تبدو خطة إيران لمواجهة البحرية الأمريكية في الخليج أشبه بهجوم سرب من الحشرات على وحش عملاق، وهي تطور سلسلة من الأسلحة المخصصة لهذه الاستراتيجية التي يأخذها القادة الأمريكيون على محمل الجد، رغم أنها غير مجربة من قبل.
فاستخدام أسراب من الزوارق المدججة بالسلاح لشن هجمات لامتناظرة على الأصول البحرية هي استراتيجية إيران البحرية، التي لا تخجل من إعلانها، حسبما ورد في تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية.
فيديو يظهر استيلاء إيران على حاملة طائرات
ونشرت إيران فيديو يُصوِّر سرباً من الزوارق المسلحة بصواريخ وهي تطلق وابلاً من الصواريخ على نموذج ضخم لحاملة طائرات أمريكية في مياه الخليج.
وإلى جانب الزوارق المزوّدة بصواريخ، لاحظوا أيضاً وجود صواريخ باليستية مضادة للسفن وأصول أخرى يمكن توجيهها لاستهداف الأهداف البحرية.
وفي حادثة أخرى تمثل مفارقة، أُعِدَّ المُخطَّط العسكري الأمريكي الذي يوضح التكتيكات الإيرانية وتبنَّته وسائل الإعلام الإيرانية للترويج لقوتها العسكرية.
بل وصمَّمت البحرية الأمريكية سفنها الحربية من طراز "ليتورال" وهي تضع في حسبانها الزوارق الإيرانية السريعة.
إيران لديها بحريتان وجغرافية الخليج تعمل لصالح زوارقها الصغيرة؟
وتُعَد كلٌّ من الملاحة المدنية والعسكرية في مياه الخليج عُرضة بشكل استثنائي للألغام، وصواريخ كروز، وهجمات الزوارق السريعة، لأنَّ مضائقها الضحلة تجبر السفن الكبيرة على الالتزام بطرق عبور متوقعة.
وتُعَد إيران استثنائية لأنَّ لديها بحريتين: الأقدم، وهي البحرية الإيرانية "النظامية"، والتي تركز على تشغيل طرَّادات وفرقاطات وزوارق صواريخ أكبر، إلى جانب ما يزيد عن 12 غواصة. ومنطقة عملها بالأساس هي المناطق الأبعد في مضيق هرمز وخليج عُمان والمحيط الهندي. لكنَّ غواصاتها القزمية البالغ عددها 22 من طراز "غدير" ملائمة للغاية لحرب الكمائن في مياه الخليج الضحلة والصخرية.
وفي الوقت نفسه، يملك الحرس الثوري الإيراني شبه العسكري هو الآخر البحرية الخاصة به، والتي تتجاوز أكثر من 1500 زورق سريع، مصممة للهجمات الاحتشادية "Swarming" السريعة في المياه الساحلية الضحلة للخليج.
وفيما يتعلَّق بـ"الزوارق المدنية"، يجمع الحرس الثوري المئات من الزوارق السريعة والصغيرة الشبيهة بزوارق "بوسطن ويلر– Boston Whaler" ذات المقصورة المفتوحة، تكون مزودة عادةً بمنصات إطلاق صواريخ غير مُوجَّهة، وقذائف صاروخية، وصواريخ مضادة للدبابات ورشاشات عديمة الارتداد. وتشمل المنصات الشائعة الأخرى زوارق Boghammar السويدية، وقوارب Zodiac المطاطية القابلة للنفخ. ويمكن وضع هذه المركبات المائية الصغيرة على الجزر المعزولة ومنصات النفط وسط الخليج.
وقاموا بتقليد زوارق بريطانية سريعة
لكنَّ إيران تصنع أيضاً زوارق حربية سريعة متخصصة ذات قدرات أكثر إثارة للإعجاب. أحد الأمثلة على ذلك زورق "سراج-1″، وهو عبارة عن نسخة مُهندَسة عكسياً من الزورق البريطاني السريع Bladerunner 51 بعد شرائه من جنوب إفريقيا. وتُظهِر الصور أنَّ هذه الزوارق مُسلَّحة بنظام قاذفة صواريخ متعددة ومدفع رشاش ثقيل مضاد للطائرات على مقدمة الزورق. وتفيد تقارير بأنَّ الزورق يمكنه الحفاظ على سرعة بين 55 إلى 72 عقدة.
ويملك زورق "ذو الفقار" المُصمَّم محلياً (يمكن رؤيته في هذا الفيديو) سرعة قصوى تصل إلى 70 عقدة، ويحمل راداراً مُدمَجاً وقاذفتي صواريخ لصواريخ كروز من طراز نصر-1 عند مؤخرة الزورق.
ويصل مدى صاروخ نصر-1 إلى 22 ميلاً (35.4 كم تقريباً)، ويمكنه استخدام التوجيه بالأشعة تحت الحمراء أو بالرادار أو التوجيه التلفزيوني.
وتشمل المركبات المائية الإيرانية الغريبة أيضاً الزوارق شبه الغاطسة المُصمَّمة للغطس جزئياً تحت الماء، لتجنُّب اكتشافها من أجل القيام بعمليات تخريبية، وإنزال القوات الخاصة، والتجسس.
وأخيراً، وفيما يتعلق بالمركبات الثقيلة، يمكن للحرس الثوري نشر 20 زورقاً هجومياً سريعاً من طراز "تندر" المُسلَّح بأربعة صواريخ مضادة للسفن من طراز C802 لكلٍّ منها، إلى جانب 10 زوارق طوربيد من طراز "تير 2".
اندفاع جنوني نحو القطع البحرية العملاقة.. فهل تستنفد الأعداد الذخائر الأمريكية؟
وإن كانت التكتيكات الشبيهة بفيلم "Mad Max"، المتمثلة في الاندفاع نحو العدو بأقصى سرعة وفي أسراب من المركبات الآلية مفتوحة السقف والمُثبَّت فوقها أسلحة تبدو غريبة، فإنَّ لها منطقاً معيناً بالنسبة لإيران.
فالزوارق الصغيرة معقولة التكلفة لها بصمة رادارية صغيرة، وهذا إلى جانب سرعتها من شأنه أن يُقلِّص وقت رد الفعل من جانب الهدف بصورة كبيرة.
والأهم من ذلك، قد تطغى أعدادها الكبيرة على المنظومات الدفاعية الباهظة على متن السفن الحربية الأمريكية، بجعلها تستنفد ذخيرتها إن لزم الأمر.
ماذا حدث عندما حاكى المارينز خطة إيران لمواجهة البحرية الأمريكية؟
استخدم الجنرال بقوات مشاة البحرية الأمريكية (المارينز) بول فان ريبر استراتيجية مماثلة لهجمات صاروخية احتشادية، في مناورة أمريكية لمحاكاة وضع حرب مع إيران.
وقاد الجنرال "فريقاً أحمر" في مناورات عسكرية أمريكية سُميت "تحدي الألفية 2002".
شنَّ فان ريبر ضربةً استباقيةً ضد قوة برمائية أمريكية مقتربة، باستخدام وابل هائل من صواريخ كروز المضادة للسفن، أدَّت إلى إشباع (استنفاد) منظومات الدفاع الجوي للقوة الأمريكية من طراز Aegis. ترافق هذا مع هجوم احتشادي بالزوارق السريعة. وقد أدَّى هجومه إلى إغراق 6 سفن وقتل 20 ألف فرد من "الفريق الأزرق".
خليط من الصواريخ والألغام والزوارق
ومع أنَّ المرء لا يمكنه استنتاج الكثير من مناورة واحدة، فإنَّ تكتيكات فان ريبر تُظهِر أيضاً أنَّ أسراب الزوارق لن تُستخدَم إلا باعتبارها عنصراً ضمن استراتيجية أكبر، من شأنها أن تضم صواريخ كروز أرضية طويلة المدى، وسفن، وطائرات استطلاع بدون طيار لتوجيه الصواريخ نحو الأهداف، وهجمات بالغواصات القزمية، والألغام البحرية.
وعلى سبيل المثال، قد يعرقل مخزون إيران الضخم المكون من أكثر من 3 آلاف لغم بحري الوصول إلى الخليج على نحوٍ خطير، ويمكن زرعها من خلال زوارق صغيرة من طراز "عاشوراء"، والغواصات، والطرَّادات، والمروحيات وما إلى ذلك.
ويمكن للطائرات الإيرانية المحلية بدون طيار، أو الحوامات الإيرانية العجيبة ذات التأثير الأرضي (ground-effect) أن تتجسس على مواقع سفن العدو ونقل إحداثيات الاستهداف إلى الصواريخ الموجودة على اليابسة.
واستوردت إيران صواريخ C802 Silkworm الصينية التي يصل مداها إلى 120 ميلاً (193 كم تقريباً)، إلى جانب صاروخ كروز المحلي من طراز "نور"، وهو صاروخ عُكِسَت هندسته، وبدأت العمل على صاروخ كروز المضاد للسفن من طراز "قدير"، ويصل مداه إلى 200 ميل (322 كم تقريباً).
ويتراوح اتساع الخليج فقط ما بين 35 إلى 212 ميلاً (من 56.3 كم تقريباً إلى 341.2 كم تقريباً).
يجدر الاستنتاج من خلال المراقبة أنَّ استراتيجية إيران البحرية هي استراتيجية طرف مستضعف عسكرياً يهدف لردع الخصوم الأقوى.
فإيران تريد من أعدائها أن يخشوا من أنَّ أي حرب غربية مع إيران ستؤدي إلى ضرر جسيم بالناقلات التي تحمل ثلث نفط العالم عبر مضيق هرمز، وأن تفكر البحرية الأمريكية مرتين كلما أقدمت على نشر حاملات طائراتها في مياه الخليج.
هذا، ولم تُختَبَر إمكانية استفادة أسراب الزوارق السريعة بشكل حقيقي من المياه الساحلية الضيقة للخليج وتُثبت فاعليتها في مواجهة السفن الحربية الحديثة في قتالٍ حقيقي حتى الآن، ونأمل ألا تُختَبَر أبداً.