مع تصاعد التوترات حالياً بين الولايات المتحدة الأمريكيّة وروسيا بسبب الحرب السورية والتقارب المقلق بين مناطق عمليات القوات والطائرات الأمريكية والروسية لدعم الفصائل المتنافسة في سوريا، تتبادر إلى أذهاننا قصة حصلت قبل نحو 45 عاماً وكادت تتسبب بحرب نووية بين البلدين وكانت سوريا هي السبب أيضاً.
حرب نووية بين أمريكا والسوفييت بسبب سوريا: القصة من البداية
في 6 أكتوبر/تشرين الأول 1973، وتحديداً في يوم 10 رمضان لدى المسلمين ويوم "عيد الغفران" لدى اليهود، شنَّت مصر وسوريا هجوماً متزامناً مفاجئاً على قوات الاحتلال الإسرائيلية في سيناء ومرتفعات الجولان التي كانت قد احتلتهما في حرب الستة أيام 1967.
حاول جنود الاحتلال المذهولون الصمود على نحوٍ يائس، لدرجة أنَّ كبار قادتهم ومسؤوليهم كانوا يخشون من أنَّ هذه الحرب ستكون نهاية دولة إسرائيل، وذلك بحسب ما ذكرته مجلة National Interest الأمريكية.
بعد أيام من بدء الحرب تدخل الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة لدعم الأطراف المتحاربة وتعويض خسائرهم عن طريق مد جسر جوي نقل كميات هائلة من الإمدادات والمعدات العسكرية.
وقدرت كمية الدعم التي قدمها الاتحاد السوفييتي إلى سوريا ومصر ما يقدر بـ15 ألف طن، فيما قدرت إمدادات أمريكا لإسرائيل بنحو 28 ألف طن.
إسرائيل تصد الهجوم السوري على هضبة الجولان
بحلول 11 أكتوبر/تشرين الأول تمكنت قوات الاحتلال من صد الهجوم السوري على هضبة الجولان إذ عبرت مدرعاتها وقوات مشاتها الحدود إلى داخل سوريا وواصلت التقدَّم حتى تمكنت من وضع العاصمة دمشق في مدى نيران مدفعيتها.
أمّا على الجبهة المصريّة فقد عبرت قوة للاحتلال الإسرائيلي بقيادة أرئيل شارون، خلسة إلى قناة السويس في 15 أكتوبر/تشرين الأول واستولت على رأس جسر على الجانب المصري من الممر المائي.
هذه المرة كان المصريون هم الذين فوجئوا عندما وجدوا جيشهم الثالث محاصراً في مواقعه على الجانب الإسرائيلي من القناة، وقُطعت خطوط إمداداته.
تواصل المعارك دفع الأمريكان والسوفييت للتواصل
مع فشل محاولات التوصل إلى وقف إطلاق النار، بعث رئيس الاتحاد السوفييتي آنذاك ليونيد بريجنيف، برسالة إلى الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون يقول فيها:
"أقول مباشرةً لسيادتكم، إذا وجدتم أنَّه هناك استحالة في العمل المشترك معنا في هذه المسألة، سيتعيَّن علينا مواجهة الضرورة الملحة للنظر بشكل أحادي في اتخاذ التدابير المناسبة".
وصلت هذه الرسالة إلى البيت الأبيض التي اعتبرها تهديداً مباشراً له، فهيمنت أجواء الأزمة خاصة مع وصول تقارير أخرى تفيد بأن الوحدات السوفييتية المحمولة جواً والقوات البرمائية قد وُضعت في حالة تأهب.
حشد القوات السوفييتية من أوكرانيا والقوقاز للسيطرة على الجولان
في الوقت نفسه، ضاعفت موسكو أسطولها في البحر المتوسط إلى 100 سفينة.
وقد أشار فيكتور إسرائيليان، أحد مسؤولي وزارة الخارجية السوفييتية في ذلك الوقت، إلى أنَّ وزير الدفاع السوفييتي آنذاك، أندري غريتشكو، أوصى بإصدار أمر بتجنيد من 50 إلى 70 ألف رجل في أوكرانيا ومنطقة شمال القوقاز، لأنَّه كان يرى أنَّ القوات السوفييتية يتعيَّن عليها السيطرة مرتفعات الجولان من أجل إنقاذ سوريا.
لم تكن الولايات المتحدة على استعداد لخوض حرب أخرى بعد أن كانت قد انتشلت نفسها للتو من فيتنام.
ومع ذلك، شعر البيت الأبيض بأنَّه لا يستطيع المخاطرة بفقدان الهيبة والنفوذ الأمريكي، لاسيما في منطقة الشرق الأوسط الغنية بالنفط.
ويروي وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، هنري كيسنجر، في مذكراته " Years of Upheaval": "كنَّا مُصمّمين على منع دخول القوات السوفييتية إلى الشرق الأوسط باستخدام القوة إذا لزم الأمر بغض النظر عن الذريعة التي جاءوا بموجبها".
ومع ذلك فقد بدت موسكو مستعدةً لتجاوز الخط الأحمر، الذي لم تكن واشنطن لتسمح بتجاوزه.
أمريكا تحشد قواتها
في ليلة الـ24 من أكتوبر/تشرين الثاني 1973 حوّلت الولايات المتحدة الأمريكية كل قواعدها العسكرية وسفنها الحربية المنتشرة في جميع أنحاء العالم إلى المستوى الثالث من حالة التأهب الدفاعي "Defcon 3".
في الوقت نفسه، استعدت قوات المظليين للانتشار، وعادت قاذفات القنابل النووية من طراز B-52 المتمركزة في جزيرة "غوام" إلى قواعدها العسكرية على أراضي الولايات المتحدة استعداداً للإطلاق.
يذكر أنّ آخر رفع لحالة التأهب قامت به الولايات المتحدة كانت قد رفع حالة التأهب الدفاعي إلى مستوى (Defcon 2) كان قبل 11 عاماً أثناء أزمة الصواريخ الكوبية.
الحرب كادت أن تندلع في أي لحظة
كان التوتر جلياً في مياه المتوسط المغلقة، فقد كتب آبراهام رابينوفيتش، المؤرخ لحرب أكتوبر 1973:
"كانت الأعصاب متوترة في كلا الأسطولين، إذ عُززت المدمرات السوفييتية المنفردة التي عادةً ما كانت تصاحب حاملات الطائرات، بقطعٍ حربيةٍ أكبر مسلحةٍ بصواريخ".
وأضاف: صحيحٌ أن كبار الضباط لم يُرصدوا من قبل على متن تلك المدمرات، لكن الأمريكيين تأكدوا من وجود أدميرالين على السفن التي تلحق بهم.
من جهتهم أبقى الأمريكيون الطائرات فوق الأسطول السوفييتي مستعدةً لضرب قواعد إطلاق الصواريخ المُعدة للإطلاق.
من كان يتوقع أن يرتعب الأمريكيون بهذه السهولة
صُدم القادة السوفييت من رد فعل الأمريكيين بحشد قواتهم، وتساءل نيكولاي بودغورني، رئيس مجلس السوفييت السابق: "من كان يتخيل أن يرتعب الأمريكيون بهذه السهولة؟".
ووفقاً لما أورده رابينوفيتش في كتابه The Yom Kippur War فقد قال أليكسي كوسيغين الذي شغل نفس المنصب: "من غير المنطقي أن تتورط في حربٍ مع الولايات المتحدة بسبب مصر وسوريا".
بينما قال يوري أندروبوف، رئيس الاستخبارات السوفييتية KGB: "لا يجب أن نبدأ الحرب العالمية الثالثة".
وأيما كان السبب، أبقى السوفييت قواتهم على أهبة الاستعداد، لكنهم اتفقوا على عدم نشر قواتٍ في الشرق الأوسط.
وبنهاية أكتوبر/تشرين الأول، وضع اتفاق هش بوقف إطلاق النار نهايةً لذلك الفصل من الصراع العربي الإسرائيلي.
مقارنة بين الوضع الحالي وما جرى في 1973
بعد 47 عاماً منذ ذلك الخريف المضرب الذي شهدته سوريا ومصر بسبب الحرب مع إسرائيل إلا أنّ العالم قد تغيّر بعض الشيء.
الاتحاد السوفييتي لم يعد موجوداً ولكنّ روسيا خليفتها لاتزال على عهدها بدعم سوريا.
في حين أصبحت مصر حليفة لأمريكا، وها هي على أبواب بدء التطبيع مع إسرائيل، ورغم ذلك فإن سيناريو الاصطدام مجدداً بين القوتين النوويتين نفسيهما أمريكا وروسيا لا يزال قائماً.
تخيلوا مثلاً أنّ الاحتلال الإسرائيلي يقوم بقصف سوريا بهدف طرد الإيرانيين وقوات حزب الله التي تقترب من الحدود السورية الإسرائيلية
فتختار روسيا أن تتدخل لتنقذ سوريا وكيلتها في الحرب الباردة، ربما عبر توفير غطاءٍ جويٍ أو دفاعٍ جويٍ، وهو ما قد يقود إلى اشتباكٍ حقيقيٍ بين القوات الإسرائيلية والروسية.
وكما حدث في عام 1973 فإنه يصعب تخيل أن أمريكا ستسمح لروسيا بمهاجمة حليفتها إسرائيل، وبالتالي يتحول الصراع إلى أمريكي-روسي فوق الأراضي السوريّة.
سابقاً كان الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون ونظيره الروسي ليونيد بريجنيف يتراشقان الرسائل العدائية، أمّا الآن ومع عدوانية دونالد ترامب وقومية فلاديمير بوتين العصبية، قد لا يكون العالم محظوظاً بنفس الدرجة هذه المرة.