يواجه حزب الله مأزقاً صعباً في أعقاب انفجار مرفأ بيروت، في ظل ارتفاع وتيرة الغضب الشعبي الموجهة نحو الحزب من جهة، وتزامن ذلك مع تزايد الضغوط الدولية التي يواجهها الحزب من جهة أخرى، فما خيارات حزب الله المتبقية؟
تناول تقرير نشرته وكالة Voice of America الأمريكية بعنوان: "حزب الله يُفاضِل بين خيارات صموده عقب انفجار بيروت"، المأزق الذي يواجهه الحزب وسيناريوهات المواجهة.
تحميل الحزب المسؤولية عن الانفجار
عرَّض انفجار بيروت في وقت مبكر من الشهر الجاري، حزب الله لمزيد من الغضب الشعبي، مع توقع بعض المراقبين اللبنانيين طريقاً مظلماً بانتظار الجماعة التي تصنفها الولايات المتحدة بأنها إرهابية في أعقاب الحادث المروع.
وأسفر الانفجار الذي وقع بميناء بيروت نتيجة انفجار 2750 طناً من نترات الأمونيوم في 4 أغسطس/آب عن مقتل أكثر من 200 شخص وإصابة آلاف آخرين. واستقالة الحكومة المدعومة من حزب الله وسط مظاهرات حاشدة تطالب بإصلاحات جذرية في الحكومة.
ويقول الخبراء إنَّ حزب الله يواجه الآن تحدياً كبيراً لحماية نفوذه وتشكيل الحكومة المستقبلية للبلاد، لأنَّ العديد من المحتجين يرون أنه يمثل عقبة رئيسية في طريق القضاء على الفساد في النظام السياسي في البلاد.
وفي هذا السياق، قال رامي خوري، زميل أقدم في السياسة العامة وأستاذ الصحافة في الجامعة الأمريكية في بيروت، لوكالة Voice of America: "حزب الله لا يريد إدارة البلاد، ولا يريد رؤيتها تنهار في الفوضى، فسيتعين عليه إذاً استخدام قدراته للانخراط… مع المتظاهرين والنخب الطائفية. هذا تحدٍّ كبير لم يواجهه من قبل".
وأضاف أنَّ الكثير من اللبنانيين انتقدوا حزب الله علناً في الماضي، لكن نادراً ما ضغطوا من أجل إزاحة زعيمه حسن نصر الله، ومع ذلك، عقب الانفجار الأخير، طالب المتظاهرون بالعدالة وشن تحقيق نزيه، وأقاموا مشنقة بدائية تتدلى منها دُمى من الورق المقوى لقادة لبنانيين، بمن فيهم نصر الله.
وتزعُم بعض التقارير المحلية أنَّ الانفجار في الميناء اندلع من مستودع أسلحة تابع لجماعة حزب الله المدعومة من إيران. ونفى نصر الله تلك الاتهامات ووصفها بـ "الظلم الفادح"، وقال الرئيس اللبناني ميشال عون إنَّ التحقيق الحكومي في الانفجار لم يُحدِّد بعد سبب الانفجار، ونفى المزاعم التي تُحمِّل حزب الله المسؤولية.
فجوة في الثقة
يرغب الكثير من عائلات الضحايا والنشطاء المحتجين في تحقيق دولي في الانفجار، وقال جاد يتيم، الناشط والصحفي اللبناني إنَّ المحتجين اللبنانيين لا يثقون بنتيجة أي تحقيق من الحكومة، خوفاً من التعتيم إذا وجد التحقيق أنَّ الانفجار جاء نتيجة إهمال السلطات.
وأضاف يتيم، في حديث لوكالة Voice of America: "نحن ننادي بحكومة انتقالية… ومعها لجنة تقصي حقائق دولية للكشف عن سبب الانفجار"، وتابع يتيم: "حزب الله متورط في جميع الأحوال، إما لأنَّ مخزون نترات الأمونيوم يعود للجماعة أو لأنها جزء من الحكومة"، مشيراً إلى أنَّ المحتجين يطالبون بحكومة انتقالية تُشرِف على وضع قانون انتخابي جديد يمكنه إعادة تشكيل الحكومة.
ويُنظَر إلى حزب الله، الذي يُوصَف بأنه "دولة داخل دولة" لاستخدامه النفوذ السياسي في الحكومة لحماية مصالحه، على أنه سبب رئيسي لعجز الحكومة عن محاربة أسوأ أزمة اقتصادية منذ الحرب الأهلية التي انتهت في عام 1990.
وبدأت المظاهرات الجماهيرية في أكتوبر/تشرين الأول 2019، بمطالبة المتظاهرين بالتدقيق في الطبقة السياسية الحاكمة وإصلاح الاقتصاد. وتلقي جماعات المعارضة اللبنانية والنشطاء باللوم في الأزمة على سوء إدارة الموارد العامة والفساد من قبِل الحكومات المتعاقبة وصولاً إلى الحكومة الحالية بقيادة حزب الله.
انتهاز الفرصة
في الوقت الذي يسعى فيه لبنان إلى الحصول على المساعدة من المجتمع الدولي، يقول بعض الخبراء إنَّ مؤيدي الأحزاب السياسية اللبنانية يرون في ذلك فرصة لإعادة تنظيم الولاءات، وزار ممثلو عشرات الكيانات الإقليمية والدولية بيروت لتقديم المساعدة الطبية الطارئة وإبداء التضامن، بما في ذلك إيران الداعم الرئيسي لحزب الله.
وفي هذا الصدد، صرَّح ديفيد داوود، محلل بحثي في منظمة United Against Nuclear Iran غير الربحية الأمريكية، لوكالة Voice of America: "من رحم الكوارث تُولَد فرص، وهذا ينفي لبنان إلى الفراغ".
وقال داوود، الذي تركز تحليلاته على حزب الله ولبنان: "إذا بدت إيران وكأنها الرجل الصالح هنا، فإنها إما ستكسب تعاطفاً واسع النطاق في الشارع اللبناني أو على الأقل تعاطف القاعدة المؤيدة لحزب الله". وأضاف أن حزب الله يحاول تصوير أزمات لبنان التي لا تعد ولا تحصى على أنها نتاج للعقوبات الأمريكية ضد الجماعة، وليس بسبب سوء الإدارة.
التضامن الاجتماعي
عقب الانفجار، تطوَّع الناس في لبنان لتنظيف الشوارع وإزالة الأنقاض ومساعدة أولئك الذين فقدوا منازلهم. ودعت مجموعات الإغاثة في لبنان، التي قالت إنها لا تثق في الحكومة لتوزيع المساعدات بفعالية، المانحين الدوليين إلى توجيه المساعدات مباشرة إلى المستشفيات والمنظمات المحلية.
وقالت كريستين مهنا، مسؤولة الاتصال والدعم في المركز اللبناني لحقوق الإنسان، إنهم ينسقون الجهود مع منظمات غير حكومية أخرى لإنشاء مراكز مساعدة في مناطق مختلفة من بيروت لمساعدة أولئك الذين فقدوا منازلهم. وتوسع المركز اللبناني لحقوق الإنسان، المعنيّ بمراقبة انتهاكات حقوق الإنسان، في عمله منذ الانفجار لتقديم المساعدة القانونية للأشخاص الذين فقدوا منازلهم.
وأضافت كريستين، في تصريح لوكالة Voice of America: "استغرقت فرق الاستجابة للطوارئ وقتاً طويلاً للوصول إلى الموقع. ولم تكن هناك معلومات كافية أو مساعدة مباشرة للضحايا. ووجدت المستشفيات التي تتعامل مع فيروس كورونا المستجد نفسها تحت ضغط خلال تقديم المساعدة الطبية للناجين من الانفجار"، وختمت تصريحها قائلة: "الحكومة في حالة غياب تام".