وأنت تشاهد عرضاً للدلافين، هل فكرت كيف بدأ ترويض هذه الأسماك الكبيرة وتدريبها لتقيم عروضاً في أحواض كبيرة لنتسلى نحن؟! في الحقيقة الفكرة ليست قديمة جداً، لكن بها قدر من الوحشية في تعامل الإنسان مع هذه الحيوانات.
سمعنا القصة من ريك أوباري، الذي اصطاد 5 دلافين ودرَّبها على مثل هذه العروض، التي من المفترض أن تكون مسلية، لكنه توقّف عن مهنته تلك بعد موت إحدى الدلافين. (بالمناسبة، أوباري أصبح ناشطاً يدافع عن الدلافين لإيقاف اصطيادها).
برنامج عن حياة الدلافين انتهى بمأساة.. انتحار الدولفين كاثي
في عام 1964، اصطاد ريك أوباري 5 دلافين لتصوير برنامج تلفزيوني اسمه Flipper، ثم قام بتدريبها خلال مواسم البرنامج الثلاثة، أثار العرض إعجاب الجمهور، وحظي بشعبية كبيرة، بل وساهم أيضاً في تطوير فكرة الحدائق البحرية التي استُخدمت الدلافين في عروضها كعامل جذب خاص للزبائن والسياح.
Flipper هي دولفين ذكية وماهرة، وهو الحيوان الأليف البري لشخصية بورتر ريكس وأبنائه ساندي وبود في البرنامج. يعيش فليبر في بحيرة بالقرب من كوخ صاحبها ريكس في المحمية البحرية في ولاية فلوريدا الأمريكية، يساعد برنامج فليبر في حماية الحديقة المحمية والحيوانات البرية فيها.
بالنسبة لفليبر، بطلة البرنامج، فهي في الحقيقة 5 دلافين إناث مختلفة، إذ صورت شخصية فليبر في البداية من قبل أنثى دولفين تدعى سوزي، ولكن بشكل رئيسي لعبت الدولفين كاثي العدد الأكبر من المشاهد. وفي بعض الأحيان مثلت الدلافين الأخريات باتي وسكوتي وسكيرت الدور نيابة عنها.
وقد تم اختيار إناث الدلافين لأنها أقل عدوانية من الذكور، وعادة ما تكون جلودها خالية من الندوب والتشوهات الأخرى المكتسبة في المشاجرات مع الدلافين الأخرى، واستخدم دولفيناً ذكراً في مشهد واحد فقط.
أدت الدلافين مهمتها على أكمل وجه، وبعد انتهاء التصوير للمواسم الثلاثة ببضع سنوات، بيعت بعض الدلافين، فيما بقيت كاثي داخل ناقلة من المعدن، وفي أحد أيام العام 1970 تلقى أوباري اتصالاً من مكان حوض الأسماك الذي تم فيه تصوير فليبر والاحتفاظ بكاثي، ليخبروه أن كاثي ليست على ما يرام.
يقول أوباري في مقابلة مع Front line إنه وجد كاثي مغطاةً بحروق الشمس، نتيجة بقائها على سطح الماء، وكانت زعنفتها مثنية جداً، ما يشير إلى أنها ليست بصحة جيدة. (الدلافين لا تتنفس كالبشر بشكل تلقائي، وكل نفس تأخذه هو فعل يتطلب جهداً منها، حيث تتنفس الأوكسجين من الهواء وتخزنه لتستطيع السباحة داخل الماء، ثم تصعد للسطح لتأخذ نفساً آخر).
سبحت الدولفين باتجاه صديقها أوباري، ونظرت في عينيه مباشرة، ثم أخذت نفساً وحبسته، وسبحت إلى قاع الخزان، لكنها لم تطفُ مجدداً، قفز أوباري داخل الخزان ليسحبها إلى السطح، ولكنه وجدها قد فارقت الحياة، فقد قرَّرت الانتحار بأن تنزل إلى قاع الخزان ولا تصعد مرة أخرى لتأخذ نفساً آخر.
بعد وفاة كاثي قرَّر أوباري أن اصطياد وتدريب الدلافين للاستعراض والتمثيل أمر غير إنساني، ويؤثر في نفسية الدلافين، خصوصاً عندما تُحبس منفردة في خزانات بعيدة عن بيئتها الطبيعية.
صياد الدلافين أصبح منادياً بتجريم الصيد
أثر موت كاثي على أوباري، الذي اعتبر نفسه مسؤولاً عن انتحارها، وفي يوم الأرض عام 1970، أسس أوباري مشروع الدولفين، وهي منظمة مكرّسة لتثقيف الناس حول مأساة الدلافين في الأَسْر، ومطالبة بإعادتها للحياة البرية. ومنذ ذلك الحين، أطلق أوباري سراح أكثر من 25 من الدلافين الأسيرة في هاييتي وكولومبيا وغواتيمالا ونيكاراغوا والبرازيل وجزرالباهاما والولايات المتحدة.
على مدار الأربعين عاماً الماضية، تحدَّث أوباري عن الآثار الضارة للأسر على الدلافين في محاضرات ومؤتمرات حول العالم، وكيف يتم التعامل معها بوحشية وضربها بعنف عند اصطيادها، والظروف غير الأخلاقية التي تعيش بها في خزانات معدنية تنتهي بموت العديد منها أو مرضها.
بالمناسبة، ألّف أوباري ثلاثة كتب بالتعاون مع كُتاب آخرين عن الدلافين. الكتب هي: Behind the Dolphin Smile وTo free a Dolphin (كلاهما مع Keith Colbourne)، ومؤخراً Die Bucht عن الدلافين التي نُشرت في ألمانيا. وقد حصل أوباري على جائزة الإنجاز البيئي، التي قدمتها اللجنة الأمريكية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة تقديراً لمساهمته في حماية الدلافين.
فيلم حاز أوسكار دعماً للدلافين
لم يكن أوباري وحده من يحاول مساعدة الدلافين من وحشية البشر، فقد ظهر أوباري في الفيلم الوثائقي الطويل الحاصل على جائزة الأوسكار في العام 2009 The Cove، من إخراج Louie Psihoyos، والذي يُحقّق في الروابط بين قتل الدلافين وأسرها والاتجار بها وعرضها في جميع أنحاء العالم.
يسلط الفيلم الضوء على حقيقة أن عدد الدلافين التي تقتل في تاجي باليابان في عمليات الصيد هي أكبر بعدة مرات من عدد الحيتان المقتولة في القطب الجنوبي.
حيث تم قتل حوالي 23000 من الدلافين وخنازير البحر بطريقة وحشية، بواسطة صناعة صيد الحيتان في البلاد، إذ يتم جذب الدلافين المهاجرة في خليج صغير، حيث يتم اصطيادها، ثم يتم أسر الصغار والجميلة لبيعها إلى أحواض الأحياء المائية والدلافين في جميع أنحاء العالم، ويتم ذبح البقية بوحشية وبيع لحومها بأسعار كبيرة.
لكن بعد مساعي أوباري وغيره من نشطاء الحياة البرية، بدأت بعض الحكومات في محاربة القتل الجماعي الوحشي لهذه الأسماك الذكية. فمع بداية عام 2020، بدأت الحكومة اليابانية بإزالة الأقمشة التي تُسحب الدلافين تحتها لتذبح أو تؤخذ في الأسر، كما تم رفع الأعمدة المستخدمة لدفع الدلافين إلى الخليج في تاجي ليتم ذبحها أو أسرها، وإزالة القوارب التي تحمل الصيادين.