جاءت تغطية الإعلام المصري "الرسمي" إزاء إعلان قرار التطبيع بين الإمارات وإسرائيل خافتة بشكل ملحوظ، ورأى البعض أن ردة الفعل الباردة تجاه القرار جاءت بناء على توجيهات أمنية، فبدا خائفاً من أن تسحب الإمارات البساط من تحت أقدامه باتفاقها الأخير في علاقتها بإسرائيل، في وقت دأب فيه النظام المصري على تسويق نفسه وكيلاً لإسرائيل والغرب في المنطقة.
توقف الإسرائيليون أمام هذا كثيراً، حتى إن بعض المحللين الإسرائيليين لاحظوا القلق المصري من أن تفوز أبوظبي بمكانة متقدمة لدى تل أبيب أكثر من التي يحتلها نظام السيسي حالياً، وعبروا عن ذلك في أكثر من مناسبة.
شواهد القلق المصري
شهدت الأيام الأخيرة العديد من الشواهد التي تظهر القلق المصري من اتفاق الإمارات، ومن أهمها شواهد إسرائيلية تمثلت بتشبيه نتنياهو للاتفاق مع الإمارات بأنه لا يقل أهمية عن اتفاق السلام مع مصر.
وكذلك حديث إسحاق ليفانون، السفير الإسرائيلي السابق في مصر، عن خشيتها من فوز أبوظبي بمكانة متقدمة في تل أبيب أكثر منها، ومزاعم المستشرق الإسرائيلي تسفي بارئيل أن السيسي يخشى أن يسرق بن زايد التاج الإسرائيلي منه.
وأن ينقل التطبيع الإماراتي مركز الاهتمام الإقليمي من القاهرة لأبوظبي، فيما أكد معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى أن السيسي قلق من اتفاق الإمارات، خشية إبعاده كمحاور أساسي مع إسرائيل.
ران أدليست، الصحفي الإسرائيلي، اعتبر أن اتفاق الإمارات يضع السيسي في مشكلة، بسبب التزامه بالقضية الفلسطينية، الذي يتطلب حضور مصر الدائم فيها، وهي تحظى بدعم الشعب المصري، لكن اتفاق الإمارات قد يحرمها من هذه الورقة، فيما زعم رئيس الموساد السابق شبتاي شافيت أن اتفاق الإمارات أهم من السلام مع مصر.
تساؤلات هامة
هنا يطرح الواقع تساؤلات هامة، ما هي مخاوف السيسي الحقيقية من اتفاق التطبيع بين بن زايد ونتنياهو، وما خيارات إسرائيل تجاه المفاضلة بينهما إن وجدت، وما المساحات التي قد تهيمن فيها أبوظبي لدى إسرائيل على حساب القاهرة، وهل تملك الإمارات شيئاً لإسرائيل يقرّب بينهما على حساب مصر، وهل يدفع التنافس بينهما إلى أن تقدم مصر تنازلات أكبر لإسرائيل، وما هي؟
لا تعارض بين مصر والإمارات
لا يرى الدكتور عصام عبدالشافي، مدير المعهد المصري للدراسات في إسطنبول، أي تعارض بين مواقف الإمارات ومصر من الاتفاق مع إسرائيل، وقال لـ"عربي بوست" إن السيسي هو عراب الاتفاق، وحاضنه وراعيه، وأي حديث عن تعارض بينهما غير دقيق.
وأضاف: "نحن أمام شبكة تطبيع متكاملة ومنظومة استراتيجية، إماراتية سعودية مصرية إسرائيلية، وواشنطن تشرف عليهم جميعاً، ورغم احتفاء إسرائيل باتفاقها مع الإمارات، بوابتها المقبلة لمنطقة الخليج، فإن هناك ملفات تديرها مصر بكفاءة أكثر من الإمارات، في الساحات الفلسطينية والسودانية والليبية، مع الحفاظ على توزيع للأدوار بينهما، واحدة ترسم السياسات، وأخرى تمول، وتدفع الكلفة المالية".
وأشار إلى أن "النظرة الإسرائيلية لمصر تبقى الأهم، وتملك الثقل الاستراتيجي، رغم ما تقدمه الإمارات من خدمات أمنية ومالٍ وفير، لذلك تنظر إسرائيل للإمارات على أنها صاحبة دور نشط وفاعل، وليس أنها قوة إقليمية".
ويؤكد عبدالشافي أن مصر إذا خشيت من زحف الإمارات على دورها لدى إسرائيل، فقد تقدم تنازلات استراتيجية ثقيلة العيار تتعلق بسيناء لصالح تنفيذ مشاريع إسرائيلية مرتبطة بتمدد قطاع غزة جنوباً، وهو ما تردد في السنوات الأخيرة، لكن الوقت قد يحين في حال تسارع التطبيع العربي الإسرائيلي".
من جهته يؤكد علاء الريماوي، مدير مركز القدس للدراسات الإسرائيلية برام الله أن "الإمارات تسعى باتفاقها مع إسرائيل للاستحواذ على تطورات المنطقة، فهي تسيطر على الساحة اليمنية، وتسعى لمقاسمة مصر النفوذ في ليبيا".
ويرى الريماوي أن الإمارات تراجعت في الساحة الفلسطينية مؤخراً بإخفاقها بتحقيق تهدئة بين حماس وإسرائيل، فيما نجحت فيه قطر، مع أن إسرائيل تفضل التأثير الاقتصادي الإماراتي الذي يفرض حضورها أكثر من مصر.
ويقول: "بما في ذلك الملف الفلسطيني، حيث تتمسك بمحمد دحلان، وتسعى لإعادة موضعته في السلطة الفلسطينية، وربما تشرع قريباً بتنسيق إسرائيلي بضخ أموالها ومساعداتها الاقتصادية في قطاع غزة، لزيادة تأثيرها ونفوذها".
واستطرد الريماوي: "مصر رغم ترحيبها بالاتفاق تخشى تراجع دورها الوظيفي، وتخسر كل الساحات لحساب الإمارات، مع أنها في عهود سابقة تعاملت مع إسرائيل بندية كاملة على عكس علاقتهما اليوم، فهي تقدم لإسرائيل خدمات أمنية ليس أكثر".
واتهم مصر بأنها نفذت المطالب الإسرائيلية ضد حماس في غزة دون مقابل مجزٍ، وأن مصر تتخوف من أن تلعب إسرائيل دوراً معادياً لها في ملف سد النهضة مع إثيوبيا، كما تجلَّى تراجع نفوذها في خاصرتها الجنوبية في السودان لصالح التأثير الإماراتي المتنامي هناك.
ويخشى الريماوي أن تقدم مصر تنازلات خطيرة لإسرائيل من أجل الحفاظ على دورها الإقليمي بإعادة طرح المخططات الإسرائيلية الخاصة بسيناء، وتمددها بقطاع غزة، لحل المشكلة الأمنية الإسرائيلية.
تباين في موقف التأييد
بدا واضحاً أن أي حزب مصري لم يعقب على اتفاق الإمارات، حتى إن البرلمان الذي دأب على تأييد الإمارات ضد قطر وتركيا اختار الصمت، ولم يعلن وزير الخارجية المصري سامح شكري أو وزارته أي موقف من القرار، وهو أمر لافت وليس عفوياً.
وفيما رحب أحمد أبوالغيط، الأمين العام للجامعة العربية، القريب من السيسي، بمُخرجات اجتماع الفصائل الفلسطينية في بيروت، ورفضها أي حلول لا تتفق مع الشرعية الدولية، في إشارة ضمنية لاتفاق الإمارات، فقد اختار شيخ الأزهر أحمد الطيب الصمت عن الاتفاق، وعدم مباركته، رغم مكانته الكبيرة في الإمارات، وتسلمه العديد من جوائزها، واستقباله فيها كالملوك والرؤساء، لكنه لم يؤيد الاتفاق، ربما بإيعاز النظام.
"قَرصَة أُذن"
كاتب مصري قريب من دوائر صنع القرار في القاهرة، ورفض الكشف عن هويته، قال لـ"عربي بوست": "لمسنا هذا الفتور وانعدام الترحيب المصري بالاتفاق الإماراتي مع إسرائيل، واقتصاره على إعلاميين وسياسيين مرتبطين بالمال الإماراتي، خاصة الأخوين عمرو وعماد الدين أديب، ووزير الخارجية السابق عمرو موسى".
وأضاف: "كما اعتبر المصريون ما قامت به سلطات الأمن مؤخراً "قرصة أذن" لأتباع الإمارات باعتقال صلاح دياب، رجل الأعمال المقرب منها، وإعادة فتح ملفات فساده، والمرشح الرئاسي أحمد شفيق، ذي العلاقة الوثيقة بحكام الإمارات".
مشيراً إلى أن هناك توافقاً مصرياً داخلياً غير معلن، من خشية غياب دور مصر في المنطقة، وانفلات قبضتها عن بعض الملفات لصالح الإمارات بعد اتفاقها مع إسرائيل، خصوصاً الملف الفلسطيني.
واختتم: "فقد يغري المال الإماراتي بعض الفصائل الفلسطينية، التي قد تذهب بعيداً بفتح مقرات لها في أبوظبي، وهو ما سيزعج القاهرة من سحب تأثيرها الذي اكتسبته بفضل الجغرافيا السياسية".