هل تقلل المساعدات المالية للدول الفقيرة حجم الهجرة للدول المتقدمة؟ تبدو نعم هي الإجابة المنطقية لهذا السؤال، ولكن دراسات عدة قدمت إجابة صادمة بالنسبة للأوروبيين.
فحين ارتفع عدد المهاجرين غير النظاميين المتدفقين إلى أوروبا في 2015، سارع واضعو السياسات بالدول الأوروبية لإيقاف حركة التدفق. وكانت من بين الأفكار الأكثر إنسانية التي تشبثوا بها فكرة قديمة: وهي إبطاء حركة الهجرة باستهداف "جذورها". فالنمو وزيادة الفرص في وطن الساعين إلى الهجرة، وفقاً لهذا التفكير، سيثبط حماس الناس للهجرة. لذا أسس الاتحاد الأوروبي صندوقاً ائتمانياً بمليارات الدولارات لإفريقيا.
وبالفعل فإن الهجرة غير النظامية إلى أوروبا، مع أنها لا تزال مشكلة ضخمة، انخفضت مستوياتها انخفاضاً كبيراً عن أعلى مستوياتها قبل خمسة أعوام.
لكن زيادة المساعدات لإفريقيا لم يكن لها علاقة كبيرة على الأرجح بذلك الانخفاض، حسبما ورد في تقرير لمجلة The Economist البريطانية.
إذ تشير دراسات جديدة إلى أنه لا المساعدات ولا التنمية الاقتصادي في الدول الفقيرة تقلل حركة الهجرة.
هل تقلل المساعدات المالية للدول الفقيرة حجم الهجرة للدول المتقدمة؟ الإجابة لدى إيطاليا
تبدأ من دراسة بول كليست من جامعة إيست أنغليا وغابرييل ريستيلي من جامعة مانشستر، اللذين تناولا العلاقة بين عدد المهاجرين الذين يحاولون العبور إلى إيطاليا بصورة غير رسمية بين 2003 و2016، وكمية المساعدات التي تقدمها إيطاليا لدول هؤلاء المهاجرين. واستعمل الباحثان الانحدار الإحصائي في فصل تأثير العوامل الأخرى، مثل النزاعات.
وجد الباحثان أن المساعدات تفعل القليل جداً من ناحية إيقاف الهجرة غير النظامية، وأحياناً تؤدي إلى العكس. على سبيل المثال، وبتثبيت الدعم من المصادر الأخرى، يمكن لإيطاليا أن تتوقع استقبال طالب لجوء جديد لكل 162 ألف دولار تنفقها من المساعدات الثنائية. أما إيقاف مهاجر واحد عن مغادرة بلد مثل العراق يكلف 1.8 مليون دولار من المساعدات. أما إيقاف الهجرة النظامية عبر القنوات الرسمية فتكلفته أعلى، تتراوح بين 4 ملايين و7 ملايين دولار للشخص الواحد.
ولكن لماذا لا تبطئ المساعدات الهجرة؟
وفكرة أن زيادة ثروات الناس في الدول الفقيرة تقلل حركة الهجرة غير متماسكة أيضاً، وفقاً لمايكل كليمنز من مركز التنمية العالمية البحثي، وماريابيا مندولا من جامعة ميلان بيكوتشا. وجد الباحثان أن من يتجهزون للهجرة إلى الدول الغنية يكسبون في المتوسط 73% أكثر من هؤلاء الذين لا يفكرون في الهجرة. فالفقراء لا يقدرون على تذاكر الطيران أو رسوم المهربين. إن الهجرة مثل الذهاب إلى الجامعة: استثمار تقدر عليه العائلات الأغنى والأفضل تعليماً.
بل إن معدلات الهجرة تتناسب طردياً مع التنمية. في دراسة أخرى وجد كليمنز أن الدول الفقيرة حين تصير أغنى ترتفع معدلات الهجرة منها. وهذا التدرج يستمر حتى يصل الدخل السنوي للفرد إلى 10 آلاف دولار (حيث تبدأ الهجرة في التراجع). ودخل الفرد في إفريقيا جنوب الصحراء ثلث هذا الرقم.
ولكنها تقلل احتمالات النزاعات
لا يعني كل هذا أن المساعدات للدول الفقيرة ينبغي قطعها. فالمساعدات الأجنبية حين تُستعمل على النحو الصحيح تحسن الرعاية الصحية والتعليم وتقلل معدلات الفقر. وهذه أهداف مجزية بحد ذاتها. ويمكن أن تجعل المساعدات البلدان أكثر استقراراً وتقلل خطر النزاعات والكوارث، وهذا يقلل من احتمالية الارتفاع المفاجئ في معدلات الهجرة في المستقبل. لكن الإنفاق على المساعدات لإيقاف حركة الهجرة يشبه شراء سيارة من أجل حامل الأكواب الملحق بها، وفقاً لكليست.
بدلاً من صنع برامج لردع المهاجرين، يمكن أن تنفق وكالات المساعدات على مخططات لتوجيه هؤلاء إلى المسارات الشرعية الأكثر أمناً والتي تمنح البلد المضيف سيطرة على من يهاجر.
يقول الاتحاد الأوروبي إن هذه ركيزة من الركائز الأربعة لمنهجها، ومن أوجه تركيز الصندوق الائتماني. لكن مراجعة أجرتها منظمة Oxfam غير الحكومية تظهر أن 1.5% فقط من الصندوق مخصصة لدعم مخططات الهجرة النظامية.
المفارقة هي أن أوروبا بحاجة للمهاجرين. من المتوقع أن يتراجع عدد السكان في سن العمل بنسبة 30% بحلول عام 2100. ويمكن أن يساعد المهاجرون الأفارقة في حل هذه المشكلة. وعلى كل حال، ستعاني أوروبا من أجل إيقاف تدفق المهاجرين.