شهد العراق، في الفترة الأخيرة، خرقاً أمنياً كبيراً للأمن القومي، كما وصفه العديد من المحللين الأمنيين العراقيين، بعد محاولة "اغتيال" رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي فجر الأحد عبر ثلاث طائرات مسيرة محملة بمتفجرات؛ تم إسقاط اثنتين منها، وسقطت الثالثة على مقر إقامة الكاظمي في المنطقة الخضراء.
ولم تكن هذه المحاولة سوى آخر المشاكل التي تتسبب بها الطائرات المسيرة، إذ سقطت أواخر شهر يوليو/ تموز 2020، طائرة من دون طيار، بالقرب من منزل الرئيس العراقي برهم صالح، بالمنطقة الخضراء في العاصمة العراقية بغداد.
مصدر أمني عراقي رفيع المستوى، قال لـ"عربي بوست": "اعتدنا رؤية الطائرات المسيَّرة في العراق، وزاد عددها في الأيام الأخيرة، لكن الأمر أصبح تهديداً كبيراً للأمن العراقي، ويجب اتخاذ المزيد من الإجراءات الصارمة لمواجهة تلك الظاهرة المثيرة للقلق".
لم تكشف أية جهة أمنية عراقية، عن مصدر الطائرة المسيَّرة التي استهدفت مقر إقامة الكاظمي أو تلك التي سقطت بالقرب من منزل الرئيس العراقي، أو الجهة التي تمتلكها، لكن المصدر الأمني أشار في حديثه لـ"عربي بوست"، إلى نوع من أنواع الطائرات من دون طيار.
وحول الطائرات التي سقطت بالقرب من منزل الرئيس العراقي العام الماضي، قال المصدر: "إحدى الجماعات المسلحة المقربة من إيران، هي من تمتلك هذا النوع من الطائرات المسيَّرة، وهي من لديها القدرة والجرأة على أن تمثل تهديداً كهذا".
فيما رفض المصدر أن يذكر اسم الجماعة الإيرانية التي تمتلك هذه الطائرات المسيَّرة.
تاريخ طويل مع الطائرات المسيَّرة
في يناير/كانون الثاني الماضي، وقع اغتيال قائد قوة القدس، التابعة للحرس الثوري الإيراني، الجنرال قاسم سليماني، وزعيم هيئة الحشد الشعبي العراقي، أبو مهدي المهندس، المقرب من إيران، بطائرة من دون طيار تابعة للولايات المتحدة.
حينها أُثير الحديث عن الفوضى التي يتسم بها المجال الجوي العراقي، وأثار العديد من الخبراء الأمنيين العراقيين ضرورة سنّ قانون لحماية سماء العراق، كي لا تُجر البلاد إلى حرب بالوكالة.
بدأ العراق تاريخه مع الطائرات المسيَّرة، منذ الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي، وكانت إيران قد طوَّرت طائرة استطلاع من دون طيار، لاستخدامها في حربها ضد العراق.
وبعد الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003، انتشرت الطائرات المسيرة الأمريكية في العراق بشكل كبير، واستمر الأمر عندما طلبت العراق مساعدة الولايات المتحدة في محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية"، فاستخدم التحالف الدولي بقيادة واشنطن الطائرات من دون طيار، في تحديد وضرب أماكن مقاتلي "الدولة الاسلامية".
الفصائل العراقية المسلحة
في معركة العراق ضد تنظيم "الدولة الإسلامية"، والتي لعبت فيها الفصائل المسلحة العراقية (الحشد الشعبي)، دوراً كبيراً، أمدَّت خلاله الجمهورية الإيرانية، الجماعات المسلحة العراقية المقربة منها، بالطائرات المسيَّرة، التي عملت على تطويرها، حتى باتت قادرة على حمل صواريخ ومواد متفجرة.
يقول مسؤول استخباراتي عراقي سابق، لـ"عربي بوست"، إن الفصائل المسلحة الموالية لإيران تلقت العديد من التدريبات على استخدام الطائرات من دون طيار، على أيدي عسكريين من الحرس الثوري الإيراني، "منذ عام 2013، وأصبحت الفصائل المسلحة تعتمد على الطائرات المسيَّرة، وحصلوا على تدريبات إيرانية لكيفية تطوير الطائرات من دون طيار داخل العراق".
تهديد القوات الأمريكية
في الأشهر القليلة الماضية، نشرت جماعة "عصبة الثائرين"، وهي فصيل شيعي جديد ومسلح، ولا يتبع هيئة الحشد الشعبي العراقي، مقطعاً مصوراً، تظهر فيه طائرة من دون طيار تابعة لها، تقوم بتصوير محيط السفارة الأمريكية الموجودة بالمنطقة الخضراء، في العاصمة العراقية بغداد.
واعتبر البعض بعد هذا المقطع، أن الفصائل الشيعية المسلحة باتت تمثل تهديداً كبيراً للقوات الأمريكية والبعثات الدبلوماسية الأجنبية في البلاد.
ويقول المصدر الأمني العراقي، لـ"عربي بوست": "زاد استخدام الفصائل المسلحة المقربة من إيران، للطائرات من دون طيار، وهددت بها القوات الأمريكية الموجودة في العراق، مما يعرّض البلاد لخطر كبير، لن تتمكن الحكومة العراقية من السيطرة عليه، وهي التي تحاول بشتى الطرق السيطرة على سلاح الجماعات المسلحة".
في المقابل، تستخدم قوات التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة، الطائرات من دون طيار، لضرب الفصائل المسلحة الشيعية الموالية لإيران، والتي تهدد وجودها في العراق.
لم يقتصر الأمر على التحالف الدولي فقط، ففي العام الماضي، شهدت مخازن السلاح التابعة للفصائل المسلحة الشيعية العديد من الهجمات بطائرات من دون طيار، قيل أإها تابعة لإسرائيل، وتسللت عبر الحدود العراقية السورية.
يقول المصدر الأمني العراقي: "في ظل عدم وجود نظام دفاعي جوي، فالجميع يعبث بأمن العراق من خلال استخدام الطائرات المسيرة".
عندما تعرضت مواقع الفصائل المسلحة المقربة من إيران، والمنتمية إلى هيئة الحشد الشعبي العراقي، للعديد من الهجمات في العام الماضي، بطائرات من دون طيار إسرائيلية، تحدثت بعض المصادر الأمنية العراقية إلى وسائل الإعلام، دون الكشف عن هويتها، عن أن ردَّ الفصائل المسلحة جاء باستخدام الأراضي العراقية، لضرب المنشآت النفطية في المملكة السعودية، باستخدام طائرات من دون طيار.
ويؤكد محلل أمني عراقي، في حديث لـ"عربي بوست"، فضَّل عدم الكشف عن هويته، أن "الجميع يعلم أن الهجوم على (أرامكو) تم من داخل الأراضي العراقية، بطائرات مسيَّرة استخدمتها الفصائل، كردٍّ على تورط المملكة العربية السعودية في الهجمات على مواقع الفصائل المسلحة، بجانب إسرائيل".
تهريب المخدرات وتنظيم "الدولة الإسلامية"
لا يقتصر استخدام الطائرات من دون طيار، غير الحكومية، على الفصائل المسلحة فقط، فمنذ عام 2014، استخدم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق الطائرات المسيَّرة، في ضرب مواقع القوات الأمنية العراقية، والاستطلاع لتسهيل دخول وخروج مقاتليه على الحدود العراقية السورية.
يقول النائب العراقي السابق حيدر الموسوي، لـ"عربي بوست": "إلى الآن ما زال داعش يستخدم الطائرات المسيَّرة بالعراق، وبالأخص في محافظة الأنبار، حيث توجد معسكرات التدريب التابعة له، ولا تستطيع الأجهزة الأمنية العراقية استهداف تلك الطائرات أغلب الوقت".
وأشار السيد الموسوي إلى أن بعض أفراد القبائل وعصابات التهريب تستخدم الطائرات المسيَّرة، لتهريب المخدرات على الحدود، أو الاستطلاع عن أماكن وجود القوات الأمنية.
يقول المصدر الأمني العراقي، لـ"عربى بوست": "يحاول الكاظمي السيطرة على التهريب عبر المعابر الحدودية، لكن لابد من وضع قانون ونظام فعال لاستهداف تلك الطائرات المسيَّرة، ضمن خطة مكافحة التهريب".
كيف تدخل الطائرات المسيَّرة إلى العراق؟
لا يوجد لدى العراق قانون يحظر استخدام الطائرات من دون طيار، كما يقول المحللون الأمنيون العراقيون، لكن يتم استيراد تلك الطائرات الخاصة بالتصوير، ويتم تطويرها داخل العراق لتصبح قادرة على حمل الصواريخ والمواد المتفجرة.
يقول حيدر. أ "اسم مستعار"، وهو مصور أعراس عراقي، لـ"عربي بوست"، إنه حصل على طائرة من دون طيار، من متجر أدوات التصوير، "لاستخدامها في تصوير حفلات الزفاف واستخدمها بشكل دائم في الحفلات والأعراس، ولا يُشترط الحصول على تصريح أمني لاستخدامها، فأغلب المصورين زملائي يستخدمونها بشكل طبيعي".
في السياق نفسه، وفي حديثه لـ"عربي بوست"، يقول قائد شبه عسكري، ينتمي إلى كتائب حزب الله المسلحة المقربة من إيران، إن مقاتلي الجماعات المسلحة لديهم القدرة على تطوير الطائرات المسيَّرة، فيقول: "ساعدتنا الجمهورية الإيرانية الإسلامية، في الحصول على هذه التكنولوجيا، أثناء حربنا ضد داعش".
يؤكد الخبراء الأمنيون العراقيون الذين تحدثوا لـ"عربي بوست"، ضرورة سيطرة الحكومة العراقية على الطائرات المسيَّرة غير الحكومية، التي تمتلكها العديد من الجهات، وزيادة استخدامها في الفترات الأخيرة تعرّض أمن البلاد القومي لخطر كبير، في ظل غياب نظام دفاع جوي قوي.