يمكن أن تكون فترة الوباء فرصة للتنويع في الكتابات وأن تُطرح بعض المواضيع الجديدة وكذا بعض الأبحاث الميدانية التي من شأنها أن تثري المجال البحثي في المستقبل. فلزمن طويل ظل موضوع الوباء موروثاً أدبياً شغل عديداً من الروائيين والكُتاب؛ فمنهم من دوَّن لوعة فراق الأحبَّة بالوباء، ومنهم من عاش معاناة البعد وقوانين العزل الصحي والفرار من الموت. لكن إذا ما أمعنّا النظر في جُل تلك الكتابات نجد أنها لم تنطوِ كثيراً على دراسات مسَّت الجوانب السياسية أو دراسات تواكب تلك الأزمة آنذاك والتي يتحدث فيها السياسيون ووسائل الإعلام والأطباء وكل وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا راجع إلى عدم وجود هذه الأخيرة. لهذا سنحاول في هذا المقال تسليط الضوء على بعض تأثيرات جائحة كورونا على المواطن العربي عامة والجزائري بشكل خاص.
على خلاف ما فعلته الدول المتطورة في بداية انتشار الوباء، من انتهاج سياسة الغلق الشامل والكلي لمختلف قطاعات الدولة والنهوض بعمليات التأهب لأي طارئ، في المقابل نجد أن بعض الدول العربية لم تطبق قوانين الحجر الصحي بالطريقة الصحيحة؛ وهو ما أدى إلى تذمر شعوبها منها، والجزائر واحدة من بين الدول العربية التي عانت منذ بداية جائحة كورونا وإلى يومنا هذا. فالقرارات التي صدرت بخصوص سياسة الغلق الشامل ومدى تقبُّلها من طرف المواطن بمختلف طبقاته- كانت سبباً في زيادة حدة التوتر بين الدولة والمواطن، وذلك لأن السيل المستمر من الأخبار والذعر الذي يتلقاه المواطن، من مختلف القطاعات، الناتجة عن الوباء، أديا بالضرورة إلى زيادة القلق؛ ومن ثم كانت له آثار فادحة على الحالة النفسية ومنه على تقبُّل المواطن للقرارات التي تصدر عن الدولة بحد ذاتها.
نجد أن الدولة الجزائرية تأخرت في إدراك مخاطر الوباء وكذا عدم توعية المواطن وبذل المجهودات اللازمة لذلك. ففي بداية الأزمة نقلت وسائل الإعلام تصريحاً حصرياً لوزير النقل الجزائري، بأن "الوباء سينجلي مع بداية ارتفاع درجات الحرارة"، رامياً بحياة المواطن عرض الحائط، بعدها بدأت الهتافات تتزايد للحصول على المستلزمات الطبية من مواد للتعقيم وأجهزة التنفس التي شهدت ندرة رهيبة.
وتزامناً مع تلك الأوضاع لم تتخذ السلطات المعنيَّة أي قرارات بالوقف الكلي للرحلات من أوروبا وهي البؤرة الثانية للوباء بعد الصين آنذاك، مع افتقار المطارات الجزائرية شبه الكلي لأدوات الكشف والفحص الفوري عن فيروس كورونا. بعدها جاء قرار من الحكومة الجزائرية تفرض فيه الحظر التام لولايات الدولة كافة، وعززت هذا القرار بإجراءات تعليق الدراسة وغلق المساجد وتمشيط كلي للأسواق الشعبية. لكن القرار الأخير لاقى تراخياً من طرف المواطن في تطبيقه، وهو ما زاد الأمور تعقيداً، غير أن اللوم الأكبر كان واقعاً على عاتق الدولة؛ لفرضها الحظر الكلي دون مراعاة ظروف المواطن البسيط، فكانت نتائجه طوابير بمئات من الأشخاص، بغية اقتناء أدنى شيء ليسدَّ رمق المواطن في عز الأزمة.
من جانب آخر نجد المستشفيات التي لاقت انتقادات جمّة قبيل الجائحة وما بعدها، فلقد عانت في خضم هذه الأزمة من انعدام تام للثقة من طرف المواطن، فبات القطاع الصحي يلقى تذمُّراً من طرف المواطنين الذين ترجموا معاناتهم، محاولين إيصالها عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي.
نأمل غداً أفضل وقطاعاً صحياً متطوراً للخروج من هذه الأزمة بأقل الأضرار، وذلك بالإسراع في أعمال البحث والابتكار للأمور ذات الأولوية القصوى بالقطاع الصحي، وكذا محاولة الحث على مدى أهمية التنسيق بين المواطن ومؤسسات الدولة للخروج بأحسن الحلول من هذه الجائحة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.