تواجه حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عدواً مُحتَمَلاً جديداً، وهو الهند، الحليفة الوثيقة لإسرائيل، والتي تشير صراحةً إلى أنها قد تنضم إلى المحور الآخذ في التنامي المناهض لتركيا بقيادة المملكة السعودية ومصر والإمارات واليونان، كما يقول موقع Al-Monitor الأمريكي.
وتُوجَّه هذه الحِدَّة من خلال سلسلةٍ من "المقالات البذيئة" في وسائل الإعلام الهندية، التي تصوِّر تركيا باعتبارها "متطفِّلاً خبيثاً" يسعى إلى تجنيد وتجذير التطرُّف لدى المسلمين في الهند، الذين يُقدَّر عددهم بـ182 مليون نسمة، في تعاونٍ وثيقٍ مع باكستان.
"تركيا أصبحت مركزاً للأنشطة المعادية للهند"
وظهرت أبرز هذه المقالات في 7 أغسطس/آب الجاري بصحيفة Hindustan Times، الصحيفة الصادرة باللغة الإنجليزية الأوسع انتشاراً في الهند. واستشهد شيشير غوبتا، كاتب العمود البارز بالصحيفة الهندية والذي يتمتَّع بصلاتٍ وثيقةٍ بالمؤسسة الحاكمة، بتقريرٍ استخباراتي هندي ادَّعى أن تركيا ظهرت باعتبارها "مركزاً للأنشطة المعادية للهند" في المرتبة الثانية بعد باكستان. وقال إن جماعاتٍ وأفراداً أتراكاً، "بعضهم ذو صلةٍ مباشرة بأردوغان وعائلته"، قد عجَّلوا من "المنح الدراسية المُربِحة" للمسلمين الهنود من أجل الدراسة في تركيا، وبمجرد أن وصلوا "سيطر عليهم وكلاءٌ باكستانيون" يعملون هناك. ويرى غوبتا أن "أردوغان، الذي يبني على الماضي الإمبراطوري العثماني لتركيا، يطمح أن يصبح خليفة اليوم، وحامي حمى المسلمين في العالم أجمع، وأن يتحدَّى زعامة المملكة السعودية على الأمة الإسلامية"، حسب وصفه.
مسلمو الهند والخلافة العثمانية
يقول الموقع الأمريكي إن القمع العنيف للمسلمين في ظلِّ حكومة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي القومية الهندوسية المتطرفة، يعزِّز جاذبية أردوغان كزعيمٍ نادرٍ يتحدَّث باسم المسلمين ويقاوم الغرب، لدى مسلمي الهند.
هذا أيضاً له صدى تاريخي. ففي أعقاب هزيمة العثمانيين على يد الحلفاء في الحرب العالمية الأولى، أطلق مسلمو الهند "حركة الخلافة"، وهي محاولةٌ لإنقاذ السلطان العثماني، الذي كان يظهر في دور الزعيم الروحي للأمة الإسلامية. وحين أطاح مصطفى كمال أتاتورك بالسلطان ومن ثم ألغى الخلافة عام 1924، توتَّرَت المشاعر.
يقول حسين حقَّاني، السفير الباكستاني السابق لدى الولايات المتحدة والباحث الحالي بمعهد هدسون: "لقد أُعجِبَ مسلمو جنوب آسيا بالإمبراطورية العثمانية باعتبارها آخر إمبراطورية إسلامية متبقية، وعكست حركة الخلافة استياءهم من النهاية التي وصلت لها الخلافة". وأضاف حقَّاني في تعليقاتٍ عبر البريد الإلكتروني لموقع Al-Monitor الأمريكي: "باعتبارها دولةً جديدة، عكست باكستان هذا التقليد المتمثِّل في استعادة الخلافة الإسلامية. وتلعب (العثمانية الجديدة) بشكلٍ جيِّدٍ على المشاعر القومية الإسلامية الباكستانية".
الدبلوماسية التركية تزعج الحكومة الهندوسية
لكن السبب الرئيسي لغضب الهند المتزايد هو دعم أردوغان الدبلوماسي لباكستان في قضية كشمير ذات الأغلبية المسلمة والتي تسيطر عليها الهند.
فقد أطلق أردوغان أولى الطلقات في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول 2019، منتقداً الهند على إلغاء الوضع شبه المستقل لكشمير في الشهر السابق على ذلك وسلب المسلمين حقوقهم هناك. وأجرى مودي الغاضب محادثاتٍ مع زعماء اليونان وأرمينيا وقبرص في الأمم المتحدة، ومن ثم ألغى الزيارة الرسمية إلى تركيا التي كانت مُقرَّرة في أكتوبر/تشرين الأول وأن تمتد ليومين. وفي خروجٍ نادرٍ عن موقفها الحيادي إزاء سوريا، ندَّدَت الهند بعملية "نبع السلام" التركية ضد الميليشيات الكردية في سوريا، التي بدأت في 9 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وتدعي الهند على أن وضع كشمير هو شأنٌ خاصٌّ بها، وتلقي باللائمة على باكستان في النزاح المسلح الذي امتدَّ لعقودٍ ضد حكمها هناك، قائلةً إن الدعم التركي ليس سوى وسيلةٍ لـ"تبرير حملة الإرهاب" الباكستانية. وتقول باكستان إن مستقبل كشمير، حيث يشكِّل المسلمون أكثر من 60% من السُكَّان، يجب أن يُحدَّد من خلال استفتاءٍ عام. وتعهَّد رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان بإحالة الأمر إلى المحكمة الجنائية الدولية.
وانخرطت القوتان النوويتان في 4 حروب ضد بعضهما، كانت ثلاثة منها بسبب كشمير، منذ أن نالت باكستان استقلالها عن الهند في 1947. والحرب الرابعة كانت على بنغلاديش.
التحدي المتبادل بين الهند وتركيا
واعتادت تركيا دعم باكستان بشأن قضية كشمير على الساحة الدبلوماسية. في المقابل، دعمت باكستان تركيا في قبرص عام 1974. وفي فبراير/شباط، الماضي أثار أردوغان المزيد من الغضب الهندي، إذ أخبر البرلمان الباكستاني قائلاً: "إن قضية كشمير اليوم قريبة مِنَّا كما هي قريبة من باكستان. سوف تستمر تركيا في إعلاء صوتها ضد الاضطهاد". وشبَّه صراع مسلمي كشمير بنضال الأتراك ضد البريطانيين في جزيرة غاليبولي التركية. ووَصَفَ وزير خارجية الهند، رافيش كومار، تصريحات أردوغان بـ"غير المقبولة"، إذ إنها "لا تعكس فهماً للتاريخ، ولا سلوكاً دبلوماسياً"، بحدِّ قوله.
وهدَّدَت الهند بإلغاء مشروعٍ بقيمة 2.3 مليار دولار لتركيا للمشاركة في تصنيع سفن البحرية الهندية، تماماً كما وقَّعَت صفقةً بقيمة 40 مليون دولار لإمداد أرمينيا، العدو التاريخي للأتراك، برادارات. يقول الموقع الأمريكي إن عدم إلغاء الهند مشروع بناء السفن في النهاية يشير إلى أن الهند ربما تعتمد على تعميق الاعتمادية الاقتصادية المُتبادَلة في محاولةٍ لـ"منع تركيا من التحرُّك بشكلٍ كاملٍ إلى المعسكر الباكستاني".
وقال مشرف زيدي، رئيس مؤسسة Tabadlab الاستشارية في العاصمة الباكستانية إسلام آباد: "ظنَّت الهند إن قوتها الاقتصادية وحجمها سوف يحصِّنانها من أيِّ نوعٍ من المساءلة". وأخبر موقع Al-Monitor قائلاً: "تمثِّل تركيا إبطالاً قوياً لهذا التحصين. لقد فاجأت الهند بأفعالها".
ويميل الميزان التجاري بين الهند وتركيا إلى حدٍّ كبيرٍ لصالح الهند. كان من المُفتَرَض أن تساعد صفقة السفن في ضبط هذا الميزان. ومن الجدير بالدلالة أن أردوغان لم يعلِّق علناً في الذكرى الأولى لإلغاء وضع كشمير في 5 أغسطس/آب، تاركاً الأمر للرئيس الباكستاني عارف علوي لأن يكشف عبر منصة تويتر أن أردوغان طمأن باكستان بأن "بلاده سوف تستمر في دعم موقف باكستان بشأن كشمير".
وسيتمثَّل الاختبار في ما إذا كان أردوغان سيكرِّر عباراته المنتقدة للهند في الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي من المُقرَّر عقدها عبر الإنترنت هذا العام بسبب جائحة كوفيد-19، أم لا. وقد تكون سلسلة المقالات في وسائل الإعلام الهندية حول جهود تركيا المزعومة لزرع الاضطرابات وسط مسلمي الهند هي "رسالة الحكومة لأنقرة كي تتراجع عن هذا المسار"، كما يقول الموقع الأمريكي.
وقال حقَّاني إنه بالنسبة للباكستانيين، فإنه "في ما يتعلَّق بكشمير، تساعد تصريحات أردوغان في رفع الروح المعنوية حتى لو لم يفعل الأتراك شيئاً ذا شأن. وبالنظر إلى أن الآخرين لا يدلون بمثل هذه التصريحات، فإن عمران خان يقدِّر أردوغان على هذا الدعم". وأضاف السفير السابق أن تركيا ساعدت باكستان أيضاً بشكلٍ ملموس، قائلاً: "كان تصويت تركيا في قوة العمل المعنية بالإجراءات المالية بالأمم المتحدة بشأن تمويل الإرهاب وغسيل الأموال أمراً حاسماً بالنسبة لباكستان في تجنُّب المزيد من العقوبات".