤثر هذا الظهور المتأخر لأوباما؟
أكثر من 10 ملايين ناخب صوتوا بالفعل
انطلقت الثلاثاء 13 أكتوبر/تشرين الأول، عملية التصويت في الانتخابات الأمريكية الأكثر شراسة بالتاريخ الحديث، حيث أدلى أكثر من 50 ألف ناخب بأصواتهم في ولاية تكساس من خلال 122 مركز اقتراع للتصويت المبكر في مقاطعة هاريس التي تقع ضمنها مدينة هيوستن، كما أدلى أكثر من 20 ألف ناخب بأصواتهم في مقاطعة تارينت بالولاية نفسها.
وللتوضيح، فإن يوم 3 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل والمعروف بيوم الانتخابات، هو اليوم الأخير الذي تنتهي فيه عملية التصويت الشعبي، لكن أغلب الولايات تسمح بفتح باب التصويت مبكراً، من خلال مراكز التصويت المبكر؛ للتسهيل على الناخبين وعلى مسؤولي العملية الانتخابية، ولم تكن عملية التصويت المبكر تلقى الأهمية ولا التغطية الإعلامية التي تلقاها هذه المرة، لسبب أساسي هو جائحة كورونا.
فالوباء المتفشي في البلاد والذي أصاب الملايين وأودى بحياة أكثر من 215 ألف مواطن، لا يزال يمثل خطراً حقيقياً مع الارتفاعات القياسية المسجلة يومياً في أكثر من نصف الولايات؛ وهو ما أدى إلى إقبال كثير من المواطنين على خيار التصويت المبكر، خصوصاً بين الفئات التي لا ترغب في اللجوء إلى التصويت عبر البريد أو الذين يخشون زحام يوم الانتخابات وما قد يحمله من ارتفاع خطر الإصابة بالعدوى.
وفي ولاية جوروجيا انطلق التصويت المبكر، الإثنين 12 أكتوبر/تشرين الأول، حيث أدلى 126 ألفاً بأصواتهم في اليوم نفسه، بحسب تقرير لشبكة CNN، وشهدت مراكز الاقتراع المبكر في جورجيا طوابير طويلة، واضطر بعض الناخبين إلى الانتظار ساعات طويلة وصلت مع البعض إلى 8 ساعات كاملة، حتى يدلوا بأصواتهم، كما شهد مركز اقتراع رئيسي في أتلانتا عطلاً تقنياً؛ مما أدى إلى مزيد من البطء في عملية التصويت.
وحتى الأربعاء 14 أكتوبر/تشرين الأول، أدلى أكثر من 10.5 مليون أمريكي بأصواتهم بالفعل، بحسب البيانات التي تم جمعها من 41 ولاية، بينها أكثر من 6 ملايين صوت تم الإدلاء بها في 16 ولاية مصنفة ضمن الولايات الأكثر تقارباً بين المرشحَين: الجمهوري دونالد ترامب، والديمقراطي جو بايدن.
وتُظهر توجهات التصويت أن الديمقراطيين يفضلون التصويت المبكر أو التصويت عبر البريد، بينما يميل الجمهوريون أكثر إلى التصويت بطريقة تقليدية في يوم الانتخابات، وهذا ما يُرجعه المحللون إلى مزاعم ترامب المتكررة بشأن تزوير بطاقات الاقتراع عبر البريد من جهة، والتهوين من خطورة وباء كورونا من جهة أخرى.
تداعيات الوباء على الانتخابات التاريخية
الحقيقة أن فشل ترامب حتى الآن في فرض ملف غير الوباء إلى قمة القضايا الانتخابية يمثل خطراً كبيراً على فرص فوزه بفترة ثانية، حيث إنَّ فشل إدارته الكارثي في التعامل مع الجائحة يعتبر من الأمور التي دائماً ما يبدو أن غالبية الأمريكيين مقتنعون بها رغم إصرار ترامب على أنه أنقذ ملايين الأرواح.
ومن ثم فإن زيادة إقبال الأمريكيين على التصويت المبكر والتصويت عبر البريد لا تمثل إشارة جيدة للرئيس، وإن كان بعض المراقبين يرون أن التغييرات التي فرضتها الجائحة على السلوك التصويتي للأمريكيين ربما لا تنتهي بانتهاء الجائحة، بمعنى أن المزيد من الأمريكيين ربما يفضلون أكثر، التصويت عبر البريد أو التصويت مبكراً في الانتخابات القادمة وليس فقط هذه الانتخابات.
فالخوف من حدوث ارتفاعات قياسية على مستوى البلاد في يوم 3 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل أو يوم الانتخابات، يضاعفه اقترابُ فصل الشتاء وتحذيرات خبراء الأوبئة ومسؤولي الصحة العامة من موجة ثانية من التفشي ربما تكون أشد فتكاً من الموجة الأولى، وربما يكون هذا هو الدافع الأبرز وراء الإقبال على التصويت المبكر والتصويت عبر البريد، لكن هناك كثير من الأمريكيين عبَّروا عن عزمهم على اتباع إحدى الوسيلتين حتى بعد أن ينتهي الوباء.
باراك أوباما يستعد لتوجيه الضربة القاضية
وفي سياق الصراع الشرس بين ترامب وبايدن، رغم أن استطلاعات الرأي تضع الأخير في المقدمة بفارق مريح، قبل 20 يوماً فقط من يوم الانتخابات، هناك عنصر مهم يستعد للنزول إلى حلبة الصراع، وهو الرئيس السابق باراك أوباما؛ لدعم نائبه جو بايدن، وهي خطوة يراها مراقبون قد تمثل الضربة القاضية لترامب.
صحيفة الغارديان البريطانية تناولت القصة في تقرير بعنوان: "أوباما يلحق بقطار الحملة قبل محطته الأخيرة"، قارنت بين موقف الرئيس الديمقراطي من جهة وموقف آخر رئيس جمهوري وهو جورج بوش الابن، من جهة أخرى.
دعم أوباما لجو بايدن ليس جديداً ولم يكن خافياً بالطبع، فقد شارك الرئيس السابق بالفعل في جمع التبرعات، من خلال تجمعات افتراضية، كما صوَّرا معاً "محادثة متباعدة اجتماعياً" في يوليو/تموز الماضي، ركَّزا خلالها على توجيه انتقادات حادة لفشل استجابة ترامب لتحدي جائحة كورونا، لكن الجديد هنا هو الإعلان عن أنه سيشارك بصورة شخصية وسيلتحق بقطار الحملة الانتخابية في الأمتار الأخيرة من السباق.
ويمثل أوباما بالنسبة لكثيرين سياسياً عبقرياً يمتلك القدرة على شحذ حماسة الناخبين بصورة لا يضاهيه فيها أحد على الساحة حالياً، وهو ما يجعل من وجوده فيما تبقى من أيام قليلة إضافة قوية للغاية ربما تمثل ضربة موجعة لترامب الذي يَعتبر أوباما خصماً لدوداً، وسعى منذ اللحظة الأولى له في البيت الأبيض للقضاء على إرث أول رئيس من أصل إفريقي في تاريخ البلاد.
وقد أكد أحد مساعدي أوباما الأمر بالفعل بقوله لشبكة ABC News: "الرئيس أوباما يخطط بالفعل للحاق بقطار الحملة الانتخابية، إضافة إلى كل الأنشطة التي قام بها على مدار العام لدعم نائب الرئيس بايدن، وكما قال الرئيس أوباما، علينا جميعاً أن نفعل كل شيء ممكن للفوز في 3 نوفمبر/تشرين الثاني".
وإضافة إلى ما يمثله أي ظهور لأوباما في تجمُّع انتخابي لبايدن من دعم هائل وحماسة منتظرة بين صفوف الناخبين الديمقراطيين، فإن ذلك أيضاً سيلقي مزيداً من الأضواء على الشقاق داخل الحزب الجمهوري، خصوصاً أن آخر رئيس جمهوري وهو جورج بوش الابن لم يعلن حتى عن دعمه لدونالد ترامب، بل إنَّ تقريراً بصحيفة نيويورك تايمز، في أغسطس/آب الماضي، زعم أن جورج بوش سيعلن دعمه لبايدن، وإن كان أحد مساعدي الرئيس الأسبق نفى التقرير بعدها بأيام.
لكن جورج بوش لم يعبِّر عن دعمه لترامب بأي صورة من الصور، وهناك بعض الجمهوريين الذين يطالبون بوش بالخروج علناً ودعم بايدن، وهو ما يُظهر التناقض بين الشقاق داخل صفوف الجمهوريين مقابل توحُّد الديمقراطيين، وهو الأمر الذي يعزو كثير من المراقبين المستقلين الفضل فيه إلى ترامب نفسه، الذي نجح بأسلوبه العدائي وفوضوية إدارته في شق صفوف الحزب الجمهوري وتوحيد الديمقراطيين ضده في المقابل، فهل يكون ظهور أوباما في الفترة القليلة القادمة المسمار الأخير في نعش رئاسة ترامب؟