تزداد حدة التوتر الإقليمي في شرق البحر المتوسط بين تركيا واليونان وقبرص اليونانية ومصر، حول ملفات ترسيم الحدود والثروات النفطية، وبرغم أن الحكومة الإسرائيلية ليست طرفاً مباشراً فيه، إلا أنها تعتبره شأناً مهماً بالنسبة لها، وفي سبيل ذلك لا تتوقف عن تحريض خصوم تركيا على مواجهة ما تصفه بـ"التحدي التركي" لا يتوقف.
منشغلة بإيران ولا تنسى تركيا
آخر الدعوات صدرت عن الجنرال عيران ليرمان، المساعد السابق لرئيس قسم السياسات الدولية بمجلس الأمن القومي الإسرائيلي، الذي اعتبر أن "أردوغان في ترسيمه للحدود البحرية والمناطق الاقتصادية شرق البحر المتوسط، يهدد المصالح الإسرائيلية"، مؤكداً أن "إسرائيل منشغلة بالتهديد الإيراني والجبهة الشمالية، لذا فهي تفضل ألا تكون شريكاً عسكرياً نشطاً في المواجهة العسكرية المحتملة بجانب اليونان أو مصر ضد تركيا، لكنها ستساعدهما بتعزيز التعاون الاستخباراتي والمشتريات الأمنية والتنسيق السياسي في واشنطن، مما سيحد من جرأة أردوغان وتطلعاته الإقليمية" على حد وصفه.
مساعٍ لاستهداف مصالح تركيا
محمود الرنتيسي، الباحث في العلاقات الدولية بمركز "سيتا" التركي للأبحاث والدراسات، قال لـ"عربي بوست": "تركيا تدرك أن الجهود والتحالفات الدولية الجارية في شرق المتوسط تستهدف استبعادها من الترتيبات الجارية بدءاً من منتدى غاز شرق المتوسط، وصولاً لتحديد المناطق الاقتصادية الخالصة بين اليونان ومصر".
وأضاف: "كما أن إسرائيل طرف مهم بهذه الترتيبات، وفي ليبيا تعتقد أنقرة أن إسرائيل حاضرة بدعم حفتر عبر الإمارات، وأن تركيا ترجح التعامل العقلاني مع إسرائيل برفض سياساتها مثل خطة الضم والتطبيع الإماراتي وميدانياً تعمل تركيا على فرض القوة العسكرية البحرية شرق المتوسط، لانتزاع مكاسب تفاوضية لاحقاً"، مؤكداً أن "هناك مواجهة غير مباشرة بين تركيا وإسرائيل، على المشاريع الإقليمية وتعارضهما واضح، وأننا أمام مقدمات لتشكيل محور قد تنضم إليه دول أخرى بجانب تركيا".
ويعتقد الإسرائيليون أنهم يواجهون جملة من التحديات على المستوى الإقليمي، وتحديداً في سوريا ولبنان وليبيا والعراق واليمن، وما تبقى من الساحات تنشط فيها تركيا بصورة فاعلة.
فهم يرونها تلقي بظلال طموحاتها الاستراتيجية على مستقبل شرق المتوسط، خاصة عقب اتفاقها مع حكومة الوفاق في 2019، وخريطة تقسيم المياه الاقتصادية في شرق المتوسط.
مخاوف من التنامي التركي
مكمن المخاوف الإسرائيلية من نفوذ تركيا المتنامي أنه يمنحها حدوداً بحرية مشتركة مع المياه الاقتصادية لليبيا، وبهذه الحالة لن يكون لمصر حدود مشتركة مع اليونان؛ ولذلك فإن القراءة الإسرائيلية تتهم أردوغان بالسعي لإعادة فتح مسار الحدود في بحر إيجة مع اليونان.
من جهته، يرى الباحث بمركز القدس للدراسات الإسرائيلية، عماد أبوعواد، أن "العلاقات التركية الإسرائيلية تتراجع منذ 2002 حين وصل حزب العدالة والتنمية للسلطة".
وقال لـ"عربي بوست": "لكن 2010 شهد تدهوراً متسارعاً عقب مجزرة سفينة مرمرة على شواطئ غزة، إسرائيل تتملكها قناعة بأن تركيا أردوغان اختلفت فكرياً عما سبق، لكن الأهم أنها تراها منافساً قوياً في المنطقة، مما ينشئ صراعاً وتحدياً كبيراً بينهما".
ويعتقد أبوعواد أن "التورط الإسرائيلي واضح لمزاحمة تركيا بملفات المنطقة، تطبيقاً لدعوة أفيغدور ليبرمان وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق ببناء حلف استراتيجي يضم اليونان وقبرص اليونانية ومالطا وبلغاريا ضد تركيا".
وأضاف: "السلوك الإسرائيلي ضد تركيا اتسم بالتشويه المستمر لمواقفها، والزيارات المكوكية من وإلى اليونان، وإقامة علاقات استراتيجية مع مصر، كما أن إسرائيل تدفع لإثارة مواجهة عسكرية في شرق المتوسط، على أن تكون النيران بعيدة عنها، بهدف الحد من تنامي تركيا، وتقليم أظافرها".
ترى إسرائيل أن "معركتها" ضد التطلعات التركية في شرق المتوسط، تواجهها جملة عوامل إقليمية وقوية لها تأثير على ميزان القوى، فمصر تتعرض لضغوط مزدوجة، من إثيوبيا في الجنوب بشأن قضية السد، وغرباً في ليبيا من تصفهم بـ"الإسلاميين"، وباتت هاتان مسألتين ذواتي أهمية وجودية لنظام السيسي، مما يرجح احتمال وقوع صدام بين مصر وتركيا.
مصر واليونان
وفي الوقت ذاته، فإن اليونان تدعم بشكل كامل التحركات المصرية في ليبيا، رغم تشككها في أن مصر ستكون قادرة على التدخل في مواجهة عسكرية بجانبها ضد تركيا.
عند الحديث عما يمكن أن تفعله إسرائيل في حال تصاعدت حدة الصراعات في شرق البحر المتوسط لمرحلة المواجهة العسكرية، فإنها لن تستطيع الدخول في صدام عسكري مباشر ضد تركيا، سواء مع اليونان وقبرص، أو مع مصر في ليبيا، رغم بقاء إمدادها الاستخباري والمعلوماتي لهذه الدول الثلاث ضد تركيا.
سعيد الحاج، خبير العلاقات التركية، قال لـ"عربي بوست": "تركيا تدرك أن تناقضها مع إسرائيل قائم على عدة محاور، أولها السياسة الخارجية، فالأخيرة تتهم أردوغان بدعم الإسلاميين، وإقامة علاقات قوية بالسلطة الفلسطينية وحماس، وثانيها تناقض مصالحهما في شرق المتوسط، وتزعم إسرائيل أن ترسيم الحدود البحرية والمناطق الاقتصادية بين تركيا وليبيا يهدد مشروعها لتصدير الغاز إلى أوروبا، وثالثها الموقف التركي المتقدم بمعارضة صفقة القرن، ورفض نقل السفارة الأمريكية للقدس، ومهاجمة تطبيع الإمارات وإسرائيل، باعتباره مشروعاً إقليمياً يستهدفها".
وأضاف الحاج أن "تركيا تسعى في الآونة الأخيرة إلى "عسكرة" سياستها، والتلويح باستخدام القوة الخشنة، وزيادة مقدراتها العسكرية، أمام عدة أطراف، ومنها إسرائيل، دون تفعيلها، لكنها تسعى لتخفيف تدخلاتها لدى الدول المختلفة معها".
في الوقت ذاته، يزعم تقدير موقف إسرائيلي نشره معهد القدس للاستراتيجية والأمن، أن لدى إسرائيل أسباباً متنوعة للنظر بقلق لزيادة النفوذ التركي في المنطقة، فسياسات أردوغان ضدها.
وأن تصريحات أردوغان العدائية تجعل من مواقف فرنسا واليونان ومصر تجاه تركيا خدمة لمصلحة إسرائيل، وقد ركزت زيارات رئيس وزراء اليونان كيرياكوس ميتسوتاكيس، لإسرائيل مؤخراً، على بحث النفوذ التركي في المياه الإقليمية لليونان وقبرص.
الغاز الإسرائيلي في خطر!
فيزيت رابينا، المستشرقة الإسرائيلية، زعمت في مقالها بصحيفة "مكور ريشون" أن تمركز الأتراك في البحر المتوسط يجعل مستقبل الغاز الإسرائيلي في خطر، لأن أنقرة لديها طموحات توسعية في المنطقة، ما يدفع إسرائيل للمزيد من القلق.
وذلك باعتبار أن تركيا تتحرك اليوم وفق عقيدة "الوطن الأزرق" الساعية لترسيخ سيطرتها على مناطق البحر المتوسط من النواحي العسكرية والاقتصادية والحيوية، وتزويدها بما يجعلها قوة بحرية إقليمية.
ويعتقد الإسرائيليون أن تعميق التعاون الاستخباراتي الإسرائيلي مع اليونان ومصر عنصر أساسي في مواجهة التحدي الذي تفرضه تركيا، فضلاً عن الأنشطة العسكرية المشتركة.
والتركيز أيضاً على تمارين القوات الجوية والبحرية، وبالاشتراك مع القوات الأمريكية، والتركيز على تعزيز العلاقات، والحفاظ على توازن القوى الإقليمي، وتعزيز البحرية الإسرائيلية في مواجهة التسلح البحري التركي.