كثرت في الآونة الأخيرة أحداث الاعتداء على الوافدين في دولة الكويت من قبل بعض المواطنين، وكثرت بالأخص وقائع الاعتداء على العمال المصريين وكان آخرها واقعة صفع موظف الكاشير المصري العامل بجمعية صباح الأحمد، هذه الواقعة التي أدت لتقديم مدير الجمعية استقالته لعدم قدرته على نصرة الموظف البسيط.
على الوجه الآخر ألقت أزمة كورونا بظلالها على العلاقة بين البلدين، بعدما اكتشفت الحكومة الكويتية أن بها عشرات الآلاف من العمال المصريين يقيمون بالبلاد بصورة غير رسمية، كشفت هي الأخرى عن وجود شبكات مهمتها الاتجار بالإقامات وبيعها بأغلى الأثمان للعامل الفقير.
هذه الأزمة تسببت في وقوع أحداث شغب كثيرة في معسكرات احتجاز المصريين استعداداً لترحيلهم إلى مصر، فضلاً عن تخاذل النظام المصري في اتخاذ خطوات جادة في إجلاء رعاياه، وتركهم عبئاً على الدولة الكويتية، ما زاد الأمر تعقيداً.
وبين من يدفع بأن الأزمة مفتعلة ومن يراها نتاج خطاب كراهية وعنصرية يستشري في طبقات بعينها في المجتمع الكويتي، وبين من يراه نتاجاً ترهل في الوجود المصري الذي بات يشكل عائقاً أمام أبناء الدولة في الحصول على حقهم في الوظائف، تجد صوتاً عاقلاً يأخذك إلى مربع مختلف.
الطرف الثالث
إذ يرى المفكر الإجتماعي، الدكتور علي الطراح أستاذ علم الاجتماع أن كل ما نراه على الساحة ما هو إلا صنيعة طرف ثالث هو وحده من يريد المشهد ويخطط لأن تنزلق العلاقات بين الكويت ومصر شعبياً إلى هذا المنزلق الخطير، الذي هدد البلاد يوماً بأحداث لن تأتي بخير على أحد.
تحفظ الدكتور علي الطراح في حديثه مع عربي بوست على تسمية الطرف الثالث الذي أشار إليه بثقة، وقال لا يهم من هو، بقدر ما يهم أن نعرف إلى أين يأخذنا بأفعاله وتخطيطه وذبابه الإلكتروني.
ويقول الدكتور الطراح: "أنا من الجيل الذي تعلم وتتلمذ على يد العلماء المصريين في جامعة الكويت، ومنهم الدكتور محمد أبو ريدة والبروفيسور عبدالرحمن بدوي والدكتور فؤاد زكريا وغيرهم ممن علمونا، وأوصلونا لما وصلنا إليه، فأنا أعتز بهذه العلاقة مع الثقافة والمعلم المصري".
ويواصل: "ما حدث في الآونة الأخيرة كما يقولون إن كورونا كشفت أشياء كثيرة لنا وربما تكشف أشياء أكثر في الأيام المقبلة، فهناك طرف ثالث يريد أن يلعب لعبة للوقيعة بين الشعبين، ويريد العبث بهذه العلاقة، ولن أستطيع تسمية هذا الطرف".
ويستطرد: "لا تهمني العلاقة الرسمية بين الحكومات، بل أهتم بالعلاقات الشعبية بين أبناء الوطن فهي المعيار الحقيقي للقياس، وما حدث في أزمة العالقين، كشف لنا تجار البشر في البلدين واكتشفنا أنها شبكة كبيرة وليست سهلة".
تجار البشر والإقامات
"ثم اكتشفنا بعد ذلك أن هناك مسؤولين كويتيين يتعاملون مع تجار الإقامات واستطاعوا أن يستفيدوا مالياً، وهذا الجريمة أحدثت خللا في التركيبة السكانية أدى إلى نشوء حالة من الخوف بين الكويتيين، لذا طالبوا الدولة بتحقيق التوازن السكاني، والدولة اضطرت لذلك في ظل ما تعانيه من احتياج للعمالة الماهرة من الأطباء والمعلمين وغيرهم".
ولم يستثن الدكتور الطراح حكومة الكويت من المسؤولية عن استشراء تجار الإقامات في البلاد، وقال: "الحكومة الكويتية متهمة بترك هذا الملف لتجار البشر وتركتهم يخدعون هذه العمالة الفقيرة، فأين كانت وقتما دخل العمال بهذه الأعداد الكبيرة؟".
"لم يحدث هذا مع المصريين فقط، بل كانت هناك أزمة مع الجنسية البنغلاديشية إذ كانوا ممنوعين من دخول الكويت، لكنهم استطاعوا الدخول بدفع المال لبعض الوسطاء في الحكومة الكويتية".
ويواصل الدكتور الطراح: "استشعرت من دراستي لعلم الاجتماع ومتابعة السوشيال، أن هناك أطرافاً خفية لها مصلحة تريد أن تشعل فتنة بالكويت لسبب أو لآخر، لكنه أصبح أمراً معروفاً ومحاولات زجه الكويت في زوايا التوتر الذي نشاهده بالمنطقة العربية باتت مكشوفة".
ودعا الطراح في حديثه شعبي البلدين إلى ضرورة القفز على هذه الحالة المتعمدة وعدم الاستسلام لها والعمل على إفشال أي محاولة لتخريب الساحة الكويتية والمصرية، واتهم الطرف الثالث هذا بأنه هو الذي يوتر العلاقات الاجتماعية بين مصر والكويت لأغراض غير نزيهة.
البدون ليسوا وحدهم الفاعل
ونفى الطراح أن تكون شريحة البدون ـ هي فئة مجتمعية لا تحمل جنسية أو هوية تعيش بدولة الكويت ـ سبباً رئيسياً في تأجيج الأزمة بين مصر والكويت كما أشيع، وقال: "موضوع البدون هو قديم وليس جديداً وليس فقط في الكويت، وفاقدو الهوية كثيرون في العالم، ومن المؤكد أن من هذه الفئات بها مجموعات مستعدة لأن تفعل أي شيء لتحقيق أية مصالح، نتيجة الظروف التي تعيشها".
وأضاف: "لكن لا أريد أن أحمل هذه الشريحة كل المسؤولية، فمن يريد أن يخلق التوتر والصدام في داخل المجتمع الكويتي قد دخل بين أطيافه وبذل جهداً ودرس نقاط الضعف والقوة في المجتمع، ووجد أن ملف البدون من نقاط الضعف فدخل منه لخلق حالة التوتر في هذه الظروف".
وواصل: "حين تنظر للمشهد العربي تجده ممزقاً وفي فترات الأوبئة تقع أزمات مالية واقتصادية، والعالم الذي عشناه قبل كورونا، ليس كما سوف نعيشه بعده، فما نحن فيه هو البداية".
وشدد على أن الأزمة المصطنعة بين الكويت ومصر ما هي إلا جزء من مجموعة أجزاء وحلقة صغيرة من حلقات كبيرة، ونعلم أن الذباب الإلكتروني يقوم بدور كبير في ذلك، كما أن أزمة العالقين التي كشفت تجار البشر بالكويت ومصر، كشفت لنا أن وهناك قيادات في أجهزة كبيرة مثل وزارة الداخلية متورطين في هذه التجارة، التي أثرت في العلاقة بين البلدين".
دور الحكومات
ويعول الطراح على أن تجد حكومة البلدين مساحة مشتركة لتقييم الأزمة الراهنة للخروج منها وللوقوف على أسبابها، وقال: "إذا استطاعت القيادة في مصر والقيادة في الكويت الوصول لقناعة أن هناك طرفاً ثالثاً يستفيد من وقوع أزمة بينهما سيستطيعون تجاوز الأزمة بكل اقتدار، فهناك قنوات تواصل مختلفة تعمل ليل نهار على ازدياد الهوة بين الجانبين".
ودعا المفكرين والمثقفين وقادة الرأي، لأن يكون لهم موقف ودور لتفويت هذه الفرصة على الطرف الثالث وألا تتسع دوائر الكراهية بين مصر والكراهية أكثر مما وصلت إليه".
وانتقد الطراح بشدة، الخطاب الذي تتبناه النائبة في البرلمان الكويتي صفاء الهاشم، وقال: "أنا لا أوافق أبداً على ما تقوله صفاء الهاشم، لأنها تقوم بعملية شحن معنوي وتوظفه لمصالحها، وتركز على الأشخاص الذين يرون أن من يضايقهم في لقمة عيشهم مواطن مصري، وعلى العكس فربما من يضايقه في لقمة عيشه كويتي مثله وليس مصرياً".
وأضاف بلهجة غير متفائلة: "أتمنى أن نقف عند هذا الحد، لكن مع الأسف أتوقع أن نصل إلى الأسوأ".
ودعا إلى عدم تعميم وصف العنصرية على الشعب الكويتي، وقال: "دعني أقولها بهذا الشكل، لا نريد أن نخرج بتعميم على شعب بأكمله، فالخطاب العنصري الشعبوي سائد في كل عالمنا العربي وفي أوروبا وخطاب الكراهية يزداد فيها يوماً بعد يوم".
واستطرد: "العلاقة الحميمة بين الشعبين موجودة وقديمة لعدة عوامل، وهناك أيضاً من أستغل الخطابات الشعبوية من الجانب المصري، مثما تفعل صفاء الهاشم في الكويت لغرض خاص به، وللأسف وسائل التواصل الاجتماعي أعطت فرصة لهؤلاء أن ينتشر صوتهم ويؤثر، لكن هؤلاء صوتهم رخيص والناس لم تعد تستمع للحكمة والعقل".
ودعا عالم الاجتماع الكويتي إلى تجاوز موضوع الخلاف بين الكويتي والمصري، لموضوع أكبر هو الفوضى التي تستهدف المنطقة العربية، وقال: "إن هذا يجعلنا في حالة قلق كمفكرين مدركين لطبيعة الأوضاع التي تمر بها البلاد، والآن نحن ندفع ثمن استخدام وسيلة التواصل الاجتماعي لبث الفتنة وخطاب الكراهية، فهناك من يستخدمه في بث الكراهية بين السنة والشيعة، وهناك من يستغلونه للتفرقة الطبقية في مصر مثلاً".
واختتم: "نحن كمفكرين وأنتم كإعلاميين مسؤولون عن قيادة المرحلة التنويرية التي تهدف لرأب الصدع، فأي خلاف ينشأ بيننا في العالم العربي هو يصب قطعاً في صالح من يديرون المؤامرة علينا ويجب أن نفوت الفرصة عليهم وأن ننزع فتيل الأزمة بأيدينا قبل وقوع الكارثة".
لا حوادث كراهية في الكويت
ويرى الدكتور حمود القشعان، عميد كلية الدراسات الاجتماعية بدولة الكويت، أن الأمر ليس مشكلة ولا ظاهرة تستحق أن يتناولها الإعلام، وأن مواقع التواصل الاجتماعي ضخَّمت الأمر بصورة غير واقعية وجعلت للوقائع الفردية حيزاً في الإعلام، وهي ليست كذلك بالواقع.
وقال الدكتور القشعان لـ"عربي بوست": "من خلال عِلمَي الرواية والدراية فإن هذا النوع من المشكلات إعلامي وليس ميدانياً، وهناك قوى خارجية تحاول تأليب الشعوب على دولة الكويت وعلى المواطن الكويتي".
وأكد أن الوضع على أرض الكويت ليس كذلك، وقال: "هناك أغلبية نفسية لكن عددها قليل، تسيطر على وسائل التواصل الاجتماعي ونشطة مقابل أقلية نفسيةٍ، عددها أكبر، يتعايشون مع الناس ولا يظهر أدبهم في وسائل الإعلام، وهذا ما يجعل من القلة النشطة أكثر انتشاراً وتأثيراً من الكثرة الصامتة".
واعتبر القشعان أن وقائع الاعتداء التي تحدث بالكويت تحدث في كل دول العالم، لكن حين تقع بالكويت تجد من يتربص بها ليصعِّدها، ونفى أن يكون رئيس جمعية صباح الأحمد استقال لأنه لم يستطع حماية الموظف الذي اعتدى عليه مواطن كويتي، بل استقال لأن الموظف تنازل عن الشكوى ضد المواطن الكويتي".
ولخَّص الدكتور القشعان تقييم الوضع في أربع نقاط: أولاها أن هناك قوى خارجة تريد إثارة الفتنة بالكويت وهي قوى مخابراتية.
والثانية استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بصورة سيئة عززت من هذه التربصات المخابراتية وتكرار هذه الحوادث العنصرية.
والثالثة وجود تركيبة سكانية خاطئة، وهناك محاولات لحلحلتها دون الاستغناء عن جالية بعينها.
والرابعة أن هذه الحوادث لا تمثل جرائم كراهية، بل طبيعية ولكن الإعلام يضخِّمها ويعطيها أكبر من حجمها.
البترول والطبقة الوسطى
من جهته اعتبر الدكتور عبدالباقي شمسان أستاذ علم الاجتماع السياسي، أنَّ "تكرار حوادث من هذا النوع في بعض بلدان الخليج يرتبط ببدء توجُّه السلطة الخليجية في منحه تميزاً مادياً كبيراً مقابل تنازله عن حقه السياسي، وجعلت منه مميزاً على الوافدين.
والمنظومة القانونية في بعض بلدان الخليج تتعامل مع الوافد بدونيَّة، وهذا ساعد في اختلاف نظرة المواطن الخليجي إلى الوافد في بلاده، وعززت من سلوكياته الاستعلائية، ورأى البعض نفسه أسمى من غيره من زاوية تفوُّقه بالمال وأنه محمي في بلاده بقوة القانون".
وأرجع الدكتور شمسان هذا التحول في سلوك المواطن الكويتي أو الخليجي على حد وصفه، إلى تأثير طفرة اكتشاف البترول التي منحت حكومات هذه الدول فرصة لرفع مستوى معيشة مواطنيها، فتقرر عدم وجود طبقة وسطى، وإشعار المواطن بأنه مميز عن غيره في كل شيء، وهذا الشعور بالتميز خلق نظرة طبقية، وشيئاً فشيئاً تحولت هذه النظرة إلى الأسوأ تجاه الوافد، بأنه يأتي إلى بلاده لكي يحصل على المال لا ليبنيها".