كشف الصحفي الأمريكي بوب وودورد في كتابه الجديد "الغضب" عن مشهد غير عادي حدث أثناء اجتماع بين الرئيس الأمريكي ورئيس وزراء إسرائيل في مايو/أيار 2017، بالقدس حيث عرض خلاله بنيامين نتنياهو على دونالد ترامب شريط فيديو يُفترَض أنه يُظهِر الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، وهو يحرض على العنف ضد اليهود.
وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون، الذي كان مشاركاً في الاجتماع، قال وفق كتاب "الغضب"، إنَّ الشريط خضع للتزوير أو التلاعب؛ مما أدى إلى دمج الكلمات والجمل معاً خارج السياق، لكن ترامب -الذي كان لا يثق بنتنياهو في السابق- اقتنع بالفيديو تماماً. وفي اليوم التالي ببيت لحم، انهال ترامب بالإساءات على عباس، ووصفه بالكاذب والقاتل، وقطع العلاقات الدبلوماسية والدعم المالي للفلسطينيين بعد فترة وجيزة.
توصل تيلرسون إلى نتيجة، مفادها أنَّ "نتنياهو فبرك الفيديو لتقويض أية مشاعر مؤيدة للفلسطينيين كانت تطفو على السطح"، حسب تقرير مختصر عن الكتاب نشرته صحيفة The Guardian البريطانية
ما قبل اغتيال سليماني: الكتاب تحدث أيضاً عن الجدل الذي خاضه الرئيس دونالد ترامب مع مقربيه قبل 4 أيام من إصدار الأمر بشن الغارة الجوية التي قتلت القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني، حيث دار نقاش بشأن الاغتيال في منتجع الغولف الخاص به في فلوريدا.
في تلك الليلة شارك الرئيس اللعب مع السيناتور غراهام، الذي اتضح أنه من أقرب المستشارين إلى ترامب، وحثه حينها على عدم اتخاذ مثل "هذه الخطوة الهائلة" التي يمكن أن تشعل فتيل "حرب شبه شاملة".
غراهام حذَّر ترامب من أنه يرفع سقف الرهانات عالياً، وقال: "هذا تجاوز بالغ لكل الحدود. ماذا عن استهداف شخص أقل رتبة من سليماني؟ فتبعات هذا ستكون أسهل على الجميع؟".
لكن لم يقتنع ترامب، الذي أشار إلى الهجمات التي تخطط لها إيران ضد الجنود الأمريكيين في العراق، وقال إنَّ سليماني هو العقل المدبر وراءها.
ووُصِف هذا الحوار الذي جرى بملعب الغولف في كتاب "الغضب"، وهو المجلد الثاني الذي يصدره وودورد عن رئاسة ترامب. وودورد مراسل استقصائي مخضرم اشتهر بتغطية قضية ووترغيت وسقوط الرئيس ريتشارد نيكسون إثر هذه الفضيحة.
أجرى وودورد 18 لقاءً مع ترامب من أجل الكتاب وتحدث باستفاضة مع غراهام، ومع كثير من الموظفين في البيت الأبيض.
أصبحت الصورة التي تتكون مألوفةً الآن حسب الكتاب: رئيس متقلب المزاج، يسهُل على القادة الاستبداديين التأثير فيه، وهو قادر على الانجراف بشدة من العدوانية النارية إلى التودد لألد خصوم أمريكا.
كوريا الشمالية وترامب: أكثر ما تجلى في هذا التأرجح هي سياسات ترامب إزاء كوريا الشمالية. ويؤرخ الكتاب للفترة بين يوليو/تموز ونوفمبر/تشرين الثاني 2017، حين اختبرت بيونغ يانغ سلسلة من الصواريخ طويلة المدى القادرة على قصف البر الرئيسي للولايات المتحدة، وأجرت كذلك سادس اختبار نووي لها تحت الأرض.
ينام بملابس تجعله جاهزاً لحرب نووية: أما وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس، فإدراكاً منه أنَّ الصاروخ القادم قد يتجه نحو الولايات المتحدة، وسيتعين حينها اتخاذ قرارات يمكن أن تضع البلاد على طريق الحرب النووية في غضون دقائق، اعتاد ماتيس النوم بملابسه الرياضية وركّب ضوءاً وامضاً وجرساً في حمامه في حالة انطلاق الإنذار بهجوم صاروخي بينما يستحمُّ.
وسأل ماتيس، وودورد: "ماذا تفعل إذا كان عليك القيام بذلك؟ سوف تحرق مليوني شخص. على حد علمي، لا يحق لأي شخص قتل مليون شخص. ومع ذلك، هذا ما اضطر إلى مواجهته".
وتفاقمت مخاوف ماتيس بسبب تغريدات ترامب الغاضبة التي هدَّد فيها بالدمار و"النار والغضب" ضد كوريا الشمالية. وقال ماتيس إنَّ التغريدات كانت "عقيمة وطفولية وخطيرة"، وناشد ترامب التوقف.
حبه للحكام الأقوياء: يرِد موضوع تلاعب الحكام الأجانب بترامب مراراً في الكتاب. وعلى الرغم من حقيقة أنَّ التحقيق الذي أجراه المستشار الخاص في روسيا لم يجد دليلاً على التواطؤ بين حملة ترامب والكرملين، أصبح مدير المخابرات الوطنية الأمريكية، دان كوتس، مقتنعاً بأنَّ فلاديمير بوتين "كان له تأثير من نوعٍ ما على ترامب".
اعترف ترامب لوودورد بأريحية بأنه يشعر بالانسجام مع الرجال الأقوياء الأجانب. وقال ترامب لوودورد: "العلاقات التي أمتلكها غريبة. كلما كانوا أقصى وأخبث، زاد الانسجام بيننا… ربما تستطيع تفسير ذلك لي يوماً ما".
تعريض مكانة أمريكا للخطر: وزير الدفاع السابق ماتيس قال: "ببساطة، حين أصبحت أُوجَّه لفعل شيء اعتقدت أنه يتجاوز الغباء إلى درجة الجريمة الغبية، ويُعرِّض مكانتنا في العالم وكل شيء آخر للخطر الشديد، حينها استقلت".
وتنبأ ماتيس بأنَّ سياسات ترامب على الدولة سيستمر تأثيرها على الدوام، وأضاف: "إنَّ هذا الانحطاط للتجربة الأمريكية حقيقي وتأثيره ملموس. الحقيقة لم تعد تحكم تصريحات البيت الأبيض".
بدوره، توصل كوتس، مدير المخابرات السابق، الذي أقيل من منصبه في يوليو/تموز 2019، بينما كان يلعب الغولف في أحد ملاعب ترامب، إلى نتيجة مماثلة.
وأضاف: "بالنسبة له، المعلومات الكاذبة ليست كذباً. هذا ما يعتقده بالضبط. إنه لا يعرف الفرق بين الحقيقة والكذب".