لن تستمر الهدنة.. لماذا الغرب غير معجب بتوقف الحرب في ليبيا؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/08/27 الساعة 13:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/08/27 الساعة 13:02 بتوقيت غرينتش

تكمن مشكلة وقف إطلاق النار في أنَّه أحياناً يتجاهل قوى النفوذ. وفي ظل التأثير الهائل على الأحداث على الأرض، يمكن حتى للهُدَن حسنة النية أن تفقد معناها سريعاً.

يمكن قول الشيء نفسه عن وقف إطلاق النار الذي جرى التوصل إليه بين الأطراف المتحاربة في ليبيا هذا الأسبوع، قبل أن يهزأ به سريعاً خليفة حفتر، الذي أعلن نفسه قائداً لـ"الجيش الوطني الليبي"، باعتباره حيلة "للاستهلاك الإعلامي".

تطورت الحرب في ليبيا بعد سنوات من القتال لتصبح مشروعاً ضخماً يضم العديد من أصحاب المصلحة المحليين والإقليميين والدوليين. وكان وقف إطلاق النار الذي أُعلِن بصورة متزامنة من جانب الحكومة التي تعترف بها الأمم المتحدة في طرابلس وعقيلة صالح، رئيس البرلمان المنعقد في شرق ليبيا، عملياً محاولة لتصفية مشروع الحرب وبدء نوع جديد من شراكة السلام.

لكن هناك مشكلة. إذ يملك هذان السياسيان صلاحية إعلان وقف القتال، لكن ليس فرضه.

وتمكَّنت العديد من الأطراف المحلية والأجنبية الأخرى من بناء مجالات مصالح كبيرة حول الحرب الليبية.

ففي الغرب، تحظى حكومة الوفاق الوطني بحماية العديد من الميليشيات المسلحة التي تحفظ الأمن في العاصمة. وتضمن الحكومة رواتب مستمرة وأمناً وظيفياً للمقاتلين في تلك المجموعات المسلحة، في حين يحتفظ كبار قادة تلك المجموعات بنفوذ ضخم على صنع القرار في الحكومة. وسيظهر تغيُّر جذري ومفاجئ في الوضع الراهن بالنسبة لقادة الميليشيات المتعصبين، يتسبَّب في فقدانهم كافة الامتيازات التي يتمتعون بها حالياً.

ويعتقد فولفرام لاخر، وهو باحث بالمعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، أنَّ "العديد من المجموعات المسلحة لا تقاتل لصالح رئيس الوزراء فايز مصطفى السراج، بل تقاتل ضد حفتر".

وفتح مقاتلو الميليشيات في عطلة نهاية الأسبوع النار على المحتجين المطالبين بوقف ما يصفونه بـ"الموت البطيء" الناتج عن انهيار الخدمات العامة والفساد والضغوط الاقتصادية، بعد ساعاتٍ من إعلان وقف إطلاق النار. وتدهور الاقتصاد وتدفق السيولة المالية في طرابلس بسبب الحصار الذي يفرضه حفتر وحلفاؤه المسلحون على صادرات النفط. وصار طوال الـ14 شهراً الأخيرة هو المشكلة الواضحة التي يتجاهلها الجميع في الحرب الليبية. واستجابةً لذلك، أعلن السراج تعديلاً حكومياً لاسترضاء المحتجين.

أصبح حفتر إذاً هو المشكلة الواضحة التي يتجاهلها الجميع في الحرب الليبية. إذ شنَّ في أبريل/نيسان 2014، عمليته العسكرية لدخول العاصمة طرابلس، مُعتقِداً أنَّ إطلاق جيشه المُخفِق باستمرار لهجوم من أجل السيطرة على المدينة سيكون سيناريو كافياً لتحقيق أحلامه بتأسيس نظام مشابه لنظام القذافي يحكم ليبيا بقبضة من حديد.

دبَّر جنرال شرق ليبيا العديد من الانقلابات الفاشلة لبسط السلطة المطلقة على البلاد، وقد أخفق أيضاً. وحاول مراراً إلغاء اتفاق الصخيرات للسلام الذي رعته الأمم المتحدة وجرى التوقيع عليه في عام 2015 لتشكيل حكومة الوفاق الوطني، وتجاهل المبادرات السياسية التي أُطلِقَت في أبوظبي وباليرمو وموسكو وبرلين بغية التوصل إلى حلٍ سلمي. وانتهت حملة حفتر على طرابلس في وقتٍ سابق من هذا العام بعد تكبُّده خسائر عسكرية فادحة في الغرب بسبب التدخل العسكري التركي الحازم إلى جانب حكومة طرابلس، ما أجبر قواته على الانسحاب إلى مدينة سرت الساحلية وقاعدة الجفرة الجوية القريبة منها.

وأي توقف في القتال الآن يعني بالتأكيد أنَّ مستقبل حفتر السياسي انتهى بالفعل.

لكنَّه ليس الجاني المحتمل الوحيد. إذ أصبح واضحاً وضوح الشمس الآن أنَّ العديد من أصحاب المصلحة الأجانب النافذين ليسوا سعداء بتصفية مشروع الحرب كذلك.

أثار التواجد الروسي، من خلال المرتزقة والمقاتلات ومنظومات الدفاع الجوي في القواعد الجوية الاستراتيجية قرب منطقة الهلال النفطي شرقي ليبيا، الكثير من الجدل في الولايات المتحدة وبين القوى الأوروبية الكبرى باعتباره تهديداً وشيكاً لحلف شمال الأطلسي (الناتو) والأمن في البحر المتوسط. وفي موسكو، يُعَد اتفاق وقف إطلاق النار الذي ثبَّتته الولايات المتحدة، والذي يقضي بجعل محور سرت-الجفرة منطقة منزوعة السلاح، حيلة غربية لإحباط وجود نفوذ عسكري اقتصادي سياسي روسي دائم في الجارة الجنوبية لأوروبا، لأنَّ نزع السلاح يعني سحب القوات الروسية المتمركزة في المنطقة أولاً وقبل كل شيء.

وتُعَد الإمارات العربية المتحدة داعماً آخر لحفتر يُرجَّح أن يشعر بالقلق بشأن المسعى الجديد لإنهاء القتال في ليبيا. ووجهة نظر أبوظبي بسيطة: لا يمكن التسامح مع معقل تركيا العسكري الراسخ ونفوذها السياسي على حكومة الوفاق الوطني واعتبار ذلك هو الواقع الجديد في ليبيا. إذ توفر ليبيا لتركيا منصة انطلاق لمد نفوذها في الجناح الجنوبي لأوروبا وكذلك في إفريقيا جنوب الصحراء وغرب إفريقيا. وعلى الرغم من علاقات الحب/الكراهية مع حفتر (الذي ثبت أنَّه عاجز عن السيطرة على طرابلس بسرعة مثلما توقع الكثير من المسؤولين الإماراتيين)، لا يوجد بديل لحفتر في الأفق. وربما يعتقد الكثيرون في الإمارات أنَّ ذلك الشكل المستمر، لكن الذي يبقى في حدود السيطرة، من الحرب هو السبيل الوحيد لوقف تقدم تركيا. وينفي المسؤولون الإماراتيون تمسكهم بمواقف مطلقة في ليبيا. وبعد إعلان وقف إطلاق النار، أصدرت الإمارات بياناً دعماً للخطوة الجديدة.

يسطع نجم عقيلة صالح باعتباره الزعيم الجديد لمعسكر الشرق، ولا يبدو أنَّ حفتر مستعد للقبول بهذا. لذا، وبدلاً من الحرب بين الشرق والغرب، تُرسَم خطوط الانقسام الجديدة الآن بين السياسيين الذين يحاولون تولي زمام الأمور في كلا الجانبين من ناحية، ومتعاقدي الحرب العنيدين الذين يشعرون بأنَّهم عرضة للخطر ويبذلون قصارى جهدهم لإبقاء مشروع الحرب قائماً من ناحية أخرى.

قال لي فولفرام لاخر: "الشيء الأكثر منطقية لحفتر هو بدء هجوم جديد ضد حكومة الوفاق الآن".

وهذا كل ما في الأمر. إن لم يتخلَّ حفتر وقادة ميليشياته عن سلاحهم ويدمجوا طموحاتهم الشخصية ضمن عملية سياسية، قد يُبقون محرك الحرب دائراً لفترة، لكنَّهم في النهاية لن يجدوا مكاناً في مستقبل ليبيا.

– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Independent البريطانية.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد أبو دوح
محرر ومختص بشؤون الشرق الأوسط
محرر ومُختص بشؤون الشرق الأوسط