يقول معهد "الأمن القومي" الإسرائيلي إن إعلان تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات خطوة دراماتيكية تُظهر إلى العلن علاقات وثيقة عمرها 20 عاماً بين جانبين لديهما مصالح مشتركة عميقة، وعلى رأسها المحافظة على "الستاتيكو الإقليمي".
لكن، كيف يمكن ضمان هذا الستاتيكو (مصطلح يطلق على حالة الجمود أو الهدوء السياسي) فيما يخص الشأن الفلسطيني؟ ثمة سؤالان مُلحان: الأول، كيف يؤثر الاتفاق على دور السلطة الفلسطينية حالياً؟ والثاني، هل سيتيح الاتفاق الفرصة للإمارات كي تقوم بأدوار تتعلق بصياغة مرحلة ما بعد عباس؟
إضعاف السلطة وحملة ضد عباس
يقول مصدر إسرائيلي لـ"عربي بوست" إن دور السلطة الفلسطينية من الناحية التقنية والجوهرية لن يتغير بعد الاتفاق الإماراتي ـ الإسرائيلي، لكن التغير الذي سيبدأ هو أنها ستشهد مزيداً من الضعف وزعزعة مكانتها، بالتوافق مع تعاظم الحملة الإسرائيلية خلال الفترة القادمة للترويج بأن سياسات الرئيس الفلسطيني محمود عباس تضر بالفلسطينيين لأنه يرفض كل شيء.
ولفت المصدر إلى أن تقرير مراسل هيئة البث الإسرائيلية "مكان" غال بيرغر المقرب من جهاز الاستخبارات قد أوحى ببدء هذه الحملة.
غال بيرغر المتخصص في الشؤون الفلسطينية، قال في تقريره: "كنت أراهن طيلة الوقت أنه لن تعلن أية دولة عربية اتفاق تطبيعها مع إسرائيل إلا بعد إبرام اتفاق الحل النهائي بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.. لكن أعترف أنني خسرت هذا الرهان، وأن الاتفاق الإماراتي ــ الإسرائيلي أكبر دليل على فشل سياسة أبومازن وأن دوره قد انتهى".
كما كشف المصدر المطلع أن إسرائيل ستتبنى نهجاً جديداً تجاه أبومازن، مفاده أن الرئيس لم يعد الشخص القادر على صنع السلام والرخاء للفلسطينيين، وأن تياره يفكر بمصلحته الخاصة. وأن هذه الحملة الإعلامية والسياسية توطئة لترتيبات ما بعد رحيل عباس عن السلطة، حيث ستدفع الإمارات نحو دور بارز للقيادي الفلسطيني المفصول محمد دحلان، وستنضج الأمور أكثر خلال الأشهر الأربعة القادمة بعد وضوح المشهد السياسي الداخلي في إسرائيل وأمريكا.
حراك مختلف العام المقبل
ويتوقع المصدر في حديثه مع "عربي بوست" أن العام المقبل 2021 سيشهد حراكاً إماراتياً إقليمياً ودولياً لدعم ملف العلاقة مع إسرائيل والملف الفلسطيني، والقيادة القادمة بعد عباس، بالتزامن مع الترويج لما تسمى "الضرورة البراغماتية لتقليل حجم الضرر"، حيث ستردده أصوات فلسطينية محسوبة على الإمارات.
وأن هذه الأصوات سوف تشدد على "وجوب الاستفادة من اتفاق التطبيع الإماراتي لمصلحة قضية فلسطين، وأن الاشتباك السياسي والإعلامي من قبل قيادة السلطة مع أبوظبي فيه خطورة بالغة على القضية".
ويذهب الباحث في معهد "الأمن القومي" الإسرائيلي د. عنان وهبة إلى تأكيد سيناريو التحضير لمرحلة ما بعد محمود عباس وليس استبداله، وقال لـ"عربي بوست": "بحكم تقدم أبومازن في السن، يُتوقع صعود قيادات معينة في حركة فتح لتكون ضمن المشهد السياسي القادم".
صخب يسبق عودة دحلان
يقول وهبة إن محمد دحلان سيعود إلى فلسطين بعد استبعاد محمود عباس، وسيكون هناك تحرك "براغماتي" في حركة فتح بموازاة صخب إعلامي وسياسي كبيرين لكي تتغير الصورة، ودحلان سيكون أحد القياديين المرشحين بقوة لرئاسة السلطة.
ويؤكد وهبة ــ المحسوب على معهد "الأمن القومي" لإسرائيل وشارك في إجراء دراسات سياسية واستراتيجية لها ــ أن دحلان من رجال الإمارات وسيكون له دور فعال في المرحلة القادمة بدعم مصري وسعودي أيضاً.
ويأتي الاتفاق الإماراتي –الإسرائيلي في وقت يجري فيه صراع خفي بين أقطاب حركة فتح، لدرجة أن كل قطب له ميليشياته المدججة بالسلاح لاستخدامه في أي صراع قد ينشب بعد رحيل عباس في إطار "معركة الخلافة".
وبينما توجد أقطاب في فتح ترى في نفسها الأهلية لخلافة عباس، إلا أن الإمارات ستؤدي دوراً في إطار إقليمي وستلعب على وتر أن إنقاذ السلطة لا يكون إلا من خلال المال من الجيب الخليجي، وحتى يتحقق ذلك لا بد من تزكية رجلها محمد دحلان من بوابة ضمان المال الوفير لتقوية السلطة واستقرارها".
وكانت تقارير أمنية صدرت عن جهاز "الشاباك" الإسرائيلي قد كشفت عن أن قطعاً من السلاح الخاص بالسلطة الفلسطينية، قد انتقلت خلسةً لجهة غير معلومة، وأن الجهاز يبحث عن المكان الذي خرجت إليه هذه الأسلحة والغاية منها.. وذلك في تلميح إلى أن قوىً بالسلطة وفتح، تزيد وتيرة جمع السلاح لتقوية نفوذ كل منها.
ويقول وهبة إن هناك أقطاباً في فتح مثل: جبريل الرجوب، وحسين الشيخ، ومحمود العالول، لهم قوة داخلية في "فتح" لكنهم يفتقدون التزكية والدعم الإقليمي والأمريكي، أما محمد دحلان فهو الذي يمتلك هذا العامل.
لكنّ وهبة يشدد على أن محمود عباس لن يُستبدل الآن، وإنما الحديث يدور عن ترتيب المرحلة التي تليه بعد لحظة رحيله عن السلطة.
تواصل سري بين دحلان وقيادات فتحاوية
من جهته، يرى مصدر فلسطيني يقيم في أمريكا ــ كان يعمل بمقر الرئاسة الفلسطينية في رام الله ــ أن الاتفاق بالفعل يتضمن عملاً مكثفاً للإمارات في الساحة الفلسطينية بما يضمن عودة محمد دحلان إلى المشهد السياسي الفلسطيني بعد رحيل عباس.
ويكشف المصدر لـ"عربي بوست" أن هناك اتصالات تجري سراً بين أقطاب في حركة "فتح" في رام الله مع محمد دحلان، بالرغم من إظهارها الولاء لمحمود عباس، وأن هذه القيادات تسعى لتعزيز تحالفاتها ضمن الاستعداد للمرحلة القادمة و خلافة عباس.
وذلك بالتزامن مع تبني الإمارات ضرورة عودة محمد دحلان للمشهد السياسي الفلسطيني في ظل وجود خلايا نائمة تابعة له ـ على حد تعبير المصدر – في الأراضي الفلسطينية وخاصة في المخيمات، هذا إلى جانب وجود دولة موازية له تملك دعماً مالياً وإدارياً.
لكنّ المصدر يرى أنها ستكون فرصة لدحلان ليكون مقرراً ضمن المشهد السياسي الفلسطيني القادم، أكثر من خيار أن يصبح رئيساً للسلطة، وأن الإمارات لا تعمل منفردة بهذا الجانب وإنما تحاول صياغة المشهد السياسي الفلسطيني ضمن تكتل إقليمي، إسرائيلي ــ أمريكي، وأن اتفاق التطبيع الذي وقعته مع إسرائيل قبل أيام يعزز دورها في هذا الجانب.
وكشف المصدر الذي عمل سابقاً في مقر الرئاسة أن الحالة الصحية لعباس في تراجع، وأنه بات كثير النسيان ولم تعد ذاكرته كما كانت، وهذا ما دفع الناطق بالرئاسة نبيل أبوردينة إلى الخروج بدلاً من عباس كي يلقي البيان الذي صدر فور اجتماع قيادة السلطة للرد على الاتفاق الإماراتي ـ الإسرائيلي.
وحول دور رئيس جهاز المخابرات الفلسطينية اللواء ماجد فرج في المشهد القادم، يشدد المصدر على أن اللواء فرج مدعوم أمريكياً وإسرائيلياً ما يضمن له هو الآخر حضور قوي بالمشهد السياسي بعد عباس، لكن ليس لدرجة أن يكون خليفة عباس، فضلاً عن الوضع الصحي غير المستقر للواء فرج، حيث يعاني من ارتفاع شديد بالسكر ويتعرض أحياناً للغيبوبة، ما يشكل عاملاً مهماً لاستبعاده من الرئاسة، مع ارتفاع حظوظه بدور مهم في رسم سياسة المرحلة المقبلة.
يرى مراقبون أن لعب الإمارات بالساحة الفلسطينية ستزداد وتيرته بالفترة القادمة، وتقول صحيفة "يديعوت أحرونوت" إن المطلوب لاحقاً من إسرائيل فحص كيفية تعميق نفوذ اتحاد الإمارات في الساحة الفلسطينية، وخصوصاً في الضفة الغربية، وفي الأساس من خلال الدفع قدماً بمشاريع مدنية واسعة النطاق.. ما يوحي بأن الدور الإماراتي المطلوب في هذا المضمار سيكون وفق المقاس الإسرائيلي.