تجاهل الرئيس التونسي قيس سعيد كل الترشيحات التي قدّمتها الأحزاب السياسية، وكلف وزير الداخلية هشام المشيشي بتشكيل حكومة جديدة خلفاً لإلياس الفخفاخ، فمن هو المشيشي، وما فرص نجاحه في الفوز بثقة البرلمان قبل أن تكون الانتخابات المبكرة هي الملاذ؟
مستشار سعيد رئيساً للحكومة
مساء السبت 25 يوليو/تموز، قالت الرئاسة التونسية إن الرئيس قيس سعيد كلف وزير الداخلية هشام المشيشي بتشكيل حكومة جديدة، وسط آمال بنزع فتيل الأزمة السياسية، والمضي قدماً نحو استقرار سياسي.
وتعهّد رئيس الوزراء المكلف بالاستجابة للمطالب الاجتماعية والاقتصادية التي أثارت احتجاجات مستمرة في البلاد، وقال "سأعمل جاهداً على تكوين حكومة تستجيب لتطلعات كل التونسيين، وتعمل على الاستجابة لاستحقاقاتهم المشروعة، والتي طال انتظارهم لها طيلة السنوات الأخيرة".
تأتي خطوة تكليف المشيشي برئاسة الحكومة بعد 10 أيام من استقالة الفخفاخ، التي أدخلت البلاد في أزمة سياسية يعتقد أغلب المراقبين أن المَخرج الحتمي منها سيكون عبر إجراء انتخابات برلمانية مبكرة، على أمل انتخاب برلمان أكثر تجانساً، عكس الموجود حالياً، والذي يغلب عليه التشتت، في ظل غياب حزب يمتلك أغلبية تكفي لإصدار قرارات دون الاضطرار للدخول في مساومات.
المشيشي يبلغ من العمر 46 عاماً، فهو من مواليد يناير/كانون الثاني 1974، وحصل على الأستاذية في الحقوق والعلوم السياسية بتونس، وعلى الماجستير في الإدارة العمومية من المدرسة الوطنية للإدارة بستراسبورغ، وتخرج في كلية العلوم السياسية بتونس سنة 2007، وشغل منصب مدير ديوان لوزير النقل سنة 2014، ثم شغل نفس المنصب على التوالي في وزارتي الشؤون الاجتماعية والصحة.
كما شغل المشيشي منصب مستشار أول لدى رئيس الجمهورية قيس سعيد، مكلفاً بالشؤون القانونية، قبيل تعيينه على رأس وزارة الداخلية في حكومة الفخفاخ المستقيلة، وتقلّد رئيس الحكومة المكلف منصب رئيس ديوان بوزارات المرأة والنقل والصحة والشؤون الاجتماعية، وعيّن في منصب مدير الوكالة الوطنية للرقابة الصحية والبيئية للمنتجات، وعمل أيضاً خبيراً مدققاً باللجنة الوطنية لمكافحة الفساد.
ماذا قال الرئيس؟
في كلمة له خلال تكليفه المشيشي بتشكيل الحكومة الجديدة، قال الرئيس "إن كان البعض فكّر في الخروج عن القانون والذهاب بالبلاد إلى التفتت والاقتتال فهو واهم"، متطرّقاً للأزمة السياسية التي تشهدها البلاد بالقول إن خطاب الأزمات تحوّل إلى أداة من أدوات الحكم عند البعض (دون ذكرهم).
جاء ذلك في مقطع فيديو بثته رئاسة الجمهورية التونسية على صفحتها الرسمية بموقع فيسبوك، أضاف خلاله سعيد أن "لا مجال للتسامح مع أي أحد كان في أي مليم من أموال الشعب التونسي مهما كان. قادرون بإمكاناتنا على الخروج من هذه الأزمة التي يختلقونها بين الحين والحين. أعرف أن المسؤولية جسيمة، ولكن سنتحمّلها بالرغم من أثقالها، وسنعمل على تحقيق إرادة شعبنا".
وواصل سعيد حديثه العام، دون تحديد مَن يقصدهم، قائلاً إن "الحفاظ على السلم الأهلي واجب مقدس لا مجال للتسامح فيه، واحترام القانون لا يقل قداسة عن ذلك. إن كان البعض قد فكّر في الخروج عن القانون والذهاب بالبلاد إلى التفتت والاقتتال فهو واهم".
أضاف سعيد: "إننا ننتظر الاستجابة لمطالب شعبنا المشروعة، وسنعمل على تحقيقها، وآن الأوان لمراجعتها حتى تكون تعبيراً صادقاً وكاملاً عن إرادة الأغلبية. فليتحمل كل واحد مسؤوليته التاريخية في الحفاظ على تونس وشعبها ومطالب الأغلبية، بعضهم يتاجر بها (دون ذكر أسماء)، ولكن نحن نعمل من أجل تحقيقها".
ماذا سيحدث الآن؟
خلال تكليفه المشيشي، طالب الرئيس بتكوين قائمة من أعضاء الحكومة المقترحين، على أن يتم التشاور بينهما حول وزيري الشؤون الخارجية والدفاع الوطني، وذلك في أجل أقصاه شهر واحد، يبدأ اليوم الأحد 26 يوليو/تموز.
والمعروف عن المشيشي أنه شخصية مستقلة، لا ينتمي إلى أي حزب أو قوى سياسية، كما لم ترشحه أي قوى سياسية ضمن الترشيحات التي طلبها سعيد للمنصب، وهو ما قد يكون سلاحاً ذا حدين، فيمكن أن يساعد كونه مستقلاً في أن تتوافق الكتل البرلمانية على إعطائه الفرصة من خلال منح الثقة لتشكيلته، لكن أيضاً يمكن أن تتسبب الانقسامات الحالية في صعوبة التوصل لتوافق، ومن ثم يفشل المشيشي في نيل ثقة البرلمان، وبالتالي يلجأ الرئيس إلى حلّ البرلمان والدعوة لانتخابات مبكرة، وهو ما يرجّحه أغلب المراقبين.
ما فرص نجاح اختيار الرئيس؟
باختيار المشيشي نحّى سعيد جانباً كل الترشيحات التي قدمتها الأحزاب السياسية، وهو ما أشار إليه في خطابه عندما قال إننا "نحترم الشرعية، لكن آن الأوان لمراجعتها حتى تكون بدورها تعبيراً صادقاً وكاملاً عن إرادة الأغلبية".
لكن الانطباع المأخود عن المشيشي على نطاق واسع باعتباره مقرباً من سعيد، وكان مستشاراً له في السابق، ربما يُمثل إحدى العقبات أمام نيله ثقة البرلمان، الذي تجاهل الرئيس قائمة مرشحيه لرئاسة الحكومة.
كما أن عدم وجود خلفية اقتصادية، بحسب محللين، يمثل نقطة ضعف لا يمكن تجاهلها، حيث تعاني المالية العامة وضعاً حرجاً للغاية، وتحتاج البلاد لإصلاحات عاجلة يطالب بها المقرضون الدوليون، وقالت تونس هذا الشهر إنها تتفاوض مع أربعة بلدان لإرجاء تسديد ديون، في خطوة تُظهر صعوبة الوضع المالي للبلاد، والذي تفاقم بسبب أزمة كورونا.
وللأزمة السياسية التي تصاعدت حدتها مؤخراً نتيجة تصاعُد الخلافات بين الفرقاء السياسيين، وشبهات "تضارب المصالح" التي أجبرت الفخفاخ على الاستقالة، دورٌ آخر مهم في جعل مهمة المشيشي تتسم بالتعقيد، فهل ينجح الرجل في إنهاء الخلافات كما يأمل الكثيرون، أم يكون حل البرلمان والدعوة لانتخابات مبكرة هو المخرج في نهاية المطاف؟