عميقةٌ هي ذكريات الاستبداد والقمع والحصار بشأنه في محافظة تعز جنوب غربي اليمن، إذ لطالما أثار اسم "الرئيس الراحل علي عبدالله صالح" العداء بين سكانها، أو على الأقل هذا ما كانت الأمور عليه فترة طويلة.
أما اليوم، حسب تقرير موقع Middle East Eye البريطاني، فينضم يمنيون فقراء في تعز إلى صفوف ابن شقيقه طارق محمد عبدالله صالح، الرجل الذي يرى كثيرون أنه مسؤول عن مئات القتلى في المحافظة. وهم ينضمون إليه لسبب واحد: المال الإماراتي.
يتمتع طارق بسمعة؛ لكونه جزءاً من نظام لطالما كان لديه كثير من الأعداء في تعز، خاصةً بين نخبة المدينة التي تعتبر أكثر مدن اليمن حصولاً على التعليم، وفي مقدمة هؤلاء أعداء النظام السابق مؤيدو حزب الإصلاح، وهو طرف محلي نجح في البقاء متحالفاً مع السعودية ومعادياً للإمارات.
كما أن العنف الذي مارسه طارق صالح بشخصه ترك أثراً تصعب إزالته أيضاً، فهو متهم بقيادة حملة قمع كاسحة ضد الاحتجاجات المناهضة لصالح في عام 2011. وخلال خدمته اللاحقة بصفوف قوات عمه المخلوع عام 2014، تحالف مع التمرد الحوثي الذي أشعل حرب اليمن التي ما تزال مستمرة حتى الآن، تلك الحرب التي دمرت تعز ومثلها مدن أخرى.
بعد مقتل عمه عام 2017، جمع طارق صالح بقايا قواته، متوجهاً إلى جنوب غربي اليمن. وبواسطة الأسلحة والأموال التي تسلمها من رعاته الجدد، السعودية والإمارات، أنشأ قوات سماها "المقاومة الوطنية"، والمكونة بالدرجة الأولى من أعضاء سابقين في الحرس الجمهوري اليمني.
لم يرُق هذا قط لحزب الإصلاح ولا لأهل تعز، إذ على الرغم من أن أنشطة طارق ظلت لوقت طويل مقتصرةً على الساحل الغربي حول مدينة المخا، فإن قوات المقاومة الوطنية التابعة له تواجدت على نحو متزايد بالمناطق المحيطة بتعز بدلاً من مواجهة الحوثيين في الحديدة، وأخذت عن طريق الرواتب العالية تجذب إليها مقاتلين جدداً كل يوم.
رغم أن هذه الأموال قد ساعدت في مسح سجلِّه عند كثيرين، فإن عداوة شخصيات سياسية له إلى جانب حزب الإصلاح بقيت دون تغيير، وتصاعَد التنافس بين القوتين بالفعل إلى صراع مفتوح بين أطراف كانت ظاهرياً في الجانب نفسه ضد جماعة الحوثي.
حكم المال: رواتب مقاتلي قوات المقاومة الوطنية تبلغ قيمتها للفرد 10 أضعاف رواتب جنود الجيش اليمني. ومن ثم دفعت الوعود بزيادة الرواتب آلافاً من المقاتلين الذين كانوا يدعمون الرئيس الذي يعيش في الرياض عبد ربه منصور هادي، إلى مغادرة المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، ومعهم أسرهم، للانضمام إلى قوات المقاومة الوطنية.
يعيش معظم هؤلاء الآن في بلدة التربة الواقعة بريف تعز، والتي تقع على الطريق الرئيسي الاستراتيجي بين عاصمة المحافظة التي تحمل الاسم ذاته ومدينة عدن الساحلية.
تخزين أسلحة: يقول على الآنسي، أحد القادة بقوات المقاومة الوطنية، لموقع Middle East Eye: "نحن نقاتل الحوثيين على الساحل الغربي لتحرير اليمن، غير أن بلدة التربة مكان جيد للعيش فيه".
لدى الآنسي، الذي تعود أصوله إلى محافظة ذمار الشمالية، عدة مركبات عسكرية ويخزن كمية من الأسلحة في قبو منزله دون معارضة من سكان البلدة. وهو يقول إن هذا القبول غير موجود في عدن ولحج، لأن الجنوبيين لا يرحبون عادة بشماليين يحتفظون بالأسلحة في أحيائهم.
بما أن قوات المقاومة الوطنية قد حلت محل القوات السودانية والإماراتية على الساحل الغربي، فقد بات مقاتلوها يتلقون رواتبهم بالريال السعودي، على خلاف المقاتلين الحكوميين، الذين يحصلون على رواتبهم بالعملة المحلية.
إضافة إلى ذلك، توظف قوات المقاومة الوطنية حراساً وسائقين وتستعين بهم من بين السكان المحليين، وهكذا تجتذب مؤيدين جدداً إليها وتدفع السكان إلى أن يصبحوا أكثر قبولاً لوجودها في مناطقهم، على الرغم من العداء السابق المتبادل بين أسرة الرئيس الراحل صالح ومدينة تعز.
على الجانب الآخر، أجبرت هذه التطورات الشرطة العسكرية الموالية للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي في مدينة تعز على إرسال تعزيزات لفرض قيود على حركة قوات طارق صالح في منطقة التربة.
الاحتجاجات: على أثر ذلك، خرجت عناصر قوات طارق صالح ومؤيدوه في تعز إلى شوارع بلدة التربة نهاية الأسبوع الماضي، مطالبين بانسحاب جنود المعسكرات الجديدة، التي يرتبط معظمها بالرئيس الشرعي ومقربة من حزب الإصلاح اليمني.
شارك كل من حزب التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري وحزب المؤتمر الشعبي العام، حزب علي عبدالله صالح، في الاحتجاجات، حيث رفعوا صور صالح لأول مرة في تعز منذ عام 2011.
كانت هذه صدمة، ليس فقط لمعارضي طارق صالح في تعز، بل أيضاً للأشخاص المستقلين الذين يتذكرون معارضة الحزب الناصري، حليف "الإصلاح" يوماً ما، لقوات المقاومة الوطنية.
على الجانب الآخر، يقول مبارك علوان، المنتمي إلى التنظيم الوحدوي الناصري، لموقع Middle East Eye: "لقد قاتلت قوات حزب الإصلاح الناصريين على عدة جبهات، واليوم تريد السيطرة على التربة، لذلك خرجنا إلى الشوارع لنقول: (كفى)".
وأضاف علوان: "لقد خرجنا إلى الشوارع ضد طارق صالح في الماضي، لكننا اليوم نصطف معه ضد الإصلاح، وسندعمه حتى ننقذ تعز من حزب الإصلاح".
اندلعت اشتباكات بين أنصار طارق صالح وأنصار الحزب الناصري من جهة، والشرطة العسكرية المدعومة من "الإصلاح" في الجهة الأخرى.
على الرغم من توقُّف الاشتباكات العنيفة، الأحد 26 يوليو/تموز 2020، لا تزال قوات من الجانبين تنتشر في التربة، ويندلع القتال مرة أخرى بين حين وآخر.
مع ذلك، فإن التوتر بين قوات مدعومة من الإمارات ومقاتلين موالين لـ"الإصلاح" في تعز ليس أمراً جديداً، لكن التطور الرئيسي هذه المرة هو تدخُّل قوات طارق في صف المحسوبين على الإمارات.
يقول سعيد، أحد الذين انضموا إلى قوات المقاومة الوطنية في القتال ضد "الإصلاح"، لموقع Middle East Eye، إن هناك عدة مجموعات في تعز تحت قيادة "الإصلاح"، إلا أن الناس باتوا يتهمون الحزب بالفشل في "إنقاذ المدينة" من المتمردين الحوثيين الذين يسيطرون على شمالها وعلى الطرق الرئيسية الثلاثة في المحافظة.
يعرف سعيد أن قوات طارق صالح قاتلت لفترة طويلة إلى جانب الحوثيين، لكنه يعتقد أن ما حدث بعد وفاة علي عبدالله صالح يختلف عما كان عليه الأمر قبل وفاته، ويقول: "لكل الأطراف والجماعات تاريخ مظلم، لذلك فنحن نتعامل مع الناس حسب المواقف الحالية".
الولاءات: "الإصلاح" موالٍ للرئيس هادي لكن يصعب على الحزب فرض قراراته على جميع الأطراف هناك بمدينة تعز.
يقول أحمد، أحد أفراد الشرطة العسكرية، لموقع Middle East Eye: "نعتبر قوات طارق صالح ميليشيات، لأنها ليست مخلصة للرئيس ولا تتلقى أوامرها من الرئيس الشرعي ولا تملك أي سلطة للبقاء في تعز".
يضيف أحمد: "إذا أراد المقاتلون التابعون لطارق صالح محاربة الحوثيين، يمكنهم التحرك بأسلحتهم ومركباتهم إلى الساحل الغربي، بدلاً من الانتشار في ريف تعز".
أحمد أشار إلى أن كثيراً من السكان لا يريدون بقاء مقاتلي قوات المقاومة الوطنية في قراهم، لكنهم لا يجرؤون على التحدث بذلك، لأن معظمهم مدنيون، ويخافون من القادة العسكريين.
"أموال الإمارات تدمرنا": أضاف أحمد أن "أموال الإمارات هي التي تدمر تعز والدولة بأكملها. فقد نجحت الإمارات في تقسيم جيش تعز بواسطة أموالها. وفي الوقت الحاضر، أصبحنا نرى ألوية جديدة تدعم الإمارات. فالقوات المدعومة من الإمارات استغلت فقر اليمنيين، لضم بعضهم إليها".
يعتقد أحمد أن "المقاتلين الموالين لبلدهم هم فقط الذين ما زالوا يقاتلون تحت قيادة هادي، حتى وإن كانوا يتلقون رواتب منخفضة للغاية".