يأكلون ورق الشجر.. كيف أدت الجائحة إلى تورط بعض الآباء في جرائم بحق أطفالهم؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/09/30 الساعة 17:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/09/30 الساعة 17:52 بتوقيت غرينتش
فيروس كورونا أدى إلى استفحال ظاهرة عمالة واستغلال الأطفال/رويترز

هناك صورة شهير من عام 1948 تظهر فتاة حاملاً في الولايات المتحدة، تشيح بوجهها عن الكاميرا، وعلى درجات السلم أسفلها أربعة أطفال. وتقول اللافتة الكبيرة على يمينهم: "4 أطفال للبيع، الاستفسار بالداخل"، واليوم تتكرر هذه المأساة، إذ أن جائحة كورونا أدت إلى جعل الأطفال سلعة مجدداً.

حين عرضت هذه الصورة في الأربعينيات عرض بعض الأشخاص المساعدة، وعبر آخرون عن اشمئزازهم من خيار الأبوين، لكن بيع الأطفال لم يكن خياراً، وفقاً للعائلة، بل كان ضرورة قصوى.

هذا الوضع نفسه يواجه الآن ملايين الأسر اليائسة في أنحاء العالم بسبب جائحة فيروس كورونا. ربما لا يضع هؤلاء لافتات خارج منازلهم، لكنهم يبيعون أطفالهم فعلياً طوال الوقت، حسب تقرير لصحيفة The Telegraph البريطانية.

جائحة كورونا أدت إلى جعل الأطفال سلعة

تزوج هذه الأسر أطفالها مبكراً، أو ترسلهم للعمل في المقاهي والمزارع والمناجم وجمع المخلفات، وترسلهم عبر الحدود وتهربهم للبلدات والمدن القريبة، وتجبرهم على التجنيد في صفوف الجماعات المسلحة والاستغلال الجنسي عبر شبكة الإنترنت.

وفقاً لعدد من الدراسات، حين ترتفع معدلات الفقر وتُلقى عائلات أكثر في خضم الصراع اليومي على البقاء، فالأطفال أكثر عرضة لخطر الاستغلال وزواج القصر وعمالة الأطفال والاتجار بالبشر.

وصار الوضع أكثر حدة مع جائحة كوفيد-19 بسبب إغلاق المدارس، ما جعل الأطفال يبقون في المنزل، كما أن إغلاق الخدمات عطل خدمات حماية الأطفال. وقد أظهرت عدة دراسات أجراها البنك الدولي وجهات أخرى أن كل زيادة بنسبة 1% في معدلات الفقر تؤدي إلى زيادة بنسبة 0.7% على الأقل في عمالة الأطفال.

زيادة في الفقر

وأشار تقدير حديث للأمم المتحدة إلى أن عدد الأطفال الواقعين في الفقر ارتفع بالفعل بنسبة 15% ليصل إلى 1.2 مليار في أثناء الجائحة. 

والفقر هو العيش على أقل من 1.9 دولار في اليوم.

وأشارت منظمتا الونيسيف وSave The Children إلى أن المكاسب التي تحققت منذ عام 2000، وإبعاد 94 مليون طفل عن العمل، يمكن أن تنتكس بالكلية.

تاي وين، في يانغون بميانمار، تعرض لهذه الانتكاسة بالفعل. يعول تاي وين ستة أطفال، وفقد وظيفته بالنجارة في مارس/آذار، يدعم ابنه باي زون، في الحادية عشرة من عمره، العائلة الآن عبر جمع الزجاجات البلاستيكية ليبيعها لإعادة التدوير.

يقول تاي وين، متحدثاً إلى صحيفة التليغراف البريطانية عبر سكايب من مكتب جمعية خيرية، ووجهه مغطًى بكمامة وابنه إلى جانبه: "حين يعمل الأطفال يمكننا أن نأكل، وإن توقفوا عن العمل نعاني". وقال تي وان إنه لا يجبر أبناءه على العمل، ويفضل أن يلتحقوا بالمدرسة.

الفيروس أدى إلى زيادة الفقر/رويترز

ويكمل: "لكنهم يفهمون أن عليهم مساعدة آبائهم"، مضيفاً أنه مكتئب لأن حياتهم صارت هكذا. ويضيف: "ليس لدينا خيار"، لأنه ليس هناك دعم حكومي.

ويقول باي زون إنه يفهم هذا بالفعل، ولا يلوم والده، ويضحك حين يمازحه والده بسؤاله عما إذا كان يرغب في أن يصير رجلاً فقيراً أم غنياً حين يكبر، يرفع عينيه للمرة الأولى ويقول "أريد أن أكون غنياً".

كثيراً ما يأتي إخوة وأخوات باي زون معه ليجمعوا الزجاجات. في يومٍ جيد يجنون 7 آلاف كيات (أقل من 5.5 دولار). أصغرهم في السادسة من عمره، والعمل شاق وقذر، فهم يبحثون في المصارف والمياه القذرة من أجل إيجاد الزجاجات، لكن عليهم الاختيار بين العمل أو التضور جوعاً. ويقول تاي وين إن اثنين من أطفاله ماتا بالفعل من سوء التغذية.

يأكلون أوراق الشجر

يقول الفريق الذي يساعد تاي وين عبر منظمة محلية غير حكومية إن نطاق المعاناة لا يمكن المبالغة فيه.

يقول واحد من أعضاء الفريق لم يرغب في ذكر اسمه: "هناك أطفال يأتون إلى مركزنا في يانغون، يقطفون أوراق الشجر ويأكلونها، وحين سألناهم عن السبب قالوا إنهم لم يأكلوا منذ مدة. إن الوضع يصبح ميؤوساً منه أكثر فأكثر".

وقال العضو إن تقارير وصلته عن أمهات يبعن عذرية بناتهن من أجل البقاء، وقرى كاملة أفرغت من أطفالها لأنهم أرسلوا إلى مناطق بعيدة للخدمة في المنازل.

وتابع: "هناك عملاء يساعدون العائلات، حين يمرض شخص أو يغرق في الديون يرسلون ابنته للخدمة في المنازل، وتحصل العائلة على راتب عامٍ مقدماً، لذا إن هربت البنت بسبب معاملتها بصورة سيئة تكون العائلة قد تقاضت الأجر بالفعل، وتضطر إلى إرسال الفتاة مرة أخرى. أما الأولاد فيعملون في المقاهي، إنها عملية منظمة بالكامل، وطبيعية، وحزينة للغاية".

استغلال جنسي في الفلبين وتجنيد في الميليشيات في الصومال

أما الدول المليئة بالنزاعات مثل الصوما فهناك مجالات أخطر يعمل بها الأطفال أيضاً، والشبكات القائمة بالفعل تستغل هذه الفرص أثناء الأزمات.

وقالت مديرة البلدان بمنظمة Plan Internation، ساديا ألين: "في بعض بقاع الصومال، تجند حركة الشباب الصومالية الأطفال. وبعض الجماعات المسلحة تعرض مبالغ ضخمة من المال مقابل الأطفال، لا يريد أي والد أن يفعل هذا بطفله، لكن حين لا يمكنه الإنفاق على أطفاله فإنه مضطر لهذا الخيار المروع".

المشكلة الأخرى هي أن الأمور الأعظم التي يمكن أن تحدث للأطفال هي الأخفى.

في الفلبين، زادت البلاغات عن الاستغلال الجنسي للأطفال بأكثر من 260% في وقت الإغلاق، وفقاً لوزارة العدل. وتلقى المركز القومي للأطفال المفقودين والمستغلين 279,166 بلاغاً، في الفترة من مارس/آذار إلى مايو/أيار.

وفي الفترة نفسها من العام الماضي، تلقى الخط الساخن التابع للمركز 76,561 مكالمة. وفي حين ارتبطت بعض الحوادث بأطفالٍ تعرضوا لمخاطر الاستغلال الجنسي بسبب قضاء الكثير من الوقت على شبكة الإنترنت دون رقابة، تضمنت أقلية كبيرة من البلاغات عرض مبالغ مالية أو منافع أخرى على الآباء أو الأوصياء على الأطفال، لكي يقوم أطفالهم بتصرفات مشينة عبر شبكة الإنترنت، وفقاً لفريق اليونيسيف المختص بالفلبين.

ويحذر خبراء حماية الأطفال من مغبة عدم إعطاء الأولوية لأمن الأطفال عبر إعادة فتح المدارس وتوفير حماية أفضل للأطفال وتأسيس شبكات أمان اجتماعي ومالي للأسر المهددة، وإلا قد يخسر العالم جيلاً بأكمله.

تحميل المزيد