عندما يُنشر هذا المقال قد يكون الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) قد سنّ قانوناً جديداً خاص باللاعبين المزدوجي الجنسية، يسمح لفئة منهم بتغيير جنسيتهم الرياضية واللعب رسمياً لمنتخب بلد آخر بدل المنتخب الذي حملوا ألوانه من قبل. وسيكون المغربي منير الحدادي أبرز اللاعبين السعداء بالقانون الجديد حيث سيمنحه أخيراً فرصة تحقيق حلمه باللعب مع منتخب بلده الأصلي، بعدما ندم على الدقائق المعدودة التي حمل خلالها قميص منتخب إسبانيا.
وعقد الاتحاد الدولي لكرة القدم، الجمعة 18 سبتمبر/ أيلول 2020، مؤتمره السنوي الـ70، حيث تضمن جدول أعماله العديد من النقاط الهامة على غرار مناقشة القوانين المتعلقة بتغيير الجنسية الرياضية.
وقبل اجتماع اليوم الجمعة، فإن لوائح" الفيفا" تمنع اللاعب من تغيير جنسيته الرياضية في حال خوضه مباراة رسمية مع منتخب البلد الأول، وهو الأمر الذي عانى منه منير الحدادي، نجم نادي إشبيلية الإسباني، الذي لعب 15 دقيقة فقط رفقة منتخب إسبانيا أمام منتخب مقدونيا يوم 8 سبتمبر/أيلول 2014 في مباراة لحساب تصفيات بطولة أمم أوروبا لكرة القدم 2016، حيث استدعاه المدير الفني السابق لمنتخب "لاروخا"، فيسينتي ديل بوسكي، لتعويض دييغو كوستا المصاب، وذلك بعد التألق اللافت الذي ظهر به الشاب منير رفقة نادي برشلونة في تلك الفترة.
قانون جديد للفيفا يُسعد المغربي الحدادي
كان الحدادي يبلغ من العمر 19 عاماً و17 يوماً عندما شارك في مواجهة مقدونيا، ما يجعله مؤهلاً للاستفادة من القانون الجديد الخاص بتغيير الجنسية الرياضية، والذي يتطلب 4 شروط، وهي أولاً: اللعب أقل من 3 مباريات مع المنتخب الأول، وثانياً: أن يكون عمر اللاعب أقل من 21 عاماً في تاريخ آخر مباراة رسمية مع المنتخب الأول، وثالثاً: عدم مشاركته مع المنتخب الأول منذ 3 سنوات، ورابعاً: عدم خوضه أي دورة نهائية لكأس العالم أو بطولة قارية مع المنتخب الأول.
ولكن إذا كان المغربي منير الحدادي سيتخلص من هاجس الندم الذي لاحقه منذ عدة سنوات بسبب اختياره اللعب لمنتخب بلد مولده إسبانيا بدل منتخب بلد أصوله المغرب، فإنّ الأمر لن يكون كذلك بالنسبة للاعب عربي آخر صنع الحدث مؤخراً في أوروبا وبالخصوص بفرنسا والجزائر، ونعني به حسام عوار، نجم نادي ليون، الذي اختار اللعب لمنتخب "الديكة" بدل منتخب "محاربي الصحراء".
وبالنظر للوائح الجديدة للاتحاد الدولي لكرة القدم المتعلقة بالجنسية الرياضية للاعب، فإنّ حسام عوار لن يمكنه تغيير المنتخب الأول لأنّ عمره يفوق حالياً 21 عاماً، لكنه لا يزال يملك إمكانية اللعب مع منتخب الجزائر لأنّه بكل بساطة لم يشارك بعد في أي مباراة رسمية رفقة المنتخب الفرنسي.
وقبل أن نواصل الحديث عن قضية الجنسية الرياضية لحسام عوار دعونا نتعرف بإيجاز على مشواره الاحترافي.
قصة التألق مع ليون
ولد حسام عوار يوم 30 يونيو /حزيران 1998 بمدينة ليون الفرنسية، من والدين جزائريين، وبدأ ممارسة رياضة كرة القدم ضمن نادي "تونكان فيلوربان" الصغير في عام 2006، قبل أن يلتحق في سنة 2009 بمدرسة لنادي ليون، حيث تم صقل موهبته وتكون لشغل كل مناصب خطي الوسط والهجوم، ما سمح له بالتألق لاحقاً كمتوسط ميدان هجومي من الطراز الرفيع، خاصة في ظل إجادة لعبه بكلتا قدميه اليمنى واليسرى.
واستبشر مسؤولو المركز التكويني لنادي ليون خيراً بالفتي حسام لما قاد فريق (أقل من 17 عاماً) للتتويج بلقب الدوري لهذه الفئة العمرية في موسم (2013- 2014)، بعدما افتتح التسجيل في المباراة النهائية التي فاز بها النادي على الغريم التقليدي باريس سان جيرمان وبعدما سجل 27 هدفاً وصنع 15 هدفاً آخر في نفس الموسم.
ولم يمر هذا التألق المميز لحسام عوار دون ترقيته سريعاً لفريق الشباب لأقل من 19 سنة لنادي ليون، والذي شارك معه في أول مباراة رسمية وهو في سن 16 عاماً و3 أشهر، ثم مع فريق الرديف في عمر 17 سنة ونصف. قبل أن ينضم للفريق الأول في صيف 2016، وهو في 18 من عمره، حيث ربطه النادي في يوليو/حزيران من نفس العام بعقد احترافي لمدة 3 سنوات.
واكتفى الشاب عوار بخوض 5 مباريات رسمية فقط في موسمه الأول كلاعب محترف مع ليون، سجل خلالها هدفاً واحداً في مرمى نادي ألكمار الهولندي في مسابقة الدوري الأوروبي لكرة القدم، ثم شارك في 44 مباراة في الموسم الموالي (2017- 2018)، سجل خلالها 7 أهداف وقدم 5 تمريرات حاسمة، واستقر أداؤه في موسم (2018- 2019) بمشاركته في 47 لقاءً رسمياً، سجل خلالها 7 أهداف ومنح 9 تمريرات حاسمة.
وشهد الموسم المنقضي (2019-2020) تطوراً لافتاً في مستوى عوار، خاصة بعد المكانة الجديدة التي حظي بها لدى المدرب الجديد للفريق، البرازيلي سيلفينيو الذي خلف الفرنسي برونو جينيزو، بحيث تحول حسام لشغل مركز صانع ألعاب الفريق بعد رحيل مواطنه نبيل فقير إلى نادي ريال بيتيس الإسباني.
وازدادت ثقة عوار بنفسه وارتفعت معنوياته أكثر لما سمع كلام المدير الرياضي الجديد للنادي، البرازيلي جونينيو، الذي قال إنه معجب كثيراً بحسام عوار. وهو الذي كان يعتبر جونينيو مثله الأعلى لما كان الأخير لاعباً في صفوف ليون من 2001 إلى 2009.
وعلى الرغم من الكرة الجميلة التي كان يقدمها نادي ليون في بداية الموسم الماضي، إلا أنّ النتائج لم تكن في مستوى الأداء فوق الميدان ما اضطر إدارة النادي لإحداث التغيير على رأس الجهاز الفني قصد فك العقدة، فتم تعيين المدرب الفرنسي المحنك رودي غارسيا مكان سليفينيو، في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2019، فتحسنت نتائج الفريق الذي أصبح أداؤه أكثر فاعلية بقيادة حسام عوار وفاجأ متابعي دوري أبطال أوروبا ببلوغه الدور نصف النهائي للمسابقة القارية، بعد إقصائه ليوفنتوس الإيطالي في الدور ثمن النهائي ثم مانشستر سيتي الإنجليزي في الدور ربع النهائي.
وتبقى النقطة السوداء الوحيدة بالنسبة لنادي ليون في الموسم الماضي، هي قرار الاتحاد الفرنسي لكرة القدم بإيقاف الدوري المحلي دون إكماله بسبب جائحة كورونا، بحيث كان النادي يحتل المركز السابع في ترتيب البطولة عند توقيفه، قبل 10 جولات كاملة عن النهاية المبرمجة، ما حرم ليون من إمكانية الظفر بتأشيرة مشاركة أوروبية في الموسم الجديد (.2020-2021).
وبسبب عدم مشاركة ليون في النسخة الجديدة لدوري أبطال أوروبا لكرة القدم فإنه سيجد صعوبة كبيرة في الحفاظ على أبرز نجومه خلال فترة الانتقالات الصيفية الجارية، ونخص بالذكر حسام عوار المطلوب من أندية أوروبية عملاقة على غرار يوفنتوس الإيطالي وآرسنال الإنجليزي.
كورونا يؤجل انضمام عوار لمنتخب فرنسا
بالموازاة مع تألقه، رفقة ليون، في شهر أغسطس/آب الماضي، في مسابقة دوري الأبطال قرر عوار صنع الحدث بفرنسا والجزائر حول منتخب البلد الذي سيمثله دولياً، فعلى الرغم من أنّ اللاعب كان يرفض الحديث عن الموضوع ويؤكد أنّ تركيزه منصب حول عمله بنادي ليون، فإن الجماهير الرياضية ببلده الأصلي كانت شبه مقتنعة أنّ حسام سيلعب لمنتخب "المحاربين" خاصة في ظل التصريحات التي كانت تصدر من حين لآخر من عائلته والتي كانت تُلمح لهذا الاختيار.
لكن عشاق المنتخب الجزائري أصيبوا بالصدمة لما أعلن مدرب منتخب فرنسا ديديه ديشامب، يوم 27 أغسطس/آب الماضي قائمة اللاعبين المدعوين لمباراتي السويد وكرواتيا في بداية شهر سبتمبر/أيلول لحساب مسابقة دوري الأمم الأوروبية لكرة القدم، وهي القائمة التي ضمت اسم حسام عوار.
وفي زخم الضجة التي أحدثها إعلان ديشامب، صدر بيان من نادي ليون، في اليوم الموالي (28 أغسطس) يقول فيه إنّ حسام عوار قد أصيب بفيروس كورونا ليغيب بذلك عن معسكر فرنسا.
فيروس كورونا تسبب إذن في تأجيل الانضمام الرسمي لعوار لمنتخب فرنسا، وقد يستمر هذا التأجيل لفترة صغيرة فقط بحيث قد يعيد المدرب ديشامب توجيه الدعوة لحسام للمشاركة في مباراة البرتغال المقررة في منتصف شهر أكتوبر/تشرين الأول القادم برسم نفس البطولة الأوروبية.
لكن هذا التأجيل أعاد الأمل لفئة متحمسة لمنتخب الجزائر في أن يراجع حسام عوار نفسه ويقرر اختيار اللعب لمنتخب بلده الأصلي، حتى لا يندم عندما لا ينفع الندم مثلما حدث لمواطنيه كريم بنزيمة وسمير نصري اللذين تخلى عنهما منتخب فرنسا لأسباب انضباطية "واهية" ولم يكن بمقدورهما "قانونياً" تغيير الجنسية الرياضية والانضمام للمنتخب الجزائري.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.