لماذا لن يهدأ محمد بن سلمان أبداً

عدد القراءات
5,653
عربي بوست
تم النشر: 2020/09/09 الساعة 14:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/09/09 الساعة 15:02 بتوقيت غرينتش
Saudi Crown Prince Mohammed bin Salman prepares for a family photo during the G20 leaders summit in Buenos Aires, Argentina November 30, 2018. REUTERS/Kevin Lamarque

جاءت إقالة القائد العسكري، الأمير فهد بن تركي، لتُمثّل الحلقة الأخيرة في سلسلة عمليات التطهير التي يُنفّذها ولي العهد المصاب بجنون الارتياب.

إذ جرت خمس عمليات تطهير كُبرى وعملية إعدامٍ جماعي واحدة على الأقل داخل المملكة العربية السعودية، منذ وصول محمد بن سلمان إلى منصب ولي العهد.

حيث شهدت البلاد القبض على رجال الدين المسلمين، واعتقال أكثر من 300 رجل أعمال وأمير داخل فندق ريتزكارلتون بالرياض، وحملةً ضد الناشطات النسويات ومحاميات حقوق الإنسان، وتوقيف أعضاء بارزين بهيئة البيعة و300 موظف حكومي، وإقالة القائد العام للقوات السعودية المشتركة الأمير فهد بن تركي ونجله الأسبوع الماضي.

وتحوّلت عمليات التطهير إلى ميزة دائمة من مزايا حكم الأمير المصاب بجنون الارتياب.

ولديه بالطبع ما يكفي من الأسباب ليُصاب بالارتياب، لأنّه صنع الكثير من الأعداء بين أقاربه وأبناء عمومته، كما ارتكب الكثير من الأخطاء على العرش، لدرجة أنّ المملكة اليوم باتت أضعف عسكرياً واقتصادياً من أيّ وقتٍ مضى في تاريخها المُعاصر، كما تزعزعت هيبتها الإقليمية أيضاً.

ودخلت صناعة السياسة في حالةٍ من الفوضى، فيوم الجمعة، الرابع من سبتمبر/أيلول، ألقى إمام الحرم المكي عبدالرحمن السديس خطبةً اعتبرها الكثيرون مقدمةً لتطبيع العلاقات مع إسرائيل. وبحلول يوم الأحد، السادس من سبتمبر/أيلول، قال الملك سلمان للرئيس الأمريكي دونالد ترامب إنّه لن يكون هناك تطبيعٌ من دون دولةٍ فلسطينية.

وربما تكون لدى ولي العهد أسبابه للاعتقاد بأنّ الخناجر تُسَنُّ خلف ظهره، ولكن مراسيمه الملكية الصادرة في جُنح الليل تحمل قدراً لا بأس به من الجنون.

أبناءٌ وإخوة

أولى محمد بن سلمان اهتماماً خاصاً لخطوط التنافس على الخلافة، ممن سيكون لهم الحق الشرعي في العرش حال اندلاع انقلابٍ يُطيح به داخل القصر.

وأكثر فرعين يُثيران قلقه في العائلة هما السديريون السبعة، الإخوة الأشقاء لوالده الملك سلمان (أبناء الملك عبدالعزيز وحصة السديري)، وأبناء الملك الراحل عبدالله، الذين يقبع ثلاثةٌ منهم في الاحتجاز الآن.

وكان فهد بن تركي في مرمى نيران محمد بن سلمان على أيّ حال، لأنّ بن تركي هو آخر أبناء السديريين السبعة -ممن لهم نفوذٌ عسكري مهم- الذين طُردوا من الخدمة، ليلحق بشقيق الملك سلمان الأمير أحمد، وابن عمه محمد بن نايف، وكلاهما رهن الاعتقال ضحيةً لعمليات التطهير السابقة.

وإن لم يكُن ذلك كافياً فإنّ زوجة بن تركي عبير هي نجلة الملك الراحل عبدالله، وعبير هي أيضاً والدة الأمير عبدالعزيز بن فهد بن تركي، الذي أُقيل من منصبه نائباً لأمير منطقة الجوف. وعبير ناشطةٌ على الشبكات الاجتماعية كذلك، إذ ترأست "المنظمة العربية للسلامة المرورية"، وأطلقت جائزةً للشراكة المجتمعية تحمل اسمها.

وجرى الإبقاء على بعض السديريين في المناصب، ومنهم: عبدالعزيز بن سعود بن نايف، حفيد الأمير نايف، الذي عُيِّن وزيراً للداخلية. وتُشير بعض التقارير إلى أنّه كان من المحتمل القبض عليه خلال إحدى عمليات التطهير تلك.

واحتفظ بعض أبناء وأحفاد سلطان، شقيق الملك سلمان، بالقليل من نفوذهم، إذ لا يزال فيصل بن خالد بن سلطان وفهد بن سلطان أمراء لمنطقتين، في حين تحتفظ الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان بمنصبها في سفارة واشنطن، وشقيقها خالد بن بندر بن سلطان لا يزال سفيراً في لندن.

ولكن بشكلٍ عام، صارت العشيرة السديرية نسخةً باهتةً مما كانت عليه في السابق، إذ كان فرع العائلة مُهيمناً على المناصب العسكرية والاستخباراتية داخل المملكة في عهد الملك فهد.

وليست عشيرة عبدالله أفضل حالاً، فتركي بن عبدالله هو الضحية الأبرز لاعتقالات الريتزكارلتون، الذي لا يزال رهن الاعتقال بعد مضي ثلاث سنوات، كما تُشير بعض التقارير إلى إعادة اعتقال شقيقيه فيصل ومشعل، لكن تركي بن عبدالله لا يزال محتفظاً ببعض نفوذه، إذ ظهرت مطالباتٌ بالإفراج عنه على الشبكات الاجتماعية.

تداعيات اليمن

ويمتلك محمد بن سلمان أسباباً إضافية ليخشى فهد بن تركي، إذ كان جندياً مخضرماً وقائداً شعبياً للقوات البرية، كما عُرِف بتواضعه، لذا كان من المحتمل أن يعكس امتعاض الجيش من طريقة إدارة وزير الدفاع، ولي العهد، للحملة العسكرية في اليمن.

إذ بدأت حملة الإطاحة بالحوثيين من صنعاء بمجرد تنصيب الملك سلمان على العرش في يناير/كانون الثاني عام 2015، وكان من المفترض بالضربة السريعة أن تُمثّل إشارة بدء سياسيةٍ خارجية أكثر نشاطاً للمملكة.

ولكن بعد مضي 5 سنوات، لا يزال مشروع ولي العهد السعودي الوليد متعثّراً، ويُكلّف البلاد مليار دولارٍ شهرياً، ولا يزال الحوثيون في صنعاء قادرين على إطلاق صواريخ يُمكنها بلوغ الرياض، ومكة، وقطاعات شاسعة من الأراضي السعودية، بينما تم تقسيم جنوب اليمن فعلياً بواسطة قوات تتقاضى الأموال من أبوظبي وتدين لها بالولاء.

وعُرِفَ عن فهد أنّه اصطدم بمحمد بن سلمان بسبب سيطرة الإمارات على جزيرة سقطرى الاستراتيجية، وسقوط عدن في يد قواتٍ مُوالية للإماراتيين. ويتجه محمد بن سلمان وشقيقه خالد نحو مخرجٍ دبلوماسي دون الاعتراف بالهزيمة، لكن وجود الحوثيين في العاصمة ومقاعدهم في الحكومة داخل اليمن هي أمورٌ تُثبت العكس.

وإقالة فهد هي خير دليلٍ على أنّ ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، له نفوذٌ على وزير الدفاع السعودي أكثر من كبار قادة الجيش.

وكان فهد قد بدأ في الحديث إلى القادة المتقاعدين عن استيائه، بحسب ما علمته من مصادر سعودية. ومن الصعب معرفة إلى أيّ مدى وصل الأمر، أو ما إذا كانت شبكة رقابة محمد بن سلمان المكثّفة قد انتبهت لنشاطه.

إشارةٌ خاطئة

عمليات التطهير المستمرة هذه تبعث إلى المنطقة برسالةٍ خاطئة، إذ يتعيّن على ولي العهد أن يُقدّم صورةً أكثر استقراراً عن المملكة تحت سيطرته الكاملة، خاصةً في وقتٍ تتعرّض خلاله السعودية لضغوطات من أصحاب المصالح الكُبرى، مثل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وصهره ومستشاره الخاص جاريد كوشنر، لتطبيع العلاقات مع إسرائيل.

ويرغب محمد بن سلمان في تجنّب إرسال الإشارات الخاطئة عن حالة الضعف والفوضى. ففي حال عمّت الفوضى فإنّ اتفاقية إسرائيل معه بمفرده لن تكون لها قيمةٌ أكبر من قيمة الورقة التي كُتبت عليها (رغم لقائه شخصياً برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عدة مرات)، لأنّها لن تحظى بدعم بقية أفراد العائلة الملكية.

ولا شكّ أنّ نتنياهو يُدرك أنّ سقوط محمد بن سلمان يعني أنّ كافة جهود إسرائيل لاستقطاب المملكة إلى صفها -فيما يتعلّق بالقضية الفلسطينية- ستسقط معه.

وستعود حينها سياسة السعودية في التعامل مع إسرائيل إلى الوضع الراهن السابق لمبادرة السلام العربية عام 2002، التي كانت من إنتاج السعودية، ومثّلت الإنجاز الوحيد للملك عبدالله على مستوى السياسة الخارجية حين كان ولياً للعهد.

وسواء كان فهد يُمثّل تهديداً حقيقياً، أو كان ضحيةً أخرى لنوبات ارتياب ولي العهد المسائية، فلن يُشكّل ذلك فارقاً كبيراً، إذ إنّ الإشارة التي بعث بها القرار تدُل على انعدامٍ دائم للشعور بالأمن على أعلى مستويات العائلة الملكية.

ويتجسّد الانعدام الدائم للشعور بالأمن في شخص محمد بن سلمان نفسه، الذي يعمل ليلاً في التآمر والتخطيط والاشتباه والهجوم، دون تفكيرٍ في العواقب.

وما زالت حملة التطهير التي أُعلِن عنها الأسبوع الماضي جارية، إذ اعتُقِل المزيد من رجال الدين المسلمين، ومن بينهم الشيخ الدكتور عبدالله بصفر، الداعية المعروف بصوته العذب أثناء تلاوة آيات القرآن، ولم يكُن له أيّ توجّهٍ سياسي.

ولن يحظى محمد بن سلمان أبداً بليلةٍ ينام فيها بسلام، وهذه لعنته، أمّا لعنة المملكة فهي أنّها لن تحظى أبداً بالاستقرار تحت حكمه.

– هذا الموضوع مُترجم عن موقع Middle East Eye البريطاني.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ديفيد هيرست
كاتب صحفي بريطاني
ديفيد هيرست، رئيس تحرير موقع Middle East Eye البريطاني، وكبير الكتاب في الجارديان البريطانية سابقاً