قال المفوض العام لـ"وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" (UNRWA)، فيليب لازاريني، إن الفلسطينيين باتوا يعانون مستويات غير مسبوقة من الفقر، تحت تأثير انتشار جائحة كورونا، مشيراً إلى "أن البعض في غزة لجأوا إلى التنقيب في القمامة بحثاً عما يسد رمقهم".
أشار لازاريني في مقابلة لصحيفة The Guardian البريطانية 12 أكتوبر/تشرين الأول 2020 إلى أن اللاجئين الفلسطينيين في جميع أنحاء لبنان وسوريا والأردن وغزة، وأماكن أخرى يكابدون معاناة أشد وطأة من غيرهم جراء الجائحة، كما أكد المسؤول الأممي أن اللاجئين "تسودهم حالة من البؤس واليأس".
استند لازاريني في حديثه إلى تقرير لموظفيه من قطاع غزة، يشير إلى أن "أعداداً أكبر من الناس باتت تصارع لتوفير وجبة أو وجبتين على الأكثر في اليوم لأسرهم".
أزمات متراكمة: كان لازاريني، ذو الباع الطويل في العمل الإنساني، قد عُيّن مفوضاً عاماً للأونروا في إبريل/نيسان الماضي، وجاءت فترة ولايته في وقت تعاني فيه الوكالة أزمة عميقة.
أول أبعاد تلك الأزمة هو الانهيار في العلاقة مع أكبر مانح للوكالة سابقاً، الولايات المتحدة، التي باتت تدعي -تماشياً مع الهجمات الإسرائيلية طويلة الأمد على الوكالة– بأنها "معيبة على نحو لا يمكن إصلاحه".
البعد الثاني للأزمة الخطر المتعلق بانتشار فيروس كورونا في مخيمات اللاجئين في جميع أنحاء الشرق الأوسط، التي تضم 5.6 مليون فلسطيني تدعمهم الأونروا، كما يلوح في الأفق ضم إسرائيل المحتمل لأراضي الضفة الغربية المحتلة، ما يهدد بعرقلة عمل الأونروا هناك على نحو أكبر.
أما البعد الأخير للأزمة فهي استقالة الرئيس السابق للأونروا العام الماضي بعد تحقيق انطوى على اتهامات بمحاباة الأقارب على نطاق واسع في المنظمة، فضلاً عن مزاعم بتوظيف مستشارة على علاقة عاطفية معه.
أوكلت الأمم المتحدة إلى السويسري لازاريني، الذي يتمتع بكفاءة دبلوماسية وخبرة ثلاثة عقود من العمل الإنساني، مهمةَ إعادة الاستقرار إلى المنظمة التي تعاني اضطراباً حاداً في أوضاعها.
عن ذلك، يقول لازاريني: "في ظل بيئة غير مستقرة ومتقلبة بشدة، نحتاج إلى أن تكون الأونروا منظمة يمكن التنبؤ بمسارها، نحن بحاجة إلى منظمة متزنة يمكن توقعها ويمكن توقع مصارف إنفاقها، مقارنة بالتمويلات الموجهة إليها".
يشير لازاريني إلى أن الوكالة "تعيش حالة أزمة مستمرة فيما يتعلق بالتدفق النقدي"، ومن ثم فهي تلاحق الأموال باستمرار.
وبالنظر إلى أن الوكالة تعاني عجزاً سنوياً في الميزانية بلغ ما يزيد عن 100 مليون جنيه إسترليني (130 مليون دولار)، فإن الوفاء بمستحقات 30 ألف موظف لن يؤدي إلا نفاد الأموال المتوفرة في المنظمة خلال 4 أو 5 أسابيع على الأكثر، وهو ما يعتبره لازاريني: "أمراً مقلقاً جداً".
كانت الأزمة المالية للوكالة تفاقمت في عام 2018، عندما قطع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ما يصل إلى 300 مليون دولار من حصة بلاده السنوية المخصصة للمنظمة، وذلك كنوع من العقاب للفلسطينيين لرفضهم قبول صفقة القرن الأمريكية.
نتائج عكسية: وفي الوقت الذي تعمل فيه الأونروا على إعادة بناء العلاقة مع واشنطن، أشار لازاريني إلى أن الخطوة الأمريكية ربما تكون قد جاءت بنتائج عكسية.
أشار لازاريني إلى أن قطع ترامب للمساعدات أدى إلى موجة من "التضامن الاستثنائي مع الأونروا"، حيث تكفل مانحون عالميون آخرون بسد النقص الواقع في احتياجاتها، وقد شهد 2018 أنجح عمليات جمع الأموال للأونروا من أجل ميزانيتها الأساسية، خلال السنوات الخمس الماضية.
ومع ذلك، فإن هذا الدعم تراجع مرة أخرى العام الماضي، بعدما استقال المفوض العام السابق للمنظمة، بيير كرينبول، على إثر تحقيق رسمي توصل إلى وجود "مشكلات إدارية"، كما كشفت مراجعة داخلية مسربة عن مزاعم "محسوبية وإجراءات تعسفية وتمييز وغيرها من ممارسات استغلال السلطة" اتُهمت بها المنظمة، إلا أن كرينبول نفى بشدة في السابق هذه الاتهامات ومزاعم المخالفات.
لكن على الرغم من حالة عدم الراحة التي تسببها عادةً إثارة موضوع هذه المخالفات، فإن لازاريني لا يحاول التهرب من الموضوع ويتناوله دون شروط عند مواجهته، فهو يقول إن الأونروا قد عززت منذ ذلك الحين هيئة الرقابة الداخلية وأمانة المظالم لطمأنة المانحين بشأن "الأسس الأخلاقية" للوكالة.
غير أنه وفي الوقت الذي كانت لا تزال فيه آثار الفضيحة تتلاشى، عانت الأونروا مشكلةً مالية مرة أخرى، هذه المرة بسبب جائحة كورونا، يقول لازاريني: "هناك مزيد من الضغط على المنظمة لتقديم المزيد، لكن في الوقت نفسه، فإن بيئة المانحين لدينا باتت أعقد لأنهم جميعاً قد تأثروا اقتصادياً بالجائحة".