تستند أغلب نصائح الصحة والتغذية بدرجة كبيرة إلى افتراض أن السعرات الحرارية التي تتناولها صباحاً أو مساءً، ما هي إلا سعرات حرارية ستؤثر عليك في النهاية، وهي فرضية خاطئة.
تناول الطعام صباحاً أم ليلاً؟
بعض الأبحاث تشير إلى أن أجسامنا في الواقع تحرق السعرات الحرارية بكفاءةٍ أكبر حين تتناولها في ساعات النهار، عكس ساعات الليل، ويمكن استغلال ذلك كاستراتيجية لإنقاص الوزن، بحسب مجلة Inverse الأمريكية.
هناك أسبابٌ كثيرة وراء هذه الظاهرة، وأحدها هو ساعتنا البيولوجية، وهي العملية الداخلية الطبيعية التي تنظم دورة النوم والاستيقاظ على مدار الـ24 ساعة.
لا تقتصر وظيفة إيقاع الساعة البيولوجية على إشعارنا بالتعب في الليل واليقظة أثناء النهار فقط، بل إنه ينظم أيضاً توقيت عمليات الجسم، ومن ضمنها الهضم والتمثيل الغذائي وتنظيم الشهية، من خلال إفراز هرمونات معينة بناءً على ما نأكله، ومتى نأكله، ونشاطنا البدني.
ومع ذلك، يمكن تغيير هذه العملية الداخلية عن طريق الأكل أو ممارسة الرياضة في أوقات غير طبيعية من اليوم، إذ قد تؤثر التغييرات في إيقاع الساعة البيولوجية في صحتنا الجسدية والعقلية، ومناعتنا.
أهمية ساعتنا البيولوجية في تنظيم الجسم
ونظراً إلى مدى أهمية إيقاع الساعة البيولوجية لأجسامنا وصحتنا العامة، حاول فريق من الباحثين معرفة تأثيره في عملية التمثيل الغذائي، لذا تم إعداد مراجعةٍ فحصت الدراسات التي أُجريت على أفراد عُطِّل إيقاع ساعاتهم البيولوجية اليومية عن قصدٍ لأغراض بحثية، أو بسبب متلازمة الأكل ليلاً، حيث يتناول الشخص أكثر من 25% من سعراته الحرارية اليومية في المساء أو منتصف الليل.
أجسامنا تفضل تناول الطعام نهاراً
أوضحت هذه الدراسات أن أجسامنا تفضل بالفعل تناول الطعام خلال ساعات النهار، بالتزامن مع الإيقاع الطبيعي لساعاتنا البيولوجية.
وأظهرت معظمها أن الإخلال بالساعة البيولوجية عمداً، وتناول الطعام ليلاً، تسببا بحدوث تغييرات في إفراز عديد من الهرمونات المهمة التي تنظم الشهية واستهلاك الطاقة وتنظيم الغلوكوز (مما أدى إلى تغيرات في مستويات الأنسولين والليبتين والكورتيزول وغيرها من هرمونات الشهية في الدم).
نظرياً، يمكن أن تؤدي التغيرات في هذه الهرمونات إلى زيادة الشهية مع تقليل مستويات الطاقة؛ مما يؤدي إلى تناول مزيد من السعرات الحرارية التي يحرقها الجسم بمستويات أقل على مدار اليوم.
وقد يؤدي هذا إلى زيادة الوزن، إلا أن هناك حاجة إلى مزيد من البحث حول تأثير ذلك في الجسم.
لكن نظراً إلى أن جميع الدراسات كانت تبحث في أشياء مختلفة (ومن ثم كانت لها نتائج مختلفة)، ولم تقِس أي منها التغيرات في المتناول من الطاقة، ومعدل استهلاكها، والوزن، فإن هذا يجعل الصلة المقترحة بين اضطراب إيقاع الساعة البيولوجية وزيادة الوزن غير أكيدة.
ومع ذلك، وجدت دراستنا أن عمليات الجسم تعمل بشكل أفضل عندما يتبع الشخص عادات منتظمة للنوم، مع الحفاظ على الإيقاع الطبيعي للساعة البيولوجية.
الأيض ووزن الجسم
وجدت دراسات أخرى أيضاً أدلة تشير إلى أنَّ تناول الطعام في وقت معين من اليوم يؤثر في توازن الطاقة ووزن الجسم.
على سبيل المثال، يرتبط تناول مزيد من السعرات الحرارية في وقت متأخر من المساء بزيادة الوزن والسمنة، ربما بسبب انخفاض تنظيم الشهية في المساء، أو لأن الوجبات المتأخرة تخل بإيقاع الساعة البيولوجية ومستويات الطاقة عند الإنسان، مما يقلل من قدرة الجسم على ممارسة الرياضة في اليوم التالي.
وقد يؤدي تناول معظم السعرات الحرارية اليومية أثناء الصباح أيضاً إلى فقدان الوزن بشكل أكبر.
ويبدو أن فقدان الوزن هذا يحدث على الرغم من استهلاك مقدار مشابه من الطعام وممارسة مستويات مماثلة من النشاط لأولئك الذين تناولوا مزيداً من السعرات الحرارية في فترة ما بعد الظهر أو المساء.
ومع أن سبب حدوث ذلك مجهول، فربما يكون ذلك نتيجة أن الأشخاص الذين يفوِّتون وجبة الإفطار، يتناولون وجبات خفيفةً أكثر في المساء، أو قد يكون ذلك بسبب أنَّ تناول الطعام في أوقاتٍ متأخرة يخل بإيقاع الساعة البيولوجية.
ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أنه ليست كل الدراسات تتفق على أنَّ تناول معظم السعرات الحرارية اليومية في الصباح يؤدي إلى فقدان الوزن.
وقد ثبت أيضاً أن المستويات المرتفعة من النشاط البدني لدى الأشخاص الذين يتناولون وجبة الإفطار (مقارنة بمن لا يفعلون ذلك) قد تسهم في زيادة فقدان الوزن، طالما يتناول الشخص مزيداً من السعرات الحرارية في الصباح بدلاً من المساء.
مرة أخرى، الباحثون ليسوا متيقنين تماماً من السبب، لكن النظرية المبدئية تقول إن التغذية الصباحية تمنح الناس مزيداً من الطاقة أثناء النهار، لذلك قد يكونون أكثر نشاطاً.
بالمقابل، فإنَّ تناول السعرات الحرارية في المساء يثبِّط مستويات النشاط. وقد يؤدي استهلاك السعرات الحرارية في وقت متأخر من المساء أيضاً، إلى تعطيل إيقاعات الساعة البيولوجية، مما ينتج عنه زيادة الشعور بالتعب بشكل عام في اليوم التالي وتقليل النشاط البدني.
وجدت دراسة حديثة أيضاً تغيرات في إشارات الدماغ التي تتحكم في المكافأة المتعلقة بالأكل، مرتبطة بوقت تناول الطعام.
إذ يعتقد الباحثون أنَّ تناول مزيد من السعرات الحرارية في الصباح قد يحسِّن وزن الجسم من خلال تعزيز مراكز المكافأة المتعلقة بالطعام في الدماغ، ومن ثم تقليل الإفراط في تناوله.
وتلقى التغذية المقيدة بالوقت (المعروفة أحياناً باسم "الصيام المتقطع") اهتماماً متزايداً، وهي وسيلة لفقدان الوزن يلتزم فيها الأشخاص بتناول الطعام خلال إطار زمني محدد على مدار اليوم (أي بعد فترة تتجاوز ثماني أو 12 ساعة).
وتُظهر الأبحاث أن هذا يدعم في الغالب فقدان الوزن من خلال تقليل تناول السعرات الحرارية، وهذا يحدث على الأرجح بسبب تخصيص وقت أقل لتناول الطعام.
وقد يحافظ الصيام المتقطع أيضاً على الإيقاع الطبيعي للساعة البيولوجية، إذ يمنع الجسم من تناول الطعام في وقت متأخر من الليل.
وفي حين توجد أدلة كثيرة تدعم تناول الطعام أثناء النهار باعتباره أكثر انسجاماً مع الإيقاع الطبيعي للساعة البيولوجية الطبيعي عند الإنسان، فهناك حاجة إلى إجراء أبحاثٍ أكثر؛ لفهم تأثير ذلك في وزن الجسم بصورة كاملة.
بطبيعة الحال، فإن نوع الأطعمة التي تختارها، بجانب الكميات التي تتناولها، لهما التأثير الأكبر في صحتك.
لكن إذا ثبت فعلاً أنّ وقت تناول الطعام مرتبط بالاختلافات في وزن الجسم ومستوى الصحة العامة، فنحن بحاجة إذن إلى وضع ذلك في الاعتبار عند تقديم أي نصائح غذائية.