حين افتتحت أمل البشيري إحدى رائدات الأعمال السعوديات أول أعمالها التجارية في 2003، لم يكُن يُسمَح لمعظم السيدات السعوديات حينها بالدخول إلى المباني التجارية. وقالت أمل، مؤسسة منصة التصميمات الداخلية Makan.Design: "كانت حقبة مختلفة تماماً". وفي 2018، حصلت النساء على حق التسجيل التجاري للمشاريع من دون شرط الحصول على موافقة الزوج أو قريب ذكر.
وصرّحت البشيري لموقع Al-Monitor الأمريكي: "صرنا نشعر الآن بحقنا في الوجود!".
رائدات الأعمال السعوديات على الطريق الصحيح
وفي السنوات الأخيرة، أنهت القيادة السعودية آخر حظر في العالم على قيادة النساء للسيارات، وشجعت النساء على دخول سوق العمل؛ مما أدى إلى تسريع اندماج المرأة في الاقتصاد المحلي. وتهدف هذه التحركات إلى زيادة عدد الأسر ذات الدخل المزدوج في وقت تؤدي فيه الظروف الاقتصادية المتدهورة إلى تآكل نظام الرعاية الاجتماعية في المملكة.
علاوة على ذلك، حظرت الحكومة الممارسات التمييزية في الحصول على الائتمان المصرفي. لكن بخلاف تحسين الإطار القانوني، قد يتطلب تمكين المرأة تغييراً عميقاً في طرق التفكير في المجتمع.
وبالرغم من أنَّ أكثر من نصف طلاب الجامعات السعودية من النساء، لم تحظ ريادة الأعمال النسائية بالقبول بالكامل بعد. وتُقدِّر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أنَّ التمييز على أساس الجنس في القوانين والأعراف الاجتماعية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يكلف 575 مليار دولار في السنة.
القيود الثقافية أفقدتهن الثقة بالنفس
على عكس القيود التنظيمية، لا يمكن في غمضة عين إلغاء الحدود الداخلية التي رُسِخَت في أذهان النساء السعوديات على مدى عقود من الشروط الثقافية ونظام ولاية الرجل المُشدَّد، ومن المرجح أن تتم مقاومة الإصلاحات التي تقودها الدولة.
ولطالما انتقدت منظمات حقوق الإنسان الدولة الخليجية لأنها جعلت النساء مواطنات من الدرجة الثانية. ووجدت دراسة نُشِرَت في 2018 أنَّ النساء السعوديات يفتقرن إلى الثقة بالنفس بسبب القيود على النوع الاجتماعي "المتجذرة بعمق في الثقافة".
وقالت أروى شافي، زميلة منتسبة في TAQADAM "تَقَدّم"، أحد أكبر مسرعات الشركات الناشئة في المملكة العربية السعودية، لموقع Al-Monitor: "التحديات المتبقية هي كلها على المستوى الشخصي. لا يزال هناك الكثير من الأفكار الراسخة في العقول حول ما يمكن للأنثى فعله أو ما لا يمكن فعله".
يمكنني إرضاع طفلي بالعمل، و30 من رواد الأعمال من النساء
وتساعد برامج الإرشاد والتسريع، مثل "تَقَدّم"، المشاركين على استكشاف الفرص التي كانت في السابق بعيدة المنال، وتحويل الأفكار إلى منتجات قابلة للتسويق. وتقول أروى: "أكثر من 30% من رواد الأعمال المؤسسين لدينا من النساء"، مشيرة إلى أنَّ المرونة التي يوفرها البرنامج الذي يمتد لستة أشهر ساهمت إسهاماً جوهرياً في تحقيق هذه المشاركة العالية من النساء.
وفي هذا السياق، علَّقت مودي الغشيان، المشاركة المؤسسة لموقع Hadiya Registry لتسجيل الهدايا: "يمكنني إحضار طفلي المولود حديثاً، ومواصلة إرضاعه".
ويوفر "تَقَدّم" أيضاً تمويلاً بدون الحصول على حصة من رأس المال لتسهيل الوصول إلى التمويل، وهو أحد أكبر التحديات التي تواجهها المشاريع التي تقودها النساء؛ إذ إنَّ الائتمان المصرفي المتاح للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم في المنطقة العربية هو الأدنى في العالم.
وقالت مودي: "هذه هي الفرصة التي كنت أحتاجها. حظيت بفرصة الاختلاط مع رواد أعمال آخرين، وبناء علاقات وتلقيت منحة قدرها 20 ألف دولار". وخلال أزمة "كوفيد-19"، تضاعفت مبيعات Hadiya Registry ثلاث مرات حيث "بدأ الكثيرون في الشراء عبر الإنترنت لأول مرة".
أهمية النماذج القيادية
وبالنسبة لأولئك الذين يرغبون في التوفيق بين الحياة الأسرية والمهنية، كانت الجائحة بمثابة دعوة للاستيقاظ مع زيادة فرص العمل في الاقتصاد الرقمي واكتساب التسوق عبر الإنترنت زخماً. إذ تجاوز معدل نمو التجارة الإلكترونية السعودية بالفعل قبل انتشار الجائحة 32% سنوياً.
لكن رائدات الأعمال الطموحات يكافحن لمضاهاة الشركات التي يقودها الرجال والتي تهيمن على عناوين الأخبار. وقالت المحللة السياسية السعودية، المقيمة في لندن، نجاح العتيبي، لموقع Al-Monitor: "النساء السعوديات ليس لديهن نماذج يحتذى بها، هذا ما نفتقده".
ووفقاً لكلية بابسون الأمريكية الخاصة الرائدة عالمياً في مجال تعليم إدارة الأعمال، "تؤثر النماذج القيادية تأثيراً هائل في الكفاءة الذاتية لريادة الأعمال بين النساء أكثر من تأثيرها في الرجال".
ووجدت دراسة أجرتها شركة Mastercard في 2018، أنَّ أقل من 2% من أصحاب الأعمال الذين لديهم موظف واحد على الأقل في السعودية هم من النساء. وبالرغم من أنَّ "عدد رائدات الأعمال السعوديات نما بشكل كبير من عام 2007 إلى عام 2017″، تظل ريادة الأعمال الاستثناء لأنَّ الغالبية العظمى من المواطنين السعوديين يفضلون التوظيف في القطاع العام الذي يجذبهم بسبب ارتفاع الأجور والمزايا الاجتماعية والأمن الوظيفي -إذ ترتفع أجور الإدارات الحكومية بـ59% عن رواتب القطاع الخاص.
وعلى المدى الطويل، يمكن للمناهج الجديدة أن تسهم بدور حاسم في إنتاج جيل من رائدات الأعمال. فعلى مدى عقود، أيَّد النظام التعليمي "الأعراف الاجتماعية والثقافية السائدة التي تؤكد على دور المرأة زوجة وأم"، مثلما ورد في دراسة أجرتها الباحثة السعودية البارزة حصة الشيخ.
ووفقاً لتقديرات البنك الدولي، تتمتع النساء في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بنصف الحقوق القانونية للرجل. ولطالما دعت المنظمات الدولية والخبراء الحكومات الخليجية إلى تفضيل منهجيات التدريس التي تركز على التفكير النقدي.
ولكن المشكلة أن المملكة أصبحت دولة شرطية
منذ تعيين الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد في عام 2017، صوَّر الأمير نفسه على أنه إصلاحي وأثنى القادة الغربيون في البداية على هذا الموقف. وفي أوائل عام 2018، قال وزير الخارجية البريطاني، بوريس جونسون، إنَّ الحاكم الفعلي للمملكة "أظهر بالقول والفعل أنه يهدف إلى توجيه السعودية إلى مسار أكثر انفتاحاً".
لكن على الجانب الآخر، جادل ناقدون بأنَّ هذه الخطوات هي محاولة لإنشاء ستار للتخفي وراءه. وقالت لينا الهذلول، شقيقة لُجين الهذلول المسجونة مع ناشطات أخريات نظمن حملات من أجل المطالبة بحق النساء في القيادة: "كان على النظام الجديد إجراء إصلاحات لاكتساب الشرعية في الغرب".
ووفقاً لمدير قسم الشرق الأوسط السابق في منظمة هيومن رايتس ووتش، "كانت جريمتهن الوحيدة هي رغبتهن في الاعتراف بحق النساء في القيادة قبل أن يمنحهن إياه محمد بن سلمان". وصرّحت لينا الهذلول لموقع Al-Monitor: "أصبحت السعودية الآن دولة شُرَطية. لا أحد يجرؤ على الحديث"، وأعربت عن أسفها لأنَّ القوانين الجديدة مثل قانون الآداب العامة" طمس الخط الفاصل "بين ما هو مسموح وغير مسموح به.
لكن رائدات الأعمال السعوديات، مثل أمل البشيري، يملؤهن الأمل. وقالت أمل إنَّ مجتمعاً أكثر شمولية آخذ في التشكُّل مع دخول المملكة حقبة جديدة، مضيفة: "بقدر ما نريد الحفاظ على تقاليدنا، لا نريد أن نكون دولة محافظة إلى الأبد".