وضع الانفجار الكبير الذي وقع في مرفأ بيروت الثلاثاء 4 أغسطس/آب 2020 حداً للأمل البسيط الذي كان يرجوه اللبنانيون بالخلاص من الآفات المتراكمة التي ضربت هذا البلد المتأزم سياسياً واقتصادياً.
كان الإغلاق المرتبط بالحد من انتشار جائحة كورونا قد أضر بالأعمال التجارية، ما أدى إلى تفاقم أزمة مصرفية تركت معظم اللبنانيين عاجزين عن الوصول إلى مدخراتهم أو حتى الاقتراض. الحكومة مفلسة، تخوض محادثات مع صندوق النقد الدولي من أجل خطة، وحتى تلك المحادثات بالكاد تتقدم. ثم جاء انفجار الثلاثاء ليحطم كل شيء أمامه، وليتساءل اللبنانيون عن أي مستقبل ينتظرهم في هذا البلد، حسب ما قالت وكالة Bloomberg الأمريكية الخميس 6 أغسطس/آب 2020.
لا أحد يسأل: يقول توني إيامي وهو يزيل بقايا حطام متجره الخاص باللحوم في أحد أكثر شوارع بيروت أناقة: "كنا نتعثر بالفعل، ونعيش بالكاد يوماً بيومه، لكننا الآن تلقينا ضربةً أسقطتنا أرضاً، إذا لم يفِق مسؤولونا، فنحن نهلك بالفعل. لكن إذا لم يفيقوا لما وقع الآن، فإن هذا الشعب قد انتهى".
أما سعيد، فيقول وهو يقف بين حطام نوافذ وأبواب الحانة التي يملكها في الجميزة: "لقد كانت البلاد والتجارة مغلقة بالفعل منذ أربعة أشهر بسبب جائحة كورونا. وكل ما يفعلونه هو فرض الضرائب والغرامات علينا. الدولة لا تبالي بنا. لا أعتقد أنه يمكنهم مساعدتنا. لا أعتقد أن أي شخص سيساعد".
أما عباس مطر الذي يعمل في صالة عرض مطابخ فاخرة بالقرب من المرفأ، والتي كانت ذات يوم تزود المنازل الراقية في جميع أنحاء لبنان، غير أنها الآن تواجه فاتورة إصلاحات تصل قيمتها إلى ملايين الدولارات قد لا يغطيها تأمين المكان بالكامل.
يقول مطر: "أنت تيأس في النهاية. كل الذين تولوا من عام 1990 إلى اليوم، يجب التخلص من جميع الوزراء والنواب، لأنك لن تزداد قذارة عما أنت عليه بالفعل. هناك أناس يسرقون ويغادرون، لكن ليس إلى ذلك الحد. الناس قد ماتوا، وأنت مستمر مع ذلك؟ هل ما زلت متشبثاً بكرسي السلطة بعد كل ذلك؟".
وكانت المناطق الواقعة خلف مرفأ بيروت من أكثر المناطق عصرية في مدينة مضطربة سياسياً تشتهر بحياتها الليلية. كانت مناطق الجميزة ومار ميخائيل والصيفي تكتظ بالحانات والمطاعم والمحال التجارية، إلى جانب المباني السكنية، التي جمعت بين المقيمين القدامى والعصريين. والآن هذه الأحياء القديمة من بين الأكثر تضرراً بعد الانفجار.
أزمات متتالية: الانفجار الذي كان وقوده شحنة ضخمة من مادة نترات الأمونيوم المخزنة في أحد مستودعات المرفأ على الرغم من التحذيرات المتكررة بشأن السلامة العامة، لم يكن ليأتي في وقت أسوأ من هذا الوقت للبنان، الذي يعاني أعمق أزمة سياسية ومالية تشهدها البلاد منذ انتهاء الحرب الأهلية في 1990.
المدينة تعاني من انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة يومياً، بينما تُترك أكوام القمامة دون جمعها ملقاةً في الشوارع، وصل إلى نهايته مع انهيار سعر العملة وارتفاع معدلات التضخم إلى ما فوق 50%، ما أفقد الناس مدخراتهم التي جمعوها على مدار حياتهم. والآن، أخرج الانفجار المرفأ الرئيسي في البلاد عن العمل ودمر صوامع تخزين الحبوب الأساسية، ما يعني مزيداً من ارتفاع الأسعار في ظل تعطل سلاسل التوريد.
يقول أيهم كامل، رئيس قسم أبحاث الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجموعة "أوراسيا"، في تقرير له: "قطاعات كبيرة من الجمهور العام لم تعد مؤمنة بأن الحكومة الحالية قادرة على إدارة البلاد. والآن ستتفاقم الأزمة الاقتصادية أيضاً لأن المرفأ هو الصمام التجاري الرئيسي وقاعدة لكثير من السلع المخزنة التي كانت في انتظار انتهاء إجراءاتها ودخول البلاد".
تشير الوكالة إلى أن الحكومة الحالية التي شُكّلت في يناير/كانون الثاني الماضي بعد احتجاجات حاشدة أسقطت الحكومة السابقة، قد لا تدوم في ظل عجزها عن الحصول على دعم أجنبي كبير أو إدارة إجراءات التعافي الاقتصادي أو حتى ضمان السلامة العامة. وعلى الرغم من أن مشكلات لبنان ناجمةٌ عن تراكم سياسات المحسوبية وسوء الإدارة العامة على مدى عقود، فإن الحكومة الحالية تواجه انتقادات، لأنها لم تفعل سوى أقل القليل لإدارة الأزمات المتعددة التي تواجهها البلاد.