عندما تتصفح الإنترنت مستخدماً شبكة الواي فاي، وعندما تضل طريقك فتستخدم الـ GPS لتحديد الموقع الذي ترغب بالتوجه إليه، فلتذكر نجمة هوليوود الفاتنة هيدي لامار، فبسبب إسهاماتها العلمية والأنظمة التي طورتها أصبحت تلك الاختراعات ممكنة التطبيق.
أثبتت هيدي لامار أن الجمال والذكاء المشتعل ليسا ضدين متضاربين كما كان يروج لهما في ذلك الوقت، واستطاعت كسر القوالب النمطية المحيطة بالمرأة الجميلة، وبالرغم من تأخر الاعتراف بإنجازاتها العلمية، إلا أن بصماتها لا تزال واضحة إلى اليوم في عالم الالكترونيات كما في عالم السينما.. فلنتعرف أكثر على هذه السيدة الاستثنائية:
هيدي لامار.. أكثر من مجرد فاتنة في هوليوود
هيدي لامار هو الاسم الفني للفنانة النمساوية الفاتنة هيدويغ إيفا ماريا كيسلر والتي ولدت في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 1914، وأبدت منذ صغرها اهتماماً بالعلوم والهندسة والفنون المسرحية على حد سواء.
نشأت هيدي لامار في عائلة ثرية من الطبقة الوسطى في فيينا حيث تعلمت البيانو الكلاسيكي وعشقت الرقص والأوبرا والكيمياء، وفقاً لما ورد في موقع How Stuff Works الأمريكي.
كانت إحدى هواياتها المفضلة تفكيك الأجهزة وإعادة تركيبها، فقد كانت تفكك صناديق الموسيقى والآلات الكهربائية لترى كيفية عملها.
عندما بلغت لامار سن المراهقة بدأت تلفت الأنظار بجمالها وجاذبيتها، وفكرت بالتوجه نحو التمثيل كونه أكثر متعة من الدراسة، فقامت بتزوير رسالة من والدتها تسمح لها بالغياب 10 ساعات عن الفصول الدراسية وذهبت إلى اختبار الأداء الأول لها.
وفي السابعة عشرة من عمرها، حصلت هيدي على أول دور سينمائي لها في فيلم ألماني بعنوان "Geld auf der Strase". وواصلت التمثيل في الإنتاجات الأوروبية وفي عام 1932 حصلت على دور مثير للجدل في الفيلم الفاضح بالنسبة لذلك الوقت Exstase.
لامار تتمرد ثانية
تزوجت هيدي من تاجر ذخيرة نمساوي يدعى فريتز ماندل، وذلك في عام 1933، لكن الزواج لم يدم طويلاً. وقالت لاحقاً عن الزيجة: "عرفت في وقت مبكر جداً أنني لن أكون أبداً ممثلة في نفس الوقت الذي أكون فيه زوجة ماندل… لقد كان متحكماً بشكل مطلق… وكنت مثل الدمية. كنت مجرد شيء، مثل بعض المقتنيات الفنية التي يجب حراستها -وسجنها- والتي لا تملك عقلاً، ولا حياة خاصة بها".
أثناء زواجهما، غالباً ما شوهد ماندل يتأبط ذراع هيدي خلال مرافقته للأصدقاء والشركاء التجاريين، والذين يُزعم أن العديد منهم كانوا على صلة بالحزب النازي.
بحلول عام 1937، كانت هيدي قد ضجرت من أوضاعها وهربت من زواجها وحياتها السابقة وجميع العلاقات مع النمسا. واتجهت إلى لندن، وسرعان ما وقعت عقداً مع استوديو Metro-Goldwyn-Mayer الهوليوودي تحت اسم هيدي لامار.
وكان فيلمها الأمريكي الأول هو "Algiers"، والذي دفع بمسيرتها المهنية نحو ذروة نشاطها، وسرعان ما أصبحت هيدي اسماً مألوفاً.
مساهمات هيدي لامار العلمية جعلت اختراع الواي فاي ممكناً
في السنوات الأولى من شهرتها الجديدة، واعدت هيدي بعض أشهر رجال هوليوود، سواء من أصحاب السمعة الجيدة أو السيئة، بما في ذلك هوارد هيوز.
وبحسب ما ورد، فقد اصطحب الطيار ورجل الأعمال هيدي للقيام بجولة في مصانع الطائرات، وطلب من هيدي المساهمة في وضع تصميم ونظرية للطيران.
ولكن بحلول عام 1942 توصلت العقلية الإبداعية لهيدي إلى اختراع غير مسبوق. فبالتعاون مع الملحن جورج أنثيل، ابتكرت هيدي جهازاً إلكترونياً يقلل من تشويش إشارات الراديو.
خلال الحرب العالمية الثانية، كانت والدة هيدي محاصرة في فيينا، ولأنها كانت يهودية، فقد كانت في خطر كبير.
هيدي وقتها كانت تعيش بالفعل في هوليوود وكانت تحاول مساعدة والدتها على الهروب إلى أمريكا.
لقد وصلت والدتها إلى لندن ولكن لم يكن عبور المحيط الأطلسي آمناً، لأن كل سفينة أمريكية كانت تُفجر على يد النازيين.
وقد كانت هيدي خائفة من أن تموت والدتها خلال قصف لندن، وهكذا عملت كل ليلة على ابتكار طوربيد متقدم للغاية قابل للتحكم به عن بعد، ويمكنه تعقب وتفجير كل غواصة نازية في المحيط الأطلسي، وبالتالي تأمين ممر آمن إلى الولايات المتحدة.
وللتأكد من عدم تمكن النازيين من اختراق الإشارة اللاسلكية لطوربيدها (وبذلك يمكنهم إعادة إرساله مرة أخرى لتفجير سفينة الحلفاء التي أطلقته)، فقد صممت "نظام اتصال سري" لا يمكن اختراقه.
استخدم "نظام الاتصالات السرية" ترددات الراديو المتغيرة لمنع الأعداء من فك تشفير الرسائل.
واُستخدمت ترددات راديو متعددة لبث إشارة راديو، والتي تتغير فيها الترددات على فترات زمنية تقدر بأجزاء من الثانية بطريقة عشوائية على ما يبدو.
وبالنسبة لأي شخص يحاول الاستماع إلى هذه الإشارات، سيبدو الأمر مثل الضوضاء.
(نالت هيدي براءة الاختراع تحت اسم هيدي كيسلر ماركي حيث إن ماركي هي الكنية التي تكنت بها بعد زواجها).
وعلى الرغم من أن هذه التكنولوجيا المبتكرة لم تُستخدم أبداً في زمن الحرب، فإنها لعبت دوراً مهماً في طرق الاتصال على مدار العقود.
لقد منحت هيدي براءة الاختراع لهذا الابتكار إلى البحرية الأمريكية، وقد استخدم لأول مرة خلال أزمة الصواريخ الكوبية.
ويعتقد الكثيرون أن اختراع هيدي جعل تقنيات مثل واي-فاي ونظام تحديد المواقع (GPS) والبلوتوث، بالإضافة إلى أجهزة مثل الهواتف المحمولة، ممكنة التطبيق.
لم يصدق أحد أن فاتنة مثل هيدي ابتكرت هذا الاختراع
اختارت البحرية الأمريكية عدم تنفيذ نظام هيدي، ورغم تنفيذه في نهاية المطاف بعد ما يقرب من عقدين من الزمان، فقد كانت صلاحية براءة اختراعها قد انتهت، مما يعني أن هيدي لم تحصل ولو على بنس واحد مقابل اختراعها.
على الرغم من أن العديد من المخترعين والعلماء قد سمعوا الشائعات القائلة بأن إحدى أكثر نجوم هوليوود بريقاً قد اخترعت نظام اتصال سري، إلا أن معظمهم اعتقد أن الأمر مجرد أسطورة.
لم تخبر هيدي قصتها للجمهور من قبل، ومعظم الناس الذين سمعوا القصة رفضوها باعتبارها غريبة جداً لدرجة يصعب تصديقها.
روبرت برايس، كبير مؤرخي الاتصالات السرية، كان العالم الوحيد الذي سأل هيدي مباشرة عما إذا كانت قد توصلت إلى الاختراع، ولكن عندما أخبرته أنها فعلت ذلك، اعتقد أنها كذبة ولم يسجل إجابتها في تأريخه للاختراعات.
وبدلاً من ذلك، أخبر الجميع أنها جاسوسة سرقت الاختراع من النازيين.
بينما لم تتمكن من نيل الإشادة أو التقدير والاعتراف بقدرتها التقنية، استمرت هيدي في تحقيق النجاح في هوليوود.
لكن حياتها المهنية بدأت في التدهور في فترة الخمسينيات، وبعد ذلك شهدت عدة صراعات في حياتها الشخصية، وذلك من خلال ست زيجات واعتقالين ومجموعة من قضايا تعاطي المخدرات.
بعد فترة طويلة من تقاعدها وتراجعها عن الأضواء، تلقت هيدي لامار أخيراً الاعتراف بإنجازاتها خارج الشاشة.
ففي عام 1997، منحت مؤسسة Electronic Frontier Foundation بشكل مشترك كلاً من هيدي وأنثيل جائزة الريادة "Pioneer Award"، وأصبحت هيدي أيضاً أول امرأة تحصل على جائزة Bulbie Gnass Spirit of Achievement من حدث Invention Convention.
وبالنسبة لاختراعها، أدخلت هيدي لامار بعد وفاتها إلى قاعة مشاهير المخترعين الوطنية في عام 2014.
على الرغم من وفاة لامار في عام 2000، فإن إرثها استمر من خلال السينما والاعتراف المتأخر بإسهاماتها التكنولوجية.
فقد كانت أكثر بكثير من مجرد نجمة في الشاشة الفضية التي لفتت الأنظار وجذبت إليها الجماهير.