لنأخذ رحلة بسيطة مع شاب طموح أبهرته أضواء اللعبة راغباً أن يكون أحد مدربيها أثناء دراسته للعبة لنفهم القليل من مبادئها، لنجب عن السؤال المحير "هل توقفت كرة القدم حقاً عن إنتاج الأفكار؟"
بدأ مدربنا الشاب رحلته بالتعرف على تاريخ تكتيك اللعبة، بدأ في الثانية من مساء يوم السبت 30 نوفمبر/تشرين الثاني 1872، على ملعب نادٍ للكريكيت غرب إسكتلندا، حيث أُقيمت أول مباراة دولية في تاريخ كرة القدم، وجمعت بين منتخب إنجلترا والمنتخب الإسكتلندي. دخل منتخب إنجلترا حينها بخطة 7-2-1، فيما كانت خطة إسكتلندا 6-2-2، وبالرغم من وجود 13 مهاجماً من أصل 22 لاعباً على أرض الملعب، إلا أن المباراة انتهت بالتعادل السلبي، ولم يستطع أي من الطرفين تسجيل أي هدف.
استمرت محاولات الفرق في التحسّن على المستوى التكتيكي، وظهرت فكرة تدوير الكرة والتمريرات القصيرة بين الخطوط، ثم حاولت الفرق دمج كل ذلك مع المراوغات، خصوصاً نادي "كوينز بارك" الإسكتلندي والذي كان له تأثير كبير على فكرة التمريرات المتواصلة ودمجها مع مهارة اللاعبين.
واستمر صغيرنا في القراءة، البحث، المشاهدة حتى وصل إلى أن الاختلاف الأكثر وضوحاً، الذي يمكن رؤيته بالعين المجردة بسهولة عند مقارنة المباريات بين الماضي والحاضر، هو في الدفاع الجماعي حيث تحاول معظم الفرق الحديثة تضييق المساحة بل وتحاول استعادة الاستحواذ بأسرع ما يمكن فيما يعرف بالـ"ضغط المضاد"، وأن يصبح شكل الفريق منتظماً أسرع بكثير من الماضي وأن لا يركز على الصراعات الفردية.
حيث تميل الفرق الكبرى إلى تفضيل نهج جماعي مع الاعتماد على "فخاخ الضغط" المعروفة بمشاركة جميع اللاعبين الذين ليس لديهم الكرة. حيث هناك اتجاه متزايد للمبادرة -أن تكون مسيطراً على اللعبة- حتى بدون الكرة.
تائه في بحر التكتيك!
بعد المزيد من البحث، وجد مصطلحاً وقف أمامه كمن أبهرته أضواء المدينة" الزمكان"، استخدم صديقنا أقصى قدراته للتفكير لكنه أقصى ما وصل إليه يعد قطرة في أهمية ذلك المصطلح في كرة القدم، حتى وقعت عينه في إحدى كتبه على شرح لذلك المصطلح.
ما جاء في الكتاب هو:
"كرة القدم هي رياضة يجب أن تراقب فيها ما يدور حولك لإيجاد أفضل حل ممكن. إذا كنت لا تتصل بالآخرين، فأنت لا تعرف شيئاً ولا يمكنك فعل أي شيء. هناك شيء يدعى الزمكان الذي يجب إدراكه في هذه اللعبة.. إنه إمكانية التحكم فيما تفعله وما يفعله الآخرون، لأنك تلعب برأسك وليس بقدميك فقط. "ولكن كيف يمكنني إيجاد مسافات إذا لم تكن موجودة؟"
ثق بأن هناك دائماً بعضاً من المساحات. عليك فقط أن تحرك الكرة من جانب إلى آخر، وتتحرك، وتتحرك مرة أخرى. قضيت حياتي في البحث عنها وإيجاد طرق. أسأل أين توجد مساحة؟ كيف تحقق ذلك؟
الغرض من جميع المبادئ الفنية والتكتيكية في كرة القدم هو تحديد وخلق مساحة لزيادة الوقت عندما نهاجم والعكس، لتحديد وحرمان المساحة لتقليل الوقت عندما ندافع.
يمكن تحديد المساحة في كرة القدم من خلال تحديد موقع الكرة واللاعبين الآخرين (المنافسين والزملاء) والمناطق الخالية في الملعب بناءً على أربعة معايير: العرض والعمق وخطوط دفاع الخصم وخط التسلل.
يشير الوقت في كرة القدم إلى المدة التي يمتلكها اللاعب الكرة لاتخاذ القرار وتنفيذ الإجراء الصحيح. من الواضح أن المساحة الأكبر تعني المزيد من الوقت.
يتابع تشافي: "ماذا علي أن أفعل عندما تكون لدي الكرة؟ أبحث عن مناطق خالية لتوفير الوقت للتفكير. ماذا علي أن أفعل عندما لا تكون لدي الكرة؟ تقليل مساحة الخصم لعدم السماح له بإيجاد الحلول. إذا تم القيام به بشكل صحيح، فإن الخصم قد وقع في خطأ الزمكان. لديه مساحة أقل لتحريك الكرة، لذلك وقت أقل للتفكير".
العكس هو الصحيح!
لقد بدأ مدربنا الآن في الظن أنه فهم كرة القدم بالشكل الصحيح لكنه سمع مصطلحاً آخر أرهقه وهو أفخاخ الضغط الهجومية، لم يجد ما يفيده في كتبه المعتادة فبدأ في البحث عبر أفضل وسائل ذلك العصر الإنترنت، وكان له ما أراد.
حيث اكتسب نادي هولشتاين كيل الألماني الاهتمام عبر الإنترنت على مدار الموسمين الماضيين بسبب لعبه التموضعي الجذاب الذي يتضمن تحركات وأنماط غير تقليدية خاصةً خلال مرحلة البناء.
انتقل كريستيان دوبريك، مساعد مدربهم تحت 19 عاماً، مؤخراً إلى Twitter لمشاركة بعض المبادئ الرئيسية لناديه، والتي تضمن أحدها وضع "فخ ضغط هجومي" عند اللعب. استخدم دوبريك هذا الوصف للمفهوم:"ادعُ الخصم بوعي للضغط، من أجل احتلال المساحات ديناميكياً أو تحريك الكرة إلى مناطق يفوق فيها عددنا عددهم. العكس الواضح والمبدئي لمصيدة الضغط".
ثم قدم مزيداً من التفاصيل موضحاً:"الفكرة البسيطة وراء فخ الضغط الهجومي": "إنشاء هيكل يبدو من السهل الضغط عليه. قم بدعوتهم للضغط، وشغل المساحات ديناميكياً، ثم كسر الخطوط عندما تفوقهم عدداً. إذا لم يضغطوا عليك، إذن يمكنك البناء بدون ضغط".
هذه هي الضربة المضادة لمصيدة الضغط الحديثة والمنتظمة. حدد المكان الذي يحاول الخصم إجبارك على اللعب فيه واحتلال المساحات عمداً، وقم بتدوير الكرة أو تحريكها إلى المناطق التي تدعو أو تعطل هذا الفخ. استخدم هذا الاضطراب في خطوط الخصم لخلق مواقف زيادة عددية أو مواقف أخرى تجعل من السهل تقدم الكرة للأمام. وهذا يتطلب تحديداً مبكراً أو تنبؤاً أو بيانات حية لإنجازها.
من أجل تحقيق ذلك – تتطلب الفرق لاعبين أقل تخصصاً وأكثر شمولية. سيتم تفضيل أولئك الذين يشعرون بالراحة في عدد من المناطق المختلفة في الملعب. تتطلب السلاسة اللازمة للتحرك بحرية وذكاء بما يكفي لتعيين "مصائد ضغط هجومية"، لاعبين يتمتعون بأعين ماسحة ممتازة للملعب – فهم ينشئون صورة باستمرار ويتنبأون بما سيحدث وأين وكيف ستظهر المساحة؟، لاعبين قادرين على التنبؤ بالمواقف بدلاً من الرد عليها بالإضافة إلى التنظيم الذاتي للحصول على الحلول الأسرع والأكثر كفاءة.
هذا يعني أنه سيُطلب من المدربين إعداد اللاعبين لشغل مناطق محددة مسبقاً (بدلاً من المواقف والمهام والأدوار التقليدية)، اعتماداً على المواقف المحددة التي تنشأ من خلال التحليل من أجل الاستفزاز والوصول إلى الأماكن الأكثر فائدة.
الراحة!
ارتبطت كرة القدم الآن في عقله بأنها تتطلب الكثير من الحركة، المزيد من المجهود فجال في خاطره تفكير مبدئي للغاية ألا وهو أوقات الراحة أثناء المباراة.
هي عبارة مستخدمة الآن على نطاق واسع وهي أيضاً مثيرة للجدل بين جيل أقدم من المدربين. ببساطة، تشير إلى هيكل وعدد اللاعبين الذين يتركهم الفريق المهاجم (وأحياناً "يستريحون" أو لا يتم تضمينهم في الحركة الهجومية) لتوفير الأمن في حالة فقدان الكرة.
ثم قرأ عن بداية ظهور مصطلح مضاد – يُعرف باسم "Rest Offense" أو "Rest Attack"، ويسمى أيضاً "الغش". يشير هذا المصطلح إلى عدد اللاعبين الذين يتركهم الفريق المدافع في الأمام وغالباً خارج التنظيم الدفاعي، ويكونون على استعداد للعمل كمحطات لهجوم مرتد سريع. هذا ليس مفهوماً جديداً ولكن في عصر حسن التنظيم، اكتسب "rest defence" أهمية أكبر.
تكمن الفكرة في تحديد نظام وخطوات "دفاع الخصم أثناء الراحة" والاستفادة من المساحات الشاغرة أو إغرائها لترك مساحات محددة خالية من خلال أنماط وحركات متعمدة وعالية السرعة في لحظة الانتقال للهجوم عند استعادة الكرة.
ضحكة!
استمر صديقنا بمواجهة المزيد ثم المزيد من الأفكار ثم ضحك عندما تذكر كلمة أحد عجائز الحي: "كرة القدم توقفت عن الإنتاج".
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.