منذ نحو 30 عاماً، تحتل أرمينيا نحو 20% من الأراضي الأذربيجانية، التي تضم إقليم قره باغ (يتكون من 5 محافظات)، و5 محافظات أخرى غربي البلاد، إضافة إلى أجزاء واسعة من محافظتي آغدام وفضولي. في حين تعترف أي دولة أو منظمة دولية بشرعية الاحتلال الأرميني لهذه الأراضي.
وتعتبر هذه الأزمة، إحدى أبرز مشاكل منطقة القوقاز، التي لم يتم حلها وبقيت حاضرة بقوّة على جدول أعمال النقاشات الدولية، منذ ذلك الحين، لاسيما مع هجمات الأرمن المتزايدة على المناطق الأذرية، في حين ظل وقف إطلاق النار في إقليم قره باغ طول هذه العقود الثلاثة، حبراً على ورق، فيما عمدت الدول التي اجتمعت لإيجاد حل للأزمة إلى تغذيتها وإشعالها، في ظل فشل الدبلوماسية في تحقيق أي نتائج. لكن السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان الآن: هل تنتهز أذربيجان مدعومة بالقانون الدولي هذه اللحظة لاستعادة أراضيها المحتلة من أرمينيا؟
بداية، هل يمنح القانون الدولي أذربيجان الحق في استعادة أراضيها؟
يجمع عدد من الخبراء القانونيين الأتراك على أن القانون الدولي يمنح أذربيجان حقاً مشروعاً في الدفاع عن أراضيها المحتلة من قبل أرمينيا، وفقاً للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة.
ويذكر الخبراء لوكالة الأناضول أنه وفقاً للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، فإن أذربيجان تتمتع بحقها القانوني والشرعي في الدفاع عن أراضيها، وأنها ستظل تتمتع بهذا الحق حتى تحرير كل أراضيها المحتلة، حيث ردّت على الاعتداءات وفقاً للقانون الدولي.
ما القرارات الأممية التي تدعم ذلك؟
البروفيسور يوجل آجر، رئيس قسم القانون الدولي بكلية الحقوق جامعة يلديرم بايزيد بأنقرة، قال إنه "مع القرارات الأربعة التي أقرّها مجلس الأمن، تم دعوة أرمينيا للانسحاب من الأراضي التي تحتلها والتأثير على الجماعات الأرمينية في قره باغ للامتثال لقرارات الأمم المتحدة".
وأضاف: "لم تسفر أي نداءات للأمم المتحدة، ولا حتى المفاوضات التي أجرتها مجموعة مينسك، عن أي نتائج حتى الآن، حيث لم يتم حل الوضع غير القانوني للأراضي الأذربيجانية المحتلة". ولفت إلى أنه بناءً على ذلك "لا يمكن لمئات الآلاف من المهجرين بعد الاحتلال أن يعودوا إلى ديارهم بسبب هذا الوضع غير القانوني، والمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، تنظم حقوق الدول المشروعة في الدفاع عن نفسها".
كما أوضح آجر أنه "حتى إن كان هناك وقف لإطلاق النار، أو كانت هناك مفاوضات جارية، فإنه في حال أي هجوم مسلح يمكن أن تشنه أرمينيا، يكون لأذربيجان الحق في الدفاع المشروع عن نفسها، وهذا يستمر حتى تحرير جميع الأراضي المحتلة". مؤكداً أن "الحالة الوحيدة التي يمكن أن توقف دفاع أذربيجان المسلح هذا، هي اتخاذ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الإجراءات اللازمة لردع أرمينيا".
بأي اتجاه يمكن أن تحرك باكو الأزمة العالقة منذ 30 عاماً؟
يرى البروفيسور سلامي كوران، رئيس قسم القانون الدولي بكلية الحقوق جامعة مرمرة، أن "مجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، لم تقم باتخاذ أي خطوات ملموسة منذ 30 عاماً، فيما يتعلق بإعادة قره باغ إلى أذربيجان، والتي تعتبر محتلة وفق القوانين الدولية".
وأضاف أن "مجلس الأمن تدخل في هذا الأمر منذ عام 1993، وصدرت أربعة قرارات في 8 أشهر تدين أرمينيا، إلا أنه تم الاكتفاء فقط بالإدانة، وإن كان مجلس الأمن قد فرض عقوبات سياسية أو حصار اقتصادي على أرمينيا، لكانت الأخيرة قد أنهت احتلالها للأراضي الآذرية". وذكر أن "هذه العقوبات موجودة بالفعل في المواد 31، و40، و41 من قرارات مجلس الأمن، ولكن لم يقوموا بهذا، وتغاضوا عن الاحتلال الأرميني".
وأكد كوران أن "الدعوات السلمية من مثل الدعوة إلى وقف إطلاق النار لمدة 30 عاماً، لم تعد تقدم حلولاً للمشكلة، بل تحاول الخروج من هذه الأزمة وحلها من خلال مجموعة من التصريحات السياسية الجافة فحسب". مضيفاً أن "أرمينيا تستمد شجاعتها وجرأتها من هذا، وتنتهك القوانين الدولية علانية، لذا فإن أذربيجان ترد على أرمينيا وفق القوانين الدولية، كما أنها تمارس حقها الشرعي في الدفاع عن نفسها".
ووفقاً للقانون الدولي، فإن "احتلال قره باغ هو اعتداء غير قانوني على وحدة أذربيجان واستقلالها السياسي، ووفقاً للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، فإن أذربيجان لها الحق في استعادة أراضيها التي فقدتها، والآن تمارس باكو حقها القانوني والشرعي في الدفاع عن نفسها".
هل تستعيد أذربيجان أراضيها الآن؟
من ناحيته، يرى البروفيسور حسن كوني، عضو هيئة التدريس بجامعة إسطنبول الثقافية، أنه "بعد أن فقدت روسيا القوقاز عقب تفكك الاتحاد السوفييتي، تقوم اليوم بدعم أرمينيا سياسياً وعسكرياً، للحفاظ على خط البحر الأسود وبحر قزوين بالكامل، وأن وضع قره باغ يُعد مثيراً للجدل وفق المعايير والمقاييس الدولية، وادعاء أرمينيا برغبة من يعيشون في الإقليم بالاستقلال استناداً إلى حقهم في تقرير المصير، يتعارض مع الحقائق التاريخية والقوانين الدولية".
ولفت إلى أنه "وفقاً للقوانين الدولية لا يحق للأقلية داخل أي دولة الانفصال عنها وتأسيس دولة خاصة بها، بل يجب أن تُضاف مادة إلى الدستور تتعلق بهذا الشأن، ويُجرى استفتاء عام، وعند ذلك فحسب تنفصل الأقلية عن الدولة، فيما عدا هذا فإن قره باغ أرض آذرية تحتلها أرمينيا". وأكد أن "روسيا عطلت مجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا عند حل مشكلة الإقليم، وفي حال واصلت أرمينيا هجماتها ستستخدم أذربيجان جميع حقوقها التي كفلتها لها القوانين الدولية لاستعادة قره باغ".
وحول استغلال باكو للحظة الحالية لاستعادة أراضيها، شدد الباحث على أن "الدفاع عن النفس والشرعية حق مكفول، وفي مثل هذه الحالة فمن الطبيعي وجود خطر يتمثل في تدخل قوى أخرى بالأزمة، لذا أظن أن هذا الأمر يحتاج إلى مزيد من الوقت في هدنة، مع استمرار المفاوضات السلمية".
لكن البروفيسور خلوق قابالي أوغلو، أستاذ القانون الدولي المتقاعد، يرى أنه "أثناء مناقشة الأزمة بين كل من أذربيجان وأرمينيا لا بد من التأكيد على أن جزءاً من أراضي أذربيجان تقع تحت الاحتلال الأرمني، وفقاً للقوانين الدولية".
وقدم قابالي أوغلو معلومات تفيد بأنه "في الفترة ما بين 1991- 1993، أُجبر مليون شخص في قره باغ على الهروب إلى مناطق أخرى عند احتلال أرمينيا لمناطقهم، وقامت الأخيرة بقتل العديد منهم، وتم تجاهل هذا الأمر على الصعيد الدولي".
وأردف عن رد أذربيجان على الهجمات الأخيرة، بالقول: "إنها دولة ذات سيادة ومحتلة أراضيها، تستخدم حقها الشرعي في الدفاع عن نفسها وفق قرار مجلس الأمن الدولي، وبهذا الحق يمكن لأذربيجان أن تستعيد ما فقدته من أراضٍ".
ومنذ يوم الأحد الماضي، اندلعت اشتباكات على خط الجبهة بين البلدين، إثر إطلاق الجيش الأرميني النار بكثافة على مواقع سكنية في قرى أذربيجانية، ما أوقع خسائر بين المدنيين، وألحق دماراً كبيراً بالبنية التحتية المدنية، بحسب وزارة الدفاع الأذربيجانية.
أخيراً، ما أصل النزاع حول قره باغ، وكيف تم احتلالها؟
يعود أصل الصراع الأذربيجاني الأرميني إلى بداية القرن العشرين، فخلال حقبة الاتحاد السوفييتي قرر جوزيف ستالين إنشاء منطقة حكم ذاتي أرمنية في قره باغ، داخل حدود جمهورية أذربيجان السوفييتية. عمد ستالين حينها إلى توطين العديد من الأرمن في مناطق مختلفة من قره باغ، لتبدأ سياسة الروس هذه تؤتي ثمارها الدموية في التسعينيات.
وعندما بدأ الضعف يسري في بنية الاتحاد السوفييتي، طالب الأرمن بنقل قره باغ من سيادة أذربيجان السوفييتية إلى أرمينيا السوفييتية، فتحول الصراع بين الجانبين إلى حرب واسعة النطاق في أوائل التسعينيات. وحينها احتل الأرمن، بدعم من موسكو، مدينة خانكيندي الأذربيجانية (أكبر مدن قره باغ) عام 1991، ثم مدينتي شوشا وخوجالي عام 1992.
بعدها، استولى الأرمن على لاجين، وخوجه وند، وكلبجار، وآغدره، ودخلوا أغدام عام 1993، تبع ذلك احتلال محافظات جبرائيل وفضولي وقوبادلي وزنكيلان. وخلال الهجمات التي شنتها العصابات الأرمنية والقوات المسلحة الأرمينية لاحتلال مزيد من الأراضي، عمدت تلك العصابات والقوات إلى ارتكاب أبشع المجازر بحق الأتراك الأذربيجانيين خلال هذه الفترة. وتمكن الأرمن خلال تلك الفترة من احتلال 20% من الأراضي الأذربيجانية، وإجبار ما يقرب من مليون أذربيجاني على مغادرة مناطقهم.