انتهت جلسة التصويت على سحب الثقة من رئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي بفشل مقدميها في تمريرها، وتم تجديد الثقة في الرجل، فهل يعني ذلك أن الأزمة السياسية في البلاد قد شهدت فصلها الأخير، وأن نواب الشعب سيتفرغون لمواجهة التحديات الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها التونسيون؟
ما نتيجة التصويت؟
أعلن النائب الثاني لرئيس مجلس نواب الشعب التونسي، طارق الفتيتي، اليوم الخميس 30 يوليو/تموز 2020، تجديد الثقة في رئيس المجلس راشد الغنوشي، إثر سقوط لائحة سحب الثقة منه، وأعلن الفتيتي أن 97 نائباً فقط وافقوا على سحب الثقة، في حين رفض 16 نائباً، بحسب مراسل الأناضول.
وكان سحب الثقة يتطلب تأييد 109 من أصل 217 نائباً في البرلمان، وشارك في التصويت 133 نائباً وتم تسجيل 18 ورقة ملغاة واثنتين بيضاوين (بلا تصويت)، وامتنعت كتلتا "حركة النهضة" (يترأسها الغنوشي- 54 نائباً) و"ائتلاف الكرامة" (19 نائباً) عن المشاركة في التصويت، وكانت قوات الأمن قد كثفت من تواجدها في محيط مقر البرلمان بالعاصمة، وفرضت طوقاً أمنياً على الطرقات المؤدية للمجلس.
"الثورة والشرعية تنتصران"
كان مجلس نواب الشعب التونسي (البرلمان) يشهد حالة من الشد والجذب يُرجعها كثير من المراقبين إلى تفتت الكتل في داخله، كنتيجة للتصويت العقابي في الانتخابات العامة الأخيرة، والتي لم تعطِ أغلبية واضحة لأي من الأحزاب، وما جلسة سحب الثقة من الغنوشي المقررة الخميس سوى حلقة من حلقات تلك الأزمة.
وكانت الجلسة عامّة وتحمل بنداً واحداً، وهو عرض لائحة سحب الثقة من الغنوشي، والتي طرحتها 4 كتل نيابية، وكانت الجلسة مفتوحة على خيارين اثنين؛ أوّلهما تمرير لائحة سحب الثقة من الغنوشي وتنحيته عن رئاسة البرلمان، وتقديم مرشَّح بديل لخلافته من قبل الكتل صاحبة اللائحة وانتخابه في الجلسة ذاتها.
أمّا الخيار الثاني فتمثّل في إسقاط اللائحة وبقاء الغنوشي في منصبه للمدّة النيابية المتبقّية (2020- 2024)، وتحوّلت بذلك جلسة سحب الثقة منه إلى جلسة إعادة تزكية وتجديد للثقة به، وهو ما حدث بالفعل، وعبر عنه الغنوشي في تغريدة له بالقول: "شكراً على ثقتكم، تونس والثورة والشرعية تنتصر"، وأرفق التغريدة بصورة مكتوب عليها: "شكراً على ثقتكم.. حماية المسار سنعمل على ذلك.. حماية الشرعية سنعمل على ذلك.. الدولة القوية والعادلة مسؤولية النهضة".
الكرة الآن في ملعب "المعادين للثورة"
الأزمة التي يفترض أنها انتهت اليوم بدأت في ظل اتهامات وأحاديث من سياسيين وناشطين، لجهات داخلية وخارجية "معادية للربيع العربي"، بالسعي لحشد الدعم للائحة سحب الثقة.
وبدأ الفصل الحالي من الأزمة باعتصام نواب "الحزب الدستوري الحر"، في مقر البرلمان، لأكثر من أسبوعين، خلال يوليو/تموز الجاري، وتعمّد هؤلاء النواب منع انعقاد جلسات عامّة كانت مخصصة للتصويت على مشاريع قوانين وانتخاب أعضاء المحكمة الدستورية، وطالبوا بعقد جلسة عامّة لسحب الثقة من الغنوشي.
وفي 16 يوليو/تموز، أعلنت 4 كتل في مؤتمر صحفي، إيداع لائحة لسحب الثقة من الغنوشي بمكتب الضبط بالبرلمان، بعد استيفائها عدد التوقيعات المطلوبة وهي 73 توقيعاً.
وعلّلت الكتل المتقدمة باللائحة هذه الخطوة بأنها "جاءت نتيجة اتخاذ رئيس البرلمان قرارات بشكل فردي دون الرجوع إلى مكتب البرلمان (أعلى هيئة)، وإصدار تصريحات بخصوص العلاقات الخارجية لتونس، تتنافى مع توجّه الدبلوماسية التونسية"، بحسب رأيهم.
وطالما أعلنت رئيسة "الدستوري الحر"، عبير موسى، في تصريحات سابقة، أنها تناهض ثورة 2011 التي أطاحت بنظام زين العابدين بن علي، وتُجاهر بعدائها المستمر لحركة النهضة.
وفي 22 يوليو/تموز، اتّهم رئيس الكتلة البرلمانية لحركة "النهضة"، نور الدين البحيري، رئيسة كتلة "الدستوري الحرّ"، ونوابها، بتمهيد الطريق لقوى خارجية، هي "الإمارات ومصر"، للانقلاب على "الدولة التونسية المنتخبة".
وثمة اتهامات لدول عربية، خاصة الإمارات، بقيادة "ثورة مضادة"، لإسقاط الأنظمة الحاكمة في دول عربية شهدت ثورات "الربيع العربي"، وعادة ما تنفي أبوظبي والقاهرة تدخلهما في شؤون دول أخرى.
نصاب منقوص
وكان متوقعاً أن يشهد تمرير لائحة سحب الثقة صعوبة في جمع الأغلبية المطلوبة، وهي 109 أصوات من أصل 217 صوتاً، خصوصاً أن عدد الموقّعين على اللائحة حالياً لم يتجاوز 73 نائباً، والكتل التي كانت قد أعلنت أنها ستصوّت على سحب الثقة هي نفسها الموقّعة على اللائحة، وهي: الديمقراطية (38 مقعداً)، وتحيا تونس (10 مقاعد)، والإصلاح (16 مقعداً)، وجزء من الكتلة الوطنية (11 مقعداً)، وهذه الكتل مجتمعة تمتلك 75 صوتاً.
وعقب تقديم اللائحة، أعلنت عبير موسى، رئيسة كتلة "الدستوري الحرّ" (16 مقعداً)، في تصريحات إعلامية، "مساندتها لهذه اللائحة وعزم كتلتها التصويت لصالحها في الجلسة العامة"، رغم أن الكتل الموقِّعة على اللائحة كانت قد رفضت قبول توقيعات كتلة "الدستوري الحرّ" عند إيداعها بمكتب الضبط بالبرلمان، رغم إصرار "موسى" على تضمين إمضاءات كتلتها.
الكتل الرافضة وثقة الغنوشي
الكتل التي أبدت رفضها للائحة سحب الثقة، هي النهضة (54 مقعداً)، وائتلاف الكرامة (19 مقعداً)، وقلب تونس (27 مقعداً)، والمستقبل (9 مقاعد)، وفي تصريح سابق للأناضول، وصف رئيس المكتب السياسي لحركة النهضة، نائبها بالبرلمان، نور الدين العرباوي، تقديم لائحة سحب الثقة بـ"العملية الاستعراضية التي ليس لها أي أفق ولن تمر"، حسب قوله.
واستبعد العرباوي أن "تُحصّل اللائحة المعروضة أغلبية 109 أصوات في الجلسة العامة"، وأكد أن "العبرة ليست بتجميع 73 توقيعاً لإيداع اللائحة بمكتب البرلمان، بل بتحصيل 109 أصوات يوم الجلسة العامة لتمرير اللائحة".
أما الغنوشي فقد قال سابقاً إنه "واثق من أنها ستكون لحظة لتجديد الثقة بي رئيساً للبرلمان وإعادة تزكيتي"، وأضاف الغنوشي في تصريح إعلامي، عقب اجتماع للمكتب بمقر البرلمان، الجمعة: "لم آت على ظهر دبابة لرئاسة البرلمان، بل جئت بالانتخاب، ولست منزعجاً من (لائحة) سحب الثقة مني، لذلك قبلنا إعادة اختبار الثقة".
"تجاوزت الاعتراضات الشكلية التي تحتوي عليها اللائحة وهي كثيرة، وكان من الممكن إسقاطها شكلاً في اجتماع المكتب، ولنا الأغلبية لذلك. قبلنا التحدي احتراماً لإرادة 73 نائباً، الذين تقدموا باللائحة، وهذا عدد ليس قليلاً، واحتراماً للديمقراطية التونسية".
وأضاف الغنوشي: "أنا قدمت طوعاً مقترحاً بإنهاء الجدل داخل المكتب حول اللائحة وتمريرها إلى الجلسة العامة، وتم إقرارها دون اعتماد التصويت على تمريرها من عدمه".
وقبل الجلسة كان يأمل كثير من المراقبين أن تمثل -بغض النظر عن نتيجتها- نهاية للأزمات التي يشهدها البرلمان، حتى يتفرغ الأعضاء لمناقشة وتمرير القوانين المعلقة، خصوصاً في ظل الأزمة المالية الطاحنة التي تواجهها البلاد من جراء تداعيات وباء كورونا، والسؤال الآن هو هل يلتزم المعارضون داخل البرلمان بإسدال الستار على الأزمة بالفعل، أم يفتعلون مزيداً من الأزمات؟.