بقدر ما تسبب الإعلان عن اتفاقيات التطبيع بين الإمارات والبحرين مع إسرائيل في صدمة للسلطة الفلسطينية وأربكت حساباتها، إلا أن هذا الإعلان طرح ملف إنهاء الانقسام الداخلي على طاولة اتخاذ القرار، وليس النقاش فحسب.
فسيناريوهات السلطة الفلسطينية في مواجهة موجة التطبيع العربي مع إسرائيل محدودة، وخياراتها في الرد لها حسابات أشد تعقيداً مما سبق، فهي على علاقة قوية بدول كبرى، لكنها لا تسعى للانضمام لأي من التحالفات الإقليمية الموجودة على الساحة.
وكان السؤال الذي قد طرح نفسه فور انطلاق قاطرة التطبيع الجديدة: هل تسعى السلطة إلى التقارب أكثر مع تركيا والانضمام لتحالف المربع السني الذي تقوده أنقرة، أم تتقارب أكثر إلى إيران عبر بوابة التصالح مع حركة حماس وتبحث عن ظهير يساندها وهو في ذات الوقت يعلن عداءه لإسرائيل ولأطراف التطبيع العربية؟
لا تحالفات إقليمية
الممثل الخاص لرئيس السلطة الفلسطينية الدكتور نبيل شعث قال لـ"عربي بوست": "إن السيناريوهات العملية التي تنوي السلطة اتخاذها تتركز على ثلاثة أمور رئيسية؛ أولها الصمود على موقفنا دون أي تردد أو تراجع؛ لأنه في النهاية لا حل بدوننا"، كان الشيطان نفسه لن يفرض علينا حل تحت عنوان مصالح الإمارات وغيرها".
وأضاف شعث: "أما الأمر الثاني، هو أن وقائع واتفاقات التطبيع وضعت كل الفصائل في نفس الموقع والمكان والجانب، وهذا سوف يُعجل من إمكانية تحقيق الوحدة الفلسطينية وإعادة بناء منظمة "التحرير"، بموازاة أهمية التعاون الفلسطيني في استراتيجية المقاومة الشعبية الموحدة".
وأردف: "فيما تتمثل الخطوة الثالثة، في مواصلة التحرك على المستوى العربي، فنحن لن نغادر الجامعة العربية، ومن يجب أن يغادرها هو من يخالف اتفاقياتها".
وحول الخيارات الإقليمية للسلطة الفلسطينية، أكد الدكتور نبيل شعث أن السلطة تدرك أن العالم الآن تحت حكم شخص واحد مثل دونالد ترامب، وهذا يصعب فرض الموقف الفلسطيني، وقال: "سيتغير هذا الواقع تدريجياً، فالصين تصعد، وهناك وجود روسي، وسوف نستمر حتى يتغير الواقع لصالحنا".
وحول إمكانية تقارب السلطة مع دولة مثل تركيا أو إيران، والانضمام إلى تحالفات إقليمية لإحداث توازن في القوى الداعمة للقضية الفلسطينية، أكد ممثل رئيس السلطة الفلسطينية أن "السلطة لم تتخلّ منذ الوهلة الأولى عن بناء علاقات جيدة مع تركيا وإيران، إضافة إلى الصين وروسيا، منوهاً بأن كل شيء في العلاقات الدولية له حساباته".
غير أنّ شعث استدرك قائلاً: "إن السلطة لا تفكر بالدخول ضمن تحالفات ومربعات اقليمية جديدة، وإنما بناء علاقات ايجابية مع كل دولة تقف إلى جانب الحق الفلسطيني وتتعاون معنا ضمن إطار حقنا العادل وفق قرارات الشرعية الدولية".
كما شدد على أن علاقة السلطة جيدة مع إيران، لكن ليس لدرجة الدخول في تحالفات إقليمية.
ضرورة الانفكاك عن الاحتلال
من جهته، أكد عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" عباس زكي لـ"عربي بوست" أن رد السلطة على التطبيع الإماراتي والبحريني مع إسرائيل يتمحور حول تنفيذ قرارات المجلسين الوطني والمركزي لمنظمة التحرير التي قضت بالانفكاك عن الاحتلال، وتصعيد المقاومة وترتيب البيت الفلسطيني بما يشمل إنهاء الانقسام السياسي والانفصال الجغرافي.
وأشار إلى أن السلطة ترتب لخطوة مفاجئة متمثلة بالعمل الفلسطيني على الصعيدين العربي والدولي بطريقة مختلفة عن السابق، مع التأكيد على الإنجازات الدبلوماسية السابقة والبناء عليها.
وشدد زكي على ايجابية العلاقة مع تركيا وإيران، لكنه رفض أن تصنف علاقات السلطة الجيدة مع الدول في سياق التحالفات، وقال: "قضيتنا عادلة ولا نريد الدخول في أية محاور إقليمية، وسوف تكون الأمور في صالحنا إذا حققنا مفاجآت بالمقاومة الشعبية، وبخطواتنا على المستوى العربي والعالمي".
عدو واحد وهدف واحد
وشدد القيادي في حركة فتح على أن قوة علاقة السلطة الفلسطينية مع أي دولة تتناسب طردياً مع مبدأ "عدو عدوي هو صديقي.. وعدونا هو إسرائيل، وأي طرف يتفق مع هدفنا فهو صديقنا".
ويرى زكي أن القضية الفلسطينية لم تفقد عمقها العربي، وأن ما حدث فقط هو تكشف وجوه صنعتها القوى الاستعمارية في الماضي والحاضر من أجل "مساعدة إسرائيل على الانتصار على القضية الفلسطينية"، مشدداً على ثقته في الوعي العربي ووقوف الشعوب العربية مع قضيتهم.
وأضاف: "عرفنا الآن أن عدونا ليس فقط إسرائيل وعرفنا أن هناك من هو مسكون بالرعب ويبيع الوطن من أجل المال والمصلحة، فقد آن الأوان للقيادة الفلسطينية من أجل الرشد بالعمل السياسي وأن ندقق أين نضع أرجلنا عربياً أو دولياً".
وطالب عباس زكي القيادة الفلسطينية بأن تحسم أمرها بوضح، ولا تكتفي بالبيانات والخطابات على الفضائيات، مشيراً إلى ضرورة وجود إنجازات على الأرض يرضي الشعب الفلسطيني والعالم.
أبوعمار والانتفاضة
وعاد زكي بذاكرته إلى واقعة تعود إلى ثمانينيات القرن الماضي عندما انطلقت الانتفاضة الشعبية الفلسطينية الأولى عام 1987، وكان زكي وقتها يرافق الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في رحلة باليمن، وفي لحظة تهافت الصحفيون من أجل إبلاغ ياسر عرفات بأن رئيس الوزراء الاسرائيلي الأسبق إسحق رابين قطع زيارته حينها إلى أمريكا، وعاد إلى الأرض المحتلة مسرعاً ليصفي الانتفاضة الفلسطينية خلال أسبوع.
كان رد عرفات وقتها: "أتحدى أن ينجح رابين في القضاء على الانتفاضة في غضون أسبوع، انت ما بتعرف شعبنا"، وبالفعل استطاع الشعب الفلسطيني أن ينتصر في الانتفاضة وصاغ لها شعار"لا صوت يعلو فوق الانتفاضة".
يختم زكي حديثه، قائلاً: "برأيي ايضاً لا صوت يعلو فوق ثوابتنا الأربعة؛ وهي الدولة الديمقراطية، والاستقلال التام، تصعيد المقاومة، والشرعية الدولية".
من جهة أخرى، أكد عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، أحمد مجدلاني، لـ"عربي بوست"، أن القيادة الفلسطينية الآن تعمل على صياغة رؤية للتعامل مع الوضع الراهن عربياً ودولياً مكونة من 15 نقطة، مشدداً على أن جميع النقاط لا تدعو إلى الدخول في أية تحالفات إقليمية، وقال : "قضيتنا محور في حد ذاتها وأي دولة تدعمنا فهي معنا بهذا المحور".
بن زايد
على الرغم من توحد موقف السلطة الفلسطينية الرافض للرد على اتفاقات الطبيع بالدخول في تحالفات إقليمية، فإنها تبدو مُربكة في اتخاذ خطوات واضحة للرد على تلك الاتفاقات.. فتارة تهدد بالانسحاب من الجامعة العربية وتارة أخرى تقول "إن الذي خالف قرارات الجامعة هو الذي عليه الخروج منها".
على الجانب الموازي ـ وفق مصادر لـ"عربي بوست"ـ حين أعلن عن التطبيع الإماراتي – الإسرائيلي الشهر الماضي، بث تلفزيون "فلسطين" الرسمي تقارير مسّت بشكل مباشر بولي العهد الإماراتي محمد بن زايد، ثم جاءت تعليمات من مقر المقاطعة في رام الله إلى التلفزيون الرسمي تطالبه بوقف التقارير التي تتعرض لأي مسؤول إماراتي، وأن ذلك بعد رسائل عربية وصل القيادة في رام الله تحذرها من مغبة الاشتباك السياسي والإعلامي مع أبوظبي.