توفر حالة اليأس التي دفعت دونالد ترامب لمغادرة المستشفى في مرحلة مبكرة، ونزعه القناع الطبي بأسلوب درامي بينما يقف على شرفة البيت الأبيض، بالرغم من أنه لا يزال يصارع فيروس كورونا المستجد، مؤشراً على مدى الخطر الذي ينتظر الأمريكيين الأسابيع الأربعة القادمة، كما تقول صحيفة The Guardian البريطانية.
وحذَّر الكثير ممن يدرسون حياة ترامب ومسيرته المهنية من أنه مستعد للتضحية بأي شخص -حتى أقرب المقربين له- لينقذ نفسه من مهانة عدم الفوز بولاية رئاسية ثانية، لكن حتى هم لم يستطيعوا تقديم توقعات أكيدة بشأن مدى حدوث هذه التضحية حرفياً.
ارتداء الأقنعة هو عدم ولاء للرئيس
وشمل ذلك خلق مناخ في البيت الأبيض يُسخَر فيه من ارتداء الأقنعة، واعتبارها علامة على عدم الولاء، وهي الخطيئة الأسوأ في بلاط ترامب. وأوصل ترامب هذه الرسالة، مساء الإثنين 5 أكتوبر/تشرين الأول، في مشهد درامي؛ إذ عاد إلى البيت الأبيض من دون قناع على وجهه، وسط حضور إجباري للمصورين. فقد تسبب ترامب في خلق بيئة عمل سامة لدرجة الموت المحتمل.
إضافة إلى ذلك، عقد ترامب فعالية لتحقيق استفادة قصوى من ترشيح إيمي باريت للمحكمة العليا، كانت ناقلاً فائقاً للعدوى بالفيروس، ثم انتشر في أنحاء البلاد هو ودائرته الضخمة من المقربين سعياً لحشد الأموال الداعمة لحملته الانتخابية.
وأصر ترامب على مغادرة المستشفى مساء الأحد، 4 أكتوبر/تشرين الأول، وسارت سيارته حول الحي ليلتقي بمجموعة صغيرة من الجماهير المخلصة التي تجمعت عند البوابة، ويستمتع بعبارات الإعجاب. وفي سبيل ذلك، أجبر عملاء الخدمة الأمنية السرية على الجلوس في سيارة واحدة مصفحة ومحكمة الإغلاق مع مريض تظهر عليه أعراض فيروس كورونا المستجد بقوة.
ترامب لا يستوعب المشكلة
وصحيح أنَّ الحراس الشخصيين موجودون لدرء الخطر عن الرئيس، لكن ليس تحمل الخطر الصادر منه هو، غير أنَّ هذا كان في الواقع ما طالبهم ترامب بفعله للظفر بلحظة استعراضية.
وفي غمار الغضب الذي أعقب ذلك بسبب عدم مبالة ترامب، بدا أنه لا يستوعب المشكلة؛ وهي أنه لم يُظهِر أي اهتمام بسلامة الآخرين، حتى الموظفين الحكوميين المُخلصِين له. وأثبت رد فعله فقط هذه النقطة، أي أنه لا يفهم أنَّ هؤلاء الأشخاص مهمون أيضاً.
فقد غرّد ترامب: "يُقال إنَّ وسائل الإعلام منزعجة لأنني ركبت سيارة آمنة للتعبير عن شكري للعديد من المعجبين والداعمين الذين وقفوا خارج المستشفى لساعات طويلة، وحتى أيام، لتقديم احترامهم لرئيسهم. وإن لم أفعل ذلك فستتهمني وسائل الإعلام بالوقاحة!".
وما يتضح هنا هو شعور الرئيس بأنه هو الضحية مرة أخرى، والوحيدون المهمون بخلافه هم أولئك الذين أظهروا ولاءهم الشخصي له.
ولم يعتقد أحد أنَّ مواجهة ترامب المميتة مع الفيروس ستُهذب نفسه (هذا إذا انتهت المواجهة حقاً؛ إذ أكد طبيبه أنه لم "يخرج من دائرة الخطر بعد"). لكن لم يظُهِر ترامب أي ندم على نهج البيت الأبيض المتعجرف تجاه الأقنعة والتباعد الاجتماعي، بل والأفدح من ذلك أنه عزز هذا السلوك.
وغرّد الرئيس: "لا تخافوا من كوفيد، لا تدعوه يسيطر على حياتكم. لقد طوّرنا، تحت إدارة ترامب، بعض الأدوية المعرفة الرائعة حقاً".
وغاب عنه تماماً الاعتراف بوفاة أكثر من 200 ألف أمريكي، ومعاناة ملايين آخرين من الأعراض الخطيرة وطويلة الأمد للفيروس، بل وحقيقة أنَّ بعض "الأدوية الرائعة حقاً" التي يحصل عليها المرضى في مستشفى والتر ريد تجريبية وبعيدة عن متناول المرضى العاديين.
بيد أنَّ هذه الحقائق واضحة لمعظم الأمريكيين، ففي استطلاع جديد أجرته منظمة SSRS بتكليف من شبكة CNN، قال ثلثاهم إنَّ ترامب تصرف بعدم مسؤولية عند التعامل مع مخاطر العدوى على نفسه ومن حوله. وارتفع التأييد لترشح جو بايدن للرئاسة.
الكارثة قادمة
ويوجد الآن خطر حقيقي من الانزلاق إلى حلقة مفرغة؛ إذ يغذي اليأس عدم شعبية ترامب، ما يؤدي إلى المزيد من اليأس. لم تمُر سوى 5 أيام من شهر أكتوبر/تشرين الأول، واستُنزِفَت بالفعل قوى الأمريكيين من المفاجآت الانتخابية لهذا الشهر. ولم يبقَ الكثير من الوقت على اقتراع 3 نوفمبر/تشرين الثاني، كما لم يبقَ في جعبة الرئيس ما يراهن به.
وحتى حدود اللحظة كان الضحايا الرئيسيون لافتقار الرئيس إلى التعاطف من الدوائر المركزية من المؤيدين من حوله، لكن يُرجَّح انتشار الأضرار الجانبية الناجمة عن ذعره في الأسابيع المقبلة للدوائر الأوسع، إذ يدعو الرئيس بالفعل أنصاره علانيةً إلى التجمع عند صناديق الاقتراع كـ"مراقبين" يوم الانتخابات، وحثهم على توقع تزوير في الأصوات لإفشال زعيمهم.
ولم يعُد لدى أي أحد شكوك الآن في أنَّ ترامب مستعد لقبول الفوضى وسفك الدماء في بلاده حتى لا يُهزَم، وقد لا تتوقف التداعيات عند حدود الدولة، إذ يوجد خوف أكبر من أنَّ مزيجاً من الخصوم الأجانب سيسعون لاستغلال إدارة ضعيفة، وقائد أعلى جاهز لفعل أي شيء لتجنب الظهور بمظهر الضعيف، كما تقول الصحيفة البريطانية.