في أعقاب توقيع كل من إسرائيل وكوسوفو، الإثنين 1 فبراير/شباط 2021، اتفاقاً رسمياً لإقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين، أصبحت كوسوفو هي أول دولة إسلامية تطلب بشكل رسمي فتح سفارة لها في القدس.
وربما أثار هذا الإعلان التساؤلات حول موقف الإقليم المسلم حول خطوة التطبيع مع حكومة احتلال لأرض مسلمة وهو إقليم مسلم عانى من ويلات التطهير العرقي ومجازر الاحتلال الصربي.
أول سؤال طرح نفسه بعد هذا الإعلان، لماذا كوسوفو؟ على الرغم من الأغلبية المسلمة تصل إلى 90% من مجمل سكان تلك البلاد.. ويتعاطف الكوسوفيون مع القضية الفلسطينية، ويرونها تتشابه مع معاناتهم التاريخية مع صربيا، فهل أتى القرار مفاجئاً أم كانت له مقدماته؟
المغازلة قديمة
لم تكن "مغازلة" كوسوفو لإسرائيل أمراً جديداً، بل قديمة قدم استقلالها عن صربيا عام 2008، حيث أعلن الرئيس، هاشم تاجي، قبيل الاستقلال حبه لإسرائيل وصداقة بلاده لها، الأمر الذي أثار دهشة واستغراباً وقتها.
لم تقف "المغازلة" ـ كما يسميها البعض ـ عند هذا الحد، بل إن الرئيس تاجي، تعهد، بعد عشر سنوات، بفتح سفارة بلاده في القدس، في حال اعتراف إسرائيل رسمياً بدولته.
وحينما، استقبل رئيس الوزراء الكوسوفي، راموش هاراديناي، ستة مستثمرين أمريكيين في العاصمة برشتينا في مكتبه، كانت أعلام الولايات المتحدة وإسرائيل وكوسوفو موضوعة فوقه، وقال: "نحن فخورون جداً بالتنسيق مع الولايات المتحدة والشعب اليهودي، وإسرائيل كدولة، نموذج من الجيد أن يُحتذى به".
في يوليو/تموز 2019، وخلال زيارة إلى إسرائيل، قالت سفيرة كوسوفو لدى الولايات المتحدة، فلورا تسيتاكو، إنها "مغرمة بالدولة الصهيونية"، وإن شعب كوسوفو "ينظر إلى إسرائيل كمثال على كيفية بناء الدولة". لم تُلق تسيتاكو بالاً لكون إسرائيل دولة مبنية على جرائم التطهير العرقي، ونسيت السفيرة أنها كانت يوماً لاجئة بسبب جرائم التطهير العرقي في بلادها.
تساؤلات حول سبب تأييد إسرائيل
في العدوان الصربي على إقليم كوسوفو عام 1999، قتل الآلاف وهجر نحو 90% من شعب كوسوفو، قبل أن يتدخل الناتو ويجبر القوات الصربية على الانسحاب، بل ويقصف العاصمة الصربية بلغراد.
كان دور الولايات المتحدة حينها، برئاسة بيل كلينتون محورياً، حيث حرّكت حاملة الطائرات "يو إس إس ثيودور روزفلت" (CVN – 71)، رابع أكبر حاملة طائرات تعمل بالطاقة النووية في البحرية الأمريكية، وشنت منها الطائرات غارات على صربيا، صديقة روسيا المقربة، في حملة استمرت 78 يوماً.
ويعتبر تدخل الناتو هذا حاسماً لناحية حماية الإثنية الألبانية من عمليات التطهير العرقي، وسبباً رئيساً في الاستقلال الذي أعلن بعد 9 سنوات.
أعلنت كوسوفو استقلالها عن صربيا في عام 2008، وبعد يوم واحد فقط، اعترفت إدارة جورج بوش الابن بدولة كوسوفو.
لهذا، ينظر الكوسوفيون للولايات المتحدة على أنها راعية الاستقلال، وأملاً بكسب ود مزيد من الدول المعترفة بالدولة الكوسوفية، ووفقاً لتقرير القيادة العالمية للولايات المتحدة لعام 2012 فقد أيد 87٪ من سكان كوسوفو القيادة الأمريكية، وهو الأعلى في أوروبا قاطبة.
وبحسب استطلاع رأي صادر عن شركة "غالوب" Gallup Poll عام 2016 ، توجت كوسوفو، في أوروبا والعالم، للسنة الثانية على التوالي، في تأييد القيادة الأمريكية، بموافقة 85% من سكانها.
وفي عام 2018، أشارت استطلاعات "غالوب" إلى أن سكان كوسوفو لا يزالون الأكثر تأييداً للولايات المتحدة في العالم، حيث يدعم 75% منهم الإدارة الأمريكية الحالية.
كما أن الزائر لكوسوفو، سيرى الأعلام الأمريكية مرفوعة في كثير من الأماكن العامة بالبلاد، إضافة إلى نصبين تذكاريين لكل من الرئيس بيل كلينتون، ووزيرة خارجيته مادلين أولبرايت، في العاصمة برشتينا.
وهو ما توج أمس، مع إعلان ترامب تطبيع العلاقات بين كوسوفو وإسرائيل، وفتح سفارة في القدس المحتلة.
ليسجل إنجازاً دولياً جديداً قبيل الانتخابات الرئاسية المقبلة، خصوصاً بعد زيارة كبيرة مستشاريه، جاريد كوشنر، الشرق أوسطية، والتي أظهرت أن التطبيع مع دول عربية جديدة، بعد الإمارات، يحتاج مزيداً من الوقت، لتتجه الأنظار بعدها إلى كوسوفو، ذات الأغلبية المسلمة.
هذا الموقف الرسمي الكوسوفي، لا يعبر عن موقف الشعب، الذي يخرج كثيراً ليعلن تضامنه مع الشعب الفلسطيني، ففي عام 2014 خرجت المظاهرات في مدن كوسوفو تنديداً بالمجازر الإسرائيلية التي ارتكبها في قطاع غزة.
السلطة الفلسطينية ومعارضة استقلال كوسوفو
أوجه التشابه بين القضية الفلسطينية وقضية كوسوفو كثيرة، سواء طموح الاستقلال والتحرر من الاحتلال أو كسب القدر الأكبر من اعتراف دول العالم، لكن، رغم المعاناة المشتركة والطموح المتشابه، إلا أن أفعال السياسيين عكّرت صفو الشعور بالمظلومية المشتركة.
هذا التعكير ناتج بشكل أساسي من مواقف السلطة الفلسطينية تجاه استقلال كوسوفو، وهي القضية "المقدسة" ذات الأولوية القصوى لشعب كوسوفو.
ففي يناير عام 2000، بعد أشهر قليلة من الحملة الوحشية التي شنها الرئيس سلوبودان ميلوسيفيتش ضد مسلمي كوسوفو، دعت السلطة الفلسطينية ميلوسيفيتش إلى المشاركة في احتفالات عيد الميلاد المسيحي الأرثوذكسي في بيت لحم.
وفي عام 2012، كانت صربيا الدولة الوحيدة في البلقان التي صوتت لصالح قبول فلسطين في الأمم المتحدة بصفة مراقب غير عضو، ورداً على هذا الدعم، لم تكتف السلطة الفلسطينية بالتعبير عن امتنانها وشكرها مراراً وتكراراً، بل أعلنت السلطة أيضاً معارضتها لقيام دولة كوسوفو، وهو موقف لم ينسه الكوسوفيون للسلطة الفلسطينية إلى اليوم، برغم حبهم وتأييدهم للقضية الفلسطينية ككل.
بعد ذلك، زار رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، صربيا، في يونيو/حزيران 2015 فأعلن الرئيس الصربي السابق، توميسلاف نيكوليتش، في حضور عباس أن "فلسطين تعارض بشكل حاسم الاعتراف باستقلال كوسوفو".
وفي يوليو/تموز 2019، شكر سفير فلسطين في بلغراد، محمد نبهان، صربيا على دعمها وجدد تأكيده أن فلسطين ستعارض قبول كوسوفو في الإنتربول.
بلا شك، فإن علاقات صربيا مع إسرائيل، أشد متانة من تلك التي تربطها بالفلسطينيين، وهو ما ظهر أمس من خلال الإعلان عن نيتها نقل سفارتها إلى القدس المحتلة في يوليو/تموز القادم.
صربيا واسرائيل صداقة قديمة
تعود العلاقات الإسرائيلية – الصربية إلى عام 1948، حيث كانت صربيا ثاني دولة أوروبية تعترف بإسرائيل، وفي مطلع العقد الأخير من القرن الماضي، أيدت إسرائيل صربيا عند تفكك يوغوسلافيا السابقة، بل إن تقارير عدة تشير إلى أن "الموساد" خرق حظر بيع الأسلحة الذي كان مفروضاً على صربيا حينها حفظاً لموقفها القديم من الاعتراف بسلطة الاحتلال.
عندما اندلعت الحرب في كوسوفو ، كانت إسرائيل مترددة في اتخاذ موقف علني ضد صربيا ولم يُدن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، الجرائم التي ارتكبتها القوات الصربية إلا بعد انتقادات لصمته عن ذلك.
في المقابل، ندد وزير خارجيته حينها، أرييل شارون، بتدخل الناتو في كوسوفو عام 1999، وعبّر عن معارضته لتقرير المصير الألباني مستخدماً الخطاب المعادي للإسلام، محذراً "العالم الحر" من مخاطر قيام "كتلة كبيرة من الدول الإسلامية" بتشكيل "ألبانيا الكبرى".
وعند وفاة شارون عام 2014، قال وزير الدفاع الصربي، ألكسندر فولين، إن الشعب الصربي سيتذكر شارون لمعارضته حملة قصف الناتو عام 1999 ضد يوغوسلافيا السابقة ودعوته إلى احترام سيادة الدول الأخرى وسياسة عدم التدخل في شؤونها الداخلية.
وبعد عام من استقلال كوسوفو، أكد السفير الإسرائيلي في صربيا، أرثر كول، أن إسرائيل لن تعترف بكوسوفو، وطلب من الشعب الصربي والحكومة تقدير الموقف الإسرائيلي واعتباره علامة على الصداقة بين الطرفين.
عقب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2014، زار الرئيس الصربي الحالي، ألكسندر فوتشيتش، وأعلن أن صربيا فخورة جداً بصداقتها مع إسرائيل.