تضاعفت المخاوف لدى كبار قادة البنتاغون، حول ما إذا كان قائدهم العام قد يجر القوات الأمريكية إلى أي فوضى في الانتخابات المقبلة، إذ لم يمنح الرئيس ترامب المسؤولين أي أمل عندما رفض مرةً أخرى الالتزام بالانتقال السلمي للسلطة بغضّ النظر عمن يفوز في الانتخابات، ويوم الخميس 24 سبتمبر/أيلول 2020، أكّد موقفه بالقول إنه غير متأكد من أن الانتخابات يمكن أن تكون "نزيهة".
وفق تقرير لصحيفة New York Times الأمريكية، الجمعة 25 سبتمبر/أيلول 2020، فإن رغبة ترامب المعلنة التي عبّر عنها في يونيو/حزيران، لاستدعاء قانون التمرد لعام 1807 وإرسال قوات في الخدمة الفعلية إلى الشوارع الأمريكية؛ لقمع الاحتجاجات على مقتل جورج فلويد، أثارت قلقاً عميقاً بين كبار قادة الجيش ووزارة الدفاع الذين يصرون على أنهم سيفعلون كل ما في وسعهم لإبقاء القوات المسلحة خارج الانتخابات.
جدل محتدم: إذ قال رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي، في إجابات مكتوبة عن أسئلة طرحها المشرعون في مجلس النواب، الشهر الماضي: "إنني أؤمن، بشدة بمبدأ انفصال الجيش الأمريكي عن السياسة. وفي حالة وجود نزاع حول بعض جوانب الانتخابات، يتعين على المحاكم الأمريكية والكونغرس الأمريكي حل أي نزاعات، بموجب القانون، وليس الجيش الأمريكي. لا أتوقع أي دور للقوات المسلحة الأمريكية في هذه العملية".
لكن ذلك لم يوقف الجدل المحتدم في الجيش حول دوره إذا أدت انتخابات متنازع عليها إلى اضطرابات مدنية.
ففي الـ11 من أغسطس/آب، نشر جون ناجل وبول ينجلينج، وكلاهما من ضباط الجيش المتقاعدين وقدامى المحاربين في العراق، رسالة مفتوحة إلى الجنرال ميلي على موقع Defense One، كتبا فيها: "في غضون بضعة أشهر، قد تضطر إلى الاختيار بين تحدي رئيس خارج على القانون أو خيانة قسمك الدستوري، إذا رفض دونالد ترامب ترك منصبه عند انتهاء مدته الدستورية، فيجب على جيش الولايات المتحدة عزله بالقوة، عليك إصدار هذا الأمر".
وسارع مسؤولو البنتاغون إلى القول إنّ مثل هذه النتيجة غير معقولة. وقالوا إن رئيس هيئة الأركان المشتركة لن يرسل تحت أي ظرف من الظروف، فرق البحرية أو مشاة البحرية لإخراج السيد ترامب من البيت الأبيض.
كما قال مسؤولو وزارة الدفاع، إن مثل هذه المهمة ستقع على عاتق مارشالات الولايات المتحدة أو الشرطة السرية إذا لزم الأمر.
فيما صرح المسؤولون بأن الجيش، بموجب القانون، يتعهد للدستور وليس للرئيس، وهذا يعني أن القائد العام للجيش هو من سيؤدي اليمين الدستورية الساعة الـ12:01 ظهراً في يوم تنصيب الرئيس.
السيناريو الأسوأ: خلال العام الجاري، قادت أستاذة القانون بجامعة جورجتاون والمسؤولة بوزارة الدفاع في عهد أوباما، روزا بروكس، مجموعةً من نحو 100 من مسؤولي الأمن القومي وخبراء الانتخابات السابقين من كلا الحزبين، في تدريبات لمحاكاة أفدح المخاطر على الانتقال السلمي.
في أحد هذه التدريبات، فكروا فيما يمكن أن يحدث إذا أمر الرئيس وحدات الحرس الوطني أو الأفراد العسكريين في الخدمة الفعلية بدخول المدن "لاستعادة النظام". ولم تكن هناك نتيجة واضحة، لكن التمرين بحدّ ذاته أثار انتقادات حادة من جماعات اليمين المتطرف، التي اتهمت المنظِّمين بمحاولة تقويض ترامب والتدخل في الانتخابات.
داخل البنتاغون، الذي يشتهر قادته بوضع الخطط، قال مسؤولو وزارة الدفاع، إنه لا توجد استعدادات لإرسال قوات في الخدمة الفعلية إلى الشوارع الأمريكية لقمع أي اضطرابات مدنية.
لكن ديفين بورغارت، رئيس معهد البحوث والتعليم بمجال حقوق الإنسان والخبير في الحركات القومية البيضاء، قال: "التخطيط الذي ينبغي لهم القيام به، هو كيفية منع لعب هذا الدور".
ويتفق آخرون ممن عملوا في البنتاغون مع هذا الرأي. إذ قال جون جانز، الذي شغل منصب كبير محرري الخطابات لوزير الدفاع في إدارة أوباما: "أعلم أن ميلي يحاول التفكير في طريقة، لكن لديَّ شكوك في أنه يستطيع ذلك. المشكلة هي أنه عندما لا يريد الجيش القيام بشيء ما، فإنهم لا يحبّون التفكير فيه. البنتاغون يخطط للحرب مع كندا ونهاية العالم على يد الزومبي، لكنهم لا يريدون التخطيط لانتخابات متنازع عليها. هذه أسئلة ضخمة لها تأثير على سمعة المؤسسة".
أزمة عميقة: كانت المواجهة التي جرت في ساحة لافاييت بالقرب من البيت الأبيض في يونيو/حزيران قد بلورت، بالنسبة لوزارة الدفاع، إلى أي مدى اقترب الجيش من هاوية الانجراف إلى أزمة سياسية داخلية. فقد نفّذت طائرات هليكوبتر عسكرية، وأفراد مسلحون من الحرس الوطني، دوريات في الشوارع مع العملاء الفيدراليين بمعدات مكافحة الشغب؛ حتى يتمكن الرئيس -برفقة مارك إسبر وزير الدفاع والجنرال ميلي- من السير عبر الميدان؛ لرفع الكتاب المقدس أمام الكنيسة، ما أشعل الغضب بين المشرعين والأفراد الحاليين والسابقين في القوات المسلحة.
تعرض كلا الرجلين، الجنرال ميلي على وجه الخصوص، لانتقادات حادة من قِبل قادة الجيش والبنتاغون السابقين، لمشاركتهما في المسيرة وأمضيا الأيام التالية في السيطرة على الأضرار الجسيمة التي سببتها.
إذ عقد إسبر مؤتمراً صحفياً استثنائياً قطع فيه علاقته بالرئيس، وقال إنه لا ينبغي إرسال القوات العاملة للسيطرة على الاحتجاجات. وقال مساعدون في ذلك الوقت، إن كلماته أغضبت ترامب، لدرجة أنه كان لا بد من إقناع الرئيس بعدم إقالته.
بينما اعتذر الجنرال ميلي علناً عن المشي في الحديقة رفقة ترامب، وقال في خطاب بالفيديو لجامعة الدفاع الوطني: "ما كان يجب أن أكون هناك". وأثار اعتذاره أيضاً غضب ترامب.
واحتفظ كلاهما بوظيفته حتى الآن. ويوم الخميس، كرر الجنرال موقفه بشأن إبعاد الجيش عن انتخابات 2020، عندما حث أفراد الخدمة الأمريكية في جميع أنحاء العالم، خلال جلسة أسئلة وأجوبة بالفيديو، على "إبقاء الدستور قريباً من قلوبكم".
وكانت كلماته بسيطة، لكن أولئك الذين كانوا يراقبون يعرفون ما يقصده.