لم يجد السوريون من ملجأ للأزمة الخانقة التي يعيشها البلد، بداية بالحرب، ومروراً بالعقوبات الأمريكية، ووقوفاً عند أزمة تفشي وباء كورونا، سوى الدعابة والسخرية من الأرقام التي يسردها نظام الأسد يومياً، والمتعلقة بعدد الإصابات والوفيات، إذ انتشر الوباء بشكل كبير في البلاد لكن النظام يصر على الإنكار.
وفق تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية، الخميس 27 أغطس/آب 2020، فإن النكتة المتداولة حالياً بين الدمشقيين الذين يحاولون التخفيف من وطأة ظروفهم الأليمة هي أن العدد الرسمي المعلن للإصابات بفيروس كورونا في سوريا هو عدد دقيق بنفس دقة سعر الصرف الرسمي لليرة السورية مع الدولار الأمريكي؛ إذ أصبح من المسلّم به أن تفشياً كبيراً لفيروس كورونا لن يعترف به النظام.
الضحايا في مقابر "السجناء": في الساعة الرابعة من بعد ظهر يوم 20 يوليو/تموز، دخل أنس العبدالله (الذي غُير اسمه مثل معظم من ورد ذكرهم في هذا المقال) مستشفى المجتهد بدمشق، وهو مصاب بالدوار والحمى والإعياء الشديد، وفي غضون 12 ساعة توفي ودُفن بعد فترة وجيزة داخل مقابر نجها في الصحراء على مشارف العاصمة.
وتشتهر مقابر نجها الجماعية بأنها المكان الذي دفن فيه النظام، بحسب المزاعم، بضع مئات الآلاف من ضحايا نظام سجونه سيئ السمعة.
لكن صور الأقمار الصناعية الأخيرة المتداولة عبر الإنترنت كشفت تحول نجها الآن إلى المثوى الأخير للسوريين الذين لقوا حتفهم بسبب فيروس كورونا.
وقد أخبر الأطباء أسرة عبدالله المكلومة أنه كان مصاباً بكوفيد-19، وأكد مسؤولو الدولة دفنه في نجها، ومع ذلك، ذكرت شهادة الوفاة أن الالتهاب الرئوي هو السبب فقط، مما ترك الأسرة في حيرة من أمرها.
تعتيم كامل: وفقاً للحكومة السورية، ثبتت إصابة ما يزيد قليلاً عن الألفين و300 شخص، وتوفي أقل من مئة بسبب الفيروس، وهذه الأرقام لا تُمثّل جزءاً بسيطاً حتى من إجمالي الحالات بحسب ما قال أكثر من عشرة سوريين، بمن فيهم أولئك الذين اشتبهوا في وفاة أفراد عائلاتهم بسبب فيروس كورونا، وآخرون كانوا خائفين للغاية من الإبلاغ عن إصابتهم، وعاملون في مجال الصحة اشتكوا من غياب تتبع المخالطين ونقص حاد في معدات السلامة الأساسية اللازمة لإنقاذ أنفسهم ومرضاهم.
وقد ثبتت إصابة ستة على الأقل من كبار رجال الدين في دمشق، وثلاثة إعلاميين، وقاضيين، وعدة أعضاء في اللجنة الدستورية السورية.
في دليلٍ إضافي على الانتشار الخارج عن السيطرة للفيروس، أغلق الأردن معبره الحدودي الشمالي على بعد حوالي 70 ميلاً (112 كم) من دمشق، بعد أن سجل ارتفاعاً حاداً في الإصابات القادمة عبر سوريا.
مراكز حجر أم تعذيب؟ وبالحديث إلى شقيق عبدالله، علمت مجلة Foreign Policy، أن عشرات الأشخاص وضعوا في الحجر الصحي في حي واحد فقط من دمشق، وهو حي الميدان، حيث كان يعيش عبدالله.
وزعموا أنهم يعرفون مئات آخرين. ويعاني ابن أخي عبدالله وجاره من أعراض فيروس كورونا، لكنهما فضلا الحجر الصحي في المنزل، وتجنب المستشفيات الحكومية قدر الإمكان. إذ قال ابن أخيه: "أخشى الذهاب إلى مركز الحجر الصحي، أنا خائف من الحكومة".
وأضاف الجار أن "مراكز الحجر الصحي تُشبه المعتقلات، حيث يُعذب المدنيون ويتركون للموت". وعكست تعليقاتهم خوفاً عميقاً من الدولة في أذهان العديد من السوريين، الذين تعرضوا لفترة طويلة، لقمع الدولة والاعتقال والزج بهم في الزنازين لأدنى شك في التآمر ضد النظام.
ومن بين أسباب انخفاض عدد حالات الإصابة بفيروس كورونا الرسمية في سوريا، عدم إبلاغ المصابين عن إصاباتهم، إذ يقول الكثيرون إنهم يريدون تجنب ملاحظة السلطات لهم بسبب آرائهم السياسية، أو يخشون أن يُتركوا للموت في مراكز الرعاية الصحية المتهالكة. لكن العائق الأكبر في تحديد عدد الإصابات الفعلي هو الرفض المنهجي من الدولة لمواجهة المشكلة.
هل دخل من إيران؟ يقول مصدران لـForeign Policy إنّ المنطقة المحيطة بدمشق مليئة بأفراد من الحرس الثوري الإيراني ومقاتلي حليفه اللبناني حزب الله. وادعى بسام بربندي، الدبلوماسي السوري السابق، أن الفيروس شق طريقه إلى سوريا عبر زوار إيرانيين.
إذ صرح قائلاً: "لقد انتقل المركز الآن من إيران إلى سوريا". وفي حين فرض نظام دمشق إجراءات الإغلاق المبكر في مارس/آذار، إلا أنها سرعان ما رُفعت بسبب الضائقة الاقتصادية.
ويبدو أن إبقاء الأرقام الرسمية منخفضة يُمثّل محاولةً من النظام لإنقاذ سمعته بين الموالين دون تعريض العلاقات مع رعاته الإيرانيين للخطر.
وأضاف بربندي أن "حالات الإصابة بفيروس كورونا تؤثر على شرعية النظام. إذ سيقول الموالون: لا يمكنك توفير الطعام، ولا يمكنك توفير الكهرباء، ونحن الآن نموت بسبب الفيروس. هذا هو السبب في أن النظام يبقي الأرقام منخفضة، لإعطاء الانطباع بأن كل شيء تحت السيطرة".
تحذير دولي: من جهة أخرى، قالت منظمة الصحة العالمية إنها زودت سوريا بـ4.4 مليون قطعة من معدات الحماية الشخصية، مثل الأقنعة والقفازات والمطهرات، وإنها كانت تتأكد من إجراء ألف اختبار على الأقل يومياً.
مع ذلك، أقرت بأن هناك حاجة إلى المزيد لاحتواء الفيروس. بينما قالت رئيسة البعثة وممثلة منظمة الصحة العالمية في سوريا أكجمال ماغتيموفا لـForeign Policy، إنّ الندرة الصارخة في العاملين بمجال الرعاية الصحية، الذين فرّ الكثير منهم من البلاد خلال الحرب التي استمرت ما يقرب من 10 سنوات، تُشكِّل عقبةً رئيسية.
كما أضافت أن العقوبات المفروضة على سوريا، وخفض الولايات المتحدة لتمويل منظمة الصحة العالمية، جعلا من الصعب مساعدة الشعب السوري.