جذور القصة ترجع لأكثر من 80 عاماً.. كيف يؤثر إغلاق المدارس على حاضر أولادنا ومستقبلهم؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/09/22 الساعة 09:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/09/22 الساعة 09:00 بتوقيت غرينتش
طلاب في إحدى المدارس بأوروبا/رويترز

تتفاوت استجابة الدول في مكافحة وباء كورونا، لكنها جميعاً تشترك في أمر واحد هو إغلاق المدارس، ومع ارتفاع مخاوف موجة ثانية من الوباء عادت قضية المدارس للواجهة مرة أخرى، لكن التجارب السابقة تكشف أن ذلك الإجراء لا يؤثر فقط على حاضر أولانا بل وعلى مستقبلهم أيضاً، فما القصة؟

موقع The Conversation الأسترالي تناول القضية في تقرير بعنوان: "بدءاً من الحرب العالمية الثانية وصولاً إلى الإيبولا: إليكم ما نعرفه عن الآثار بعيدة المدى لإغلاق المدارس"، ألقى الضوء على مخاطر إغلاق المدارس قياساً على التجارب السابقة المشابهة في مناطق مختلفة من العالم وفي فترات زمنية يرجع بعضها إلى نحو 8 عقود.

عودة الإغلاق مرة أخرى

كان إغلاق المدارس بمثابة استجابةٍ مشتركة في كافة أنحاء العالم لمحاولة وقف انتشار كوفيد-19. وفي أستراليا، وضعت الولايات حداً للتعليم وجهاً لوجه لبعض الوقت خلال الموجة الأولى من الجائحة، وما تزال المدارس في كافة أنحاء ولاية فيكتوريا مغلقةً أمام غالبية الطلاب.

أطفال كردستان العراق يواجهون وضعاً مأساوياً بسبب جائحة كورونا/رويترز

وانتقد البعض هذه الاستراتيجية بحجة أنّ الأدلة أظهرت أنّ الأطفال لا ينشرون الفيروس بقدر البالغين، بينما شعر الآخرون بالقلق من أنّ الآباء لن يستطيعوا العمل من المنزل أثناء الإشراف أيضاً على تعليم أطفالهم. وهي وجهاتٌ نظرٍ منطقية، لكن الحوار العام يجب أن يأخذ بعين الاعتبار كذلك التكاليف المُحتملة بعيدة المدى لإغلاق المدارس.

وتتمثّل إحدى المقاربات لمعرفة ما يُمكن توقّعه في النظر إلى تجارب مختلف الدول بعد إغلاق المدارس نتيجة الجوائح، أو الحروب، أو الاضطرابات الصناعية السابقة.

إذ تفشّى وباء الإيبولا في غينيا وليبيريا وسيراليون -وهي البلدان التي تختلف تماماً عن أستراليا من ناحية الثقافة والسياسة والاقتصاد. لكن تلك الأزمة أسفرت عن سياسة استجابة باتت معروفةً الآن لدى العديد من الأستراليين: إغلاق المدارس. ولكن ما يزال بإمكاننا تعلم بعض الأشياء، مع القليل من المحاذير.

ربما يتسرّب الأطفال الأكثر حرماناً من الدراسة

أغلقت غينيا وليبيريا وسيراليون كافة المدارس بين عامي 2014 و2015. وفي تلك الدول، لم يكُن استخدام الإنترنت شائعاً بقدر أستراليا مثلاً، لذا كان إغلاق المدارس يعني في الواقع أنّ غالبية الأطفال مُنعوا من التعليم (وبرامج الغذاء الذي كانوا يحصلون عليه ببساطة عن طريق الذهاب إلى المدرسة).

الفصول الخالية من طلابها ليست أول مرة فقد حدثت مرات من قبل/ رويترز

كما وجد تقريرٌ أجراه برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة عام 2015 أنّ إغلاقات المدارس كان لها تأثيرها القوي بشكلٍ غير متناسب على الفتيات. إذ اتّسعت الفجوات بين الجنسين في حضور المدارس بمجرد إعادة افتتاحها، إلى جانب ارتفاع معدلات التسرّب من الدراسة. والأهم من ذلك أنّ تقريراً وجد أدلةً على المزيد من حالات الحمل والزواج المبكر بين المراهقات، وهو الأمر الذي يمنع الفتيات من العودة إلى المدرسة مطلقاً.

وفي ولاية فيكتوريا على سبيل المقارنة، وجد تقريرٌ أنّ 10% من تلاميذ الولاية في المدارس الأكثر حرماناً تغيّبوا خلال الفترة الأولى من التعليم عن بُعد -مقارنةً بـ4% فقط من تلاميذ المدارس في المناطق المتميّزة.

ربما يصل الأطفال إلى طعامٍ أقل

نجد هنا أنّ وجه التشابه الآخر متعلقٌ بالأمن الغذائي. إذ لا تمتلك أستراليا نفس نوعية البرامج الغذائية التي نراها في بعض الدول النامية الأكثر فقراً. لكن الأطفال الأستراليين الأفقر قد يُعانون من انعدام الأمن الغذائي، الذي يرتبط بالآثار الصحية بعيدة المدى (مثل السمنة على سبيل المفارقة) وضعف الأداء الدراسي.

الوجبة المدرسية قد تكون الوحيدة للطفل في بعض المناطق حول العالم

وإذ يبدأ واحدٌ من أصل كل خمسة أطفال في أستراليا يومه بدون تناول وجبة الفطور. وأظهرت الأدلة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أنّ الغذاء المدرسي مرتبطٌ بتحسُّن الأداء الأكاديمي، لأنّ المدارس قد تُساعد في الحفاظ على أنظمةٍ غذائية أكثر انتظاماً وصحية.

ربما يُؤثّر على الدخول المستقبلية

أحد أهداف التعليم -وليس هدفها الوحيد بالطبع- هو إعداد الأطفال لسوق العمل. إذن، ما هو تأثير إغلاق المدارس على الدخول المستقبلية؟

يُمكن أن تُسلّط ورقتان بحثيتان من دورية Journal of Labor Economics العلمية الضوء على إجابة هذا السؤال. إذ تدرُس الأولى الآثار بعيدة المدى (على مرّ 40 عاماً) لإغلاق المدارس بالنظر في إضرابات المعلمين بالأرجنتين أوائل الثمانينيات. بينما تقارن الثانية النتائج بعيدة المدى على سوق العمل للأطفال المتأثرين بالحرب العالمية الثانية. إذ حصل النمساويون والألمان، الذين كانوا في العاشرة من عمرهم خلال الحرب، على تعليمٍ أقل من نظرائهم البالغين من الدول التي لم تُشارك في الحرب.

وأظهرت الدراسة الأرجنتينية المنشورة عام 2019 أنّ فقدان 90 يوماً من الفصل الدراسي قلّل الدخول بنسبةٍ تتراوح بين 2% و3%. بينما وجدت الدراسة الأوروبية المنشورة عام 2004 أنّ الأطفال النمساويين فقدوا 20% من الفصول الدراسية خلال الحرب، وانخفضت دخولهم بنسبةٍ تصل إلى نحو 3%. بينما فقد الأطفال الألمان نحو 25% من الفصول الدراسية، وانخفضت دخولهم بنسبةٍ تصل إلى 5% (رغم أنّ البيانات الألمانية لا تسمح بتوفير تقديرات شديدة الدقة).

ولا تُعَدُّ الفصول الدراسية الافتراضية بديلاً لبيئات التعلُّم المادية، حيث يستطيع المعلم المُدرّب مراقبة تقدّم الطفل عن قرب. لذا فرغم أنّ دفعة 2020 لن تكون بالضرورة أفقر بنسبة 3% إلى 5% من دفعة 2019، لكن فجوة الأجور بين المجموعتين لن تكون مفاجئة. وستروي الدراسات المستقبلية الكثير.

إذ ربما تجد الدراسات المستقبلية زيادات في الدخول وعدم المساواة التعليمية نتيجة إغلاق المدارس بسبب كوفيد-19. وربما يُواجه العمل المستقبلي أيضاً تداعيات صحية، لا تتعلّق فقط بعدم المساواة، بل بالتغذية والصحة العقلية. ونشرت دورية The Lancet العلمية دراستين مؤخراً تُوثّقان آثار الإغلاق على الصحة العقلية، حيث قال المؤلفون إنّ الإغلاق قد تكون له تداعياتٌ خطيرة على المدى البعيد.

ويجب أن ندرس كافة هذه الأدلة حين نناقش نهجنا في وضع السياسة مستقبلاً، وحين نتّخذ القرار بشأن إغلاق المدارس مجدداً في حال ضربتنا "موجةٌ" جديدة.

أزهق أرواح الكثير من المواطنين واستمروا في الإنكار .. فصول من حكاية كورونا في ليبيا

تم النشر: 2021/03/11 الساعة 08:24 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/03/11 الساعة 08:25 بتوقيت غرينتش

حكاية ظهور كورونا في ليبيا إحدى الحكايات التي تشكل المشهد الكئيب للبلاد خلال العامين الماضيين؛ وعلى الرغم من انتشار الفيروس في ربوع العالم فإن لكل بلد حكايته مع هذا الوباء وربما أعطت تلك الحكاية عن مسار الوباء في كل بلد انطباعاً عن طبيعة الحياة ومدى الأهمية التي تعطيها السلطات الحاكمة في ذلك البلد لمواطنيها.

ليبيا البلد الكبير المساحة وغير المكتظ سكانياً والمتخم بالثروات الطبيعية والذي يمثل موقعه شمال القارة الإفريقية وجنوب المتوسط وبين الدول العربية المشارقية والمغاربية نقطة تميز هامة ومعبراً مهماً من الجنوب نحو الشمال ومن الغرب نحو الشرق، ولكنها قد تتحول في لحظات الضعف وأوقات الأزمات إلى نقطة جذب للمشكلات؛ فهي في الوقت الراهن معبر للمهاجرين بالملايين بما يحمله ذلك من تبعات جسام وما تحمله موجات الهجرة من آفات وإمكان تحولها إلى سبيل للتهريب والإرهاب والجريمة المنظمة وانتشار الأوبئة والأمراض وغير ذلك من أنواع الأزمات العابرة للحدود؛ هذه الدولة تحولت إلى دولة تمضي في طريق الدول الفاشلة وخذلت مواطنيها وتركتهم يواجهون قدرهم فرادى وكأنهم يعيشون في جزر معزولة لا تحكمها دولة وليس فيها سلطة تتفقد رعاياها.

الفيروس الفتاك دخل البلاد على حين غفلة من أهلها ولم يكتشفوا وجوده إلا بعد تمكنه من إزهاق روح مواطنة ليبية،  15 مارس/آذار 2020، فبادر بالهجوم واستبق كل ما يروجونه عن إجراءات احترازية وقائية للحيلولة دون ظهوره في ليبيا، واختلطت الحقائق بالأوهام والإجراءات الفعلية بالأمنيات الفارغة حتى استبقت الجائحة التوقعات ودخل كوفيد 19 إلى أجساد الليبيين قبل معرفتهم بأنهم يحملون هذا الفيروس في أجسادهم.

الوعي الحكومي والوعي المجتمعي لم يستفيقا من هول المفاجأة فور وفاة أول ليبية كشفت التحاليل البعدية أنها كانت بسبب كورونا، فقد تأخر الوعي المجتمعي كثيراً عن إدراك حجم الكارثة المقبلة، فلم يقبل البعض حقيقة أن هناك جائحة ووباء عالمياً ينتشر انتشار النار في الهشيم، وتقبل البعض الآخر  الأمر على مضض دون إبداء أي استعداد للتجاوب مع التعليمات المتعلقة بطرق الوقاية وأساليب الاحتراز من الفيروس التي نجمت عن تجاوب السلطات الصحية غرب البلاد مع تطور الوضع الوبائي، غير أن انتشار هذا الوعي تأخر أكثر شرق وجنوب البلاد مع تسجيل لتأخر التعاطي الحكومي المتناسب مع حجم التهديد الذي مثله الفيروس شرق البلاد.

سوء الفهم

أظهرت الأرقام المنشورة ارتفاعاً في أعداد الإصابات في المدن التي زاد فيها عدد العينات التي يجري تحليلها يومياً في المختبرات المعتمدة؛ فيما ظلت الأعداد منخفضة في تلك المدن التي لم تجرَ فيها اختبارات للعينات بأعداد كبيرة، وهو ما ترك انطباعاً بأن مدن غرب البلاد تشهد انتشاراً أكبر للفيروس من تلك التي في الجنوب أو الشرق، وهو ما فاقم الوضع وزاد من تساهل الناس هناك، وجعل تجاهل الإجراءات الوقائية هو النمط السائد للحياة في الشرق والجنوب.

حقيقة الأمر

الأرقام المرتفعة التي تُسجل غرب البلاد وفي بعض مدن الجنوب هي الأقرب تمثيلاً للواقع، مع الأخذ في الاعتبار أن منظمة الصحة العالمية شككت في دقة تلك الأرقام وعدم تمثيلها للواقع، نظراً لقلة إجراء الاختبارات؛ وهو ما يدق ناقوس الخطر في المدن التي لا تزال تتحدث عن خلوها من الوباء مع ارتفاع أعداد الوفيات بسبب الجائحة، والتي يرفض أهالي الموتى الاعتراف بأنها سبب وفاة أقاربهم.

وضع وبائي متفاقم

المشهد ملتبس، والوضع الوبائي متطور، والجهات المعنية بمكافحة الوباء تتحدث عن قرب وصول دفعات اللقاحات تباعاً لتطعيم الليبيين في عموم البلاد ضد الجائحة ابتداء من الأسبوع المقبل لتضع حداً لهذا الغموض الذي يلف المشهد، ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في ليبيا يؤكد استمرار تفاقم الوضع الوبائي في الجنوب، داعياً إلى ضرورة الالتزام المستمر بالتدابير الاحترازية بوضع الكمامات وممارسة التباعد الاجتماعي؛ عقب وفاة طبيبة أطفال في مركز سبها الطبي جراء فيروس كورونا؛ وهو ما يؤكد تفاقم الوضع الوبائي جنوب البلاد حيث تغيب بشكل شبه كامل سلطات الحكومتين المتنازعتين في انتظار حكومة الوحدة الوطنية، ويستمر فقد المواطنين لأرواحهم شرق البلاد بسبب الجائحة وسط غياب جزئي للرعاية الطبية.

حكاية كئيبة من بين حكايات كثيرة يئن تحت وطأتها الوطن الحزين والمواطن المحبط يدفع ضريبة الانقسام المؤسساتي، ويعاني جراء فشل النخب السياسية والقادة العسكريين في تسوية خلافاتهم بالطرق السلمية؛ ولو حكم البلاد رجال يعتبرون أنفسهم أجراء عند الشعب لتغير الواقع وتحسنت الظروف، ولنهضت البلاد من كبوتها.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عبد القادر الأجطل
كاتب وصحفي ليبي
كاتب وصحفي ليبي
تحميل المزيد