في صيف 2015 قلب الأمير محمد بن سلمان، الذي كان يشغل وقتها منصب وزير الدفاع، وكان الثالث في ترتيب ورثة عرش المملكة السعودية، قلب السياسات الخارجية لبلاده رأساً على عقبٍ وأعطى الضوء الأخضر للتدخل الروسي في سوريا، وفقاً لدعوى قضائية رفعها مسؤول استخباراتي سعودي بارز سابق.
سعد الجبري قال في دعواه التي رفعها أمام محكمةٍ فيدراليةٍ في واشنطن إن التحول الحاد في توجهات الرجل الذي بات الآن ولي عهد المملكة قد أثار حفيظة مدير الاستخبارات المركزية الأمريكية وقتها جون برينان، الذي التقاه الجبري في يوليو/تموز وأغسطس/آب من عام 2015 ليرسل إليه توبيخاً من إدارة باراك أوباما، حسب تقرير صحيفة The Guardian البريطانية.
تزعم الدعوى المرفوعة الأسبوع الماضي أمام محكمة مقاطعة كولومبيا أن برينان "عبر وقتها عن مخاوفه من أن المدعى عليه، بن سلمان، كان يُشجع التدخل الروسي في سوريا، وفي ذلك الوقت لم تكن روسيا قد تدخلت في الحرب السورية بعد. وأن سعد الجبري أوصل رسالة برينان للمدعى عليه، بن سلمان، الذي استقبلها بغضب شديد".
ادعاء أن الأمير محمد قد دعا روسيا سراً للتدخل في سوريا في وقتٍ كان بشار الأسد فيه على وشك السقوط هو ادعاءٌ في غاية الخطورة حسب الصحيفة. ففي ذلك الوقت كان العاهل السعودي يدعم ظاهرياً المتظاهرين المعارضين للأسد، في حين أن القصف الروسي للمدن التي يُسيطر عليها المتظاهرون قد تسبب في قتل عشرات الآلاف من المدنيين السوريين منذ بدئه.
يقول دبلوماسيون غربيون أنه بعد فترةٍ وجيزةٍ من تولي الأمير محمدٍ منصب وزير الدفاع، مع اعتلاء والده عرش المملكة في أعقاب وفاة الملك عبدالله في يناير/كانون الثاني 2015، كان متأثراً بشدةٍ بولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد.
لقاء بن زايد وبن سلمان: مصدرٌ مطلعٌ على تسلسل الأحداث التي وقعت عام 2015 قال إن بن سلمان وبن زايد قد التقيا في معرض Idex العسكري الدولي الذي أقيم في أبوظبي في فبراير/شباط ذلك العام.
يضيف المصدر: "كانت تلك نقطة تحولٍ في طموح ورؤية وعقيدة بن سلمان". ويُقال إن بن زايد كان يعتقد أن خطر ثورة سوريا أخطر على ممالك الخليج من نجاة بشار الأسد.
أقنع الأمير الإماراتي كذلك نظيره السعودي بأنه إذا كان سيُنافس ابن عمه محمد بن نايف ويُطيح به في نهاية المطاف، وهو الذي يشغل منصب ولي العهد وقتها، ورئيس الاستخبارات (وعراب الجبري) وتربطه صلات وثيقة ببرينان وبإدارة أوباما، فإن عليه أن يجد أصدقاء خارج واشنطن.
المصدر قال أيضاً إن: "بن زايد قال إن عليه البدء في بناء تحالفاتٍ جديدةٍ، وإن عليه التقرب للصين ولروسيا. وكان بن زايد تجمعه ببوتين علاقة جيدة".
من جهةٍ أخرى قال حسان حسان، رئيس برنامج الجهات الفاعلة غير الحكومية في مركز السياسات العالمية في واشنطن: "كنت مطلعاً على بعض المحادثات العليا حول دعم دول الخليج للدور الذي قادته روسيا في سوريا بعد بدء حرب اليمن في مارس/آذار 2015. في ذلك الوقت كانت الإمارات تدفع تجاه فكرة تدخل روسيا لجلب الاستقرار لسوريا وتمكين نظام الأسد من استعادة سيطرته على البلاد".
وأضاف: "حين قرأت ادعاءات الجبري حول طلب بن سلمان تدخل روسيا في سوريا بدا ذلك لي منطقياً على الفور؛ بالنظر إلى المحادثات التي قرأتها في 2015 و2017".
كان من بين الآثار المترتبة على هذا التحول تجاه موسكو استنزاف الإرادة السياسية والموارد من جهود التحالف المشترك الذي ضم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وتركيا والسعودية والإمارات وغيرهم من أعضاء مجلس التعاون الخليجي لدعم لائحةٍ متفقٍ عليها من الجماعات المعارضة السورية.
بن سلمان غير موقف السعودية تجاه الأسد: كانت المبادرة التي أطلقها محمد بن نايف والجبري بالتعاون مع الاستخبارات المركزية الأمريكية تُعرف باسم غرفة الرياض؛ لأن ممثلي الدول المشاركة قد اجتمعوا في منشأةٍ في الحي الدبلوماسي من العاصمة السعودية، لمناقشة أي الفصائل سيدعمونها وأيها لن تكون مقبولةً.
حققت مبادرة غرفة الرياض بعض النجاحات في فرض بعض الانضباط وبعض الهيكلية للدعم الغربي والخليجي للقوى المناهضة للأسد عام 2014، لكنها سرعان ما تبددت في ربيع وصيف 2015 مع بزوغ نجم بن سلمان.
في يونيو/حزيران من ذلك العام سافر بن سلمان، الذي بات وقتها ولي العهد، إلى سانت بطرسبورغ حيث قابل بوتين. ومعاً وقعا اتفاقية تعاونٍ على النفط، وأبحاث الفضاء والطاقة النووية، لكنهما ناقشا كذلك، والكلام على عهدة الجبري، تدخل روسيا في الحرب السورية.
أعطاه قبلة الحياة: حين سمعت الاستخبارات المركزية الأمريكية بذلك النقاش طلب برينان لقاءً عاجلاً مع الجبري في يوليو/تموز في العاصمة الأيرلندية دبلن، التي تقع في منتصف الطريق تقريباً بين بلديهما، ليُعرب عن استياء الولايات المتحدة، وفقاً لمصدرٍ مطلعٍ على ما جرى بين الرجلين.
يقول المصدر: "كانوا (الأمريكيون) مستائين. كان الأمر كما لو أن بشار الأسد على وشك تلقي الضربة القاضية، ثم أعطاه بن سلمان قبلة الحياة".
من جهته رفض برينان، الذي تقاعد من الخدمة العامة ويعمل الآن على كتابة مذكراته، أن يُعلق على ادعاءات الجبري. كذلك لم يستجب المسؤولون السعوديون لطلبات التعليق.
بعد ذلك بأسبوعين التقى الجبري وبرينان مرةً ثانيةً في الولايات المتحدة والتقى في الفترة نفسها تقريباً عقد محادثاتٍ في لندن مع وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند الذي أعرب عن مخاوف مماثلة.
وحين عاد الجبري إلى السعودية حاملاً نتائج تلك المحادثات إلى مجلس الأمن الوطني اعتبرها بن سلمان تحدياً سافراً لسلطته وفقاً لما قاله المسؤول الاستخباراتي المنفي، ورتب للإطاحة به في العاشر من سبتمبر/أيلول قبل أقل من 3 أسابيع من بدء روسيا غاراتها على سوريا.