أصبحت الدول الأربع التي تحاصر قطر جواً في مأزق قانوني بعد الحكم الذي أصدرته محكمة العدل الدولية الذي يسمح للدوحة بالاستمرار في التقدم بشكواها في منظمة الطيران المدني الدولية بسبب الحصار المفروض على الخطوط الجوية القطرية.
وفي هذا الإطار، تقدمت مجموعة الخطوط الجوية القطرية، اليوم الأربعاء، بأربعة طلبات للتحكيم الدولي في منازعات الاستثمار ضد كل من الإمارات والبحرين والسعودية ومصر، بسبب فرضها حصاراً على طيرانها مطالبة بتعويض قدره 5 مليارات دولار.
الحصار المفروض على الخطوط الجوية القطرية أمام العدل الدولية
كانت قطر قد رفعت شكوى إلى منظمة الطيران المدني الدولي (الإيكاو)، قالت فيها إن الدول الأربع انتهكت حقوقها في حرية المرور بموجب اتفاقية الطيران المدني لعام 1944.
لكن الدول الأربع رفعت القضية إلى محكمة العدل الدولية في محاولة لإثبات عدم اختصاص منظمة الطيران المدني الدولي، وأن محكمة العدل الدولية هي وحدها التي يجب أن تكون لديها السلطة لتسوية النزاع؛ لأنها تتجاوز مسائل الطيران.
غير أن محكمة العدل الدولية رفضت الاستئناف، ورأت أن الأمر يقع في نطاق اختصاص (الإيكاو)، الأمر الذي يعني أن منظمة الطيران المدني الدولي ستنظر القضية.
يأتي الإجراء القطري الأخير بتعيين محكمين لطلب تعويضات بقيمة 5 مليارات دولار تطبيقاً لقواعد منظمة الطيران المدني الدولي على أن يعين كل من طرفي النزاع محكماً من قبله.
علماً بأنه إذ فشل أيٌّ من الدولتين الطرفين في النزاع في تسمية محكم خلال فترة ثلاثة أشهر من تاريخ الاستئناف، فيجب على رئيس مجلس منظمة الطيران المدني الدولي تسمية محكم نيابة عن تلك الدولة.
وقالت المجموعة، المالك والمشغل لشركة الخطوط الجوية القطرية، في بيان لها، إن طلبات التحكيم تهدف إلى تعويض الخطوط القطرية عن قيام دول الحصار الأربع بإيقاف عملياتها في أسواقها، ومنعها من التحليق في مجالها الجوي.
وتسعى الخطوط الجوية القطرية إلى الحصول على تعويض بقيمة 5 مليارات دولار على الأقل، من دول الحصار، عما بدر منها من أفعال قالت إنها غير مشروعة.
وجاء في البيان: "على مدار ثلاثة عقود، استثمرت الخطوط القطرية بشكل كبير في أسواق دول الحصار الأربع، من أجل خدمة مئات آلاف المسافرين من هذه الدول، ونقل عشرات آلاف الأطنان من البضائع جواً منها وإليها".
حكم المحكمة، هل يقرب نهاية الحصار؟
شكل الحكم الذي صدر عن محكمة العدل الدولية ضربة قانونية للحصار المفروض على الخطوط الجوية القطرية، كما مثل طعناً في أساس الحصار على الدوحة عامة.
فقد رفضت المحكمة (الذراع القضائي للأمم المتحدة) الاستئناف المقدم من جانب الدول الأربع (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) حول اختصاص منظمة الطيران المدني الدولي (الإيكاو) بالنظر في شكوى قطر ضدها حول إغلاق المجال الجوي والمطارات في هذه الدول أمام الطائرات القطرية، حسبما ورد في تقرير لشبكة "سي إن إن" الأمريكية.
ومنظمة لطيران المدني الدولي هي وكالة الطيران الدولية التابعة للأمم المتحدة.
ونشرت المحكمة حكمها عبر صفحتها الرسمية على موقع تويتر، وقالت إنها "رفضت بالإجماع الاستئناف المقدم من جانب مملكة البحرين وجمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والذي يعود إلى 4 يوليو/تموز من عام 2018 على قرار المجلس الدولي للطيران المدني المؤرخ في 29 يونيو من عام 2018".
وتضمن قرار المحكمة أن "المجلس الدولي للطيران المدني التابع للمنظمة يمتلك الاختصاص القضائي للتعامل مع الشكوى المقدمة لها من جانب حكومة دولة قطر في 30 أكتوبر/تشرين الأول من عام 2017، وأن نظره في الشكوى مقبول".
وفيما يتعلق بأساس الاستئناف الأول المقدم من دول الحصار، الذي زعم أن مجلس منظمة الطيران المدني الدولي "فشل في التمسك بالمبادئ الأساسية للمحاكمة العادلة"، وجدت محكمة العدل الدولية بالإجماع أن "الإجراءات التي اتبعها مجلس المنظمة لم تخل بأي شكل من الأشكال بالمتطلبات إجراء عادل".
ورفضت محكمة العدل الدولية أيضاً سبب الاستئناف الثاني لدول الحصار، الذي زعم أن "القضية الحقيقية" في النزاع ليست انتهاكاتها لاتفاقية شيكاغو واتفاقية المساعدة الدولية، لكن اتهاماتها الزائفة بأن قطر تدعم وتمول الإرهاب. رفضت محكمة العدل الدولية مرة أخرى إعطاء أي مصداقية لهذه الأكاذيب وخلصت بالإجماع إلى أن "مجلس منظمة الطيران المدني لم يخطئ عندما رفض الاعتراض الأولي الأول من قبل المستأنفين فيما يتعلق باختصاصها"، وأن الادعاءات المعروضة على المجلس مقبولة.
توصلت المحكمة إلى استنتاجات متطابقة تقريباً في رفض استئناف دول الحصار لقرار مجلس منظمة الطيران المدني الدولي.
وقالت المحكمة: "يمتد اختصاص منظمة الطيران المدني الدولي دون شك إلى مسائل التحليق فوق أراضي الدول المتعاقدة، وهي مسألة تم تناولها في كل من اتفاقية شيكاغو واتفاقية المساعدة الدولية للعلاقات العامة".
ومن المتوقع أن تصدر منظمة الطيران المدني الدولي حكمها بشأن الحصار الجوي العام المقبل.
الموقف السعودي والإماراتي
أما السفير السعودي لدى هولندا، عبدالعزيز بن عبدالله أبوحيمد، فعلق على قرار محكمة العدل الدولية قائلاً إن بلاده تحترم القرار إلا أنها "تود التوضيح بأن الحكم الصادر من المحكمة اقتصر على بيان مدى وجود اختصاص لمجلس منظمة الطيران المدني (الإيكاو) وليس له علاقة بالأسس الموضوعية في الشكوى المقدمة من قبل دولة قطر"، وفقا لما نشرته الخارجية السعودية.
من جانبها أعلنت الإمارات أنها ستتجه إلى طرح القضية القانونية على مجلس الطيران المدني الدولي، للدفاع عن قرارها بإغلاق مجالها الجوي أمام الطيران القطري.
وتعني هذه التصريحات اعتراف الدولتين بمجلس الطيران المدني كجهة تقاضٍ وتحكيم.
لكن سفيرة الإمارات لدى هولندا، حصة العتيبة استدركت قائلة إن الخلاف لن يُحل عبر الإيكاو أو أي منظمة دولية أخرى وأن الأزمة لن تجد الحل إلا عندما تلتزم قطر بتنفيذ بنود اتفاقيات الرياض وثبوت قدرتها على لعب دور "بناء" في المنطقة وفقاً للوكالة الإماراتية.
لكن ماذا إذا لم تلتزم دول الحصار بقرار منظمة الطيران المدني الدولية؟
تنص قواعد (ICAO) على أنه إذا تعذر تسوية أي خلاف بين دولتين متعاقدتين أو أكثر بشأن تفسير أو تطبيق الاتفاقية المنظمة للطيران المدني وملاحقها عن طريق التفاوض، يبتّ المجلس بناءً على طلب أي دولة معنية في الخلاف.
ويتم اختيار هيئة التحكيم عبر اختيار محكم من قبل كل طرف في النزاع على أن تبتّ في إجراءاتها الخاصة وتصدر قراراتها بأغلبية الأصوات.
وإذا تعذر على المحكمين خلال 30 يوماً الاتفاق على حكم، يعين رئيس المجلس حكماً من القائمة المشار إليها سابقاً. ويشكل المحكمون والمحكم معاً هيئة تحكيم، وتكون قرارات محكمة العدل الدولي الدائمة وهيئة التحكيم نهائية وملزمة.
وفي حال عدم التزام دول الحصار بالحكم الصادر عن هيئة المحاكمة، فإن وفقاً لقواعد منظمة الطيران المدني الدولي، فإن الجمعية العمومية للمنظمة تعلق سلطة التصويت في الجمعية وفي المجلس لأي دولة متعاقدة وجدت أنها مقصرة بموجب أحكام هذا الفصل.
ومنذ يونيو/حزيران 2017، فرضت الدول الأربع حصاراً جوياً وبرياً وبحرياً على قطر، بذريعة دعم الأخيرة للإرهاب، وهو ما تنفيه الدوحة بشدة.
وكان من بين، الإجراءات المشتركة محاصرة الخطوط الجوية القطرية وعملياتها، "وهدفت هذه الإجراءات إلى إغلاق المكاتب المحلية للخطوط الجوية القطرية في هذه الدول".
وتضمنت الإجراءات بحسب البيان "إغلاق المجال الجوي لهذه الدول ومطاراتها أمام طائرات الخطوط القطرية، وإلغاء تراخيصها للعمل في تلك الدول.. ما تزال آثار الحصار تقوض عمليات الناقلة الوطنية لدولة قطر".
وتسعى الخطوط القطرية إلى الحصول على تعويض كامل عن هذه الأضرار، من خلال طلبات للتحكيم الدولي في منازعات الاستثمار.
وقال الرئيس التنفيذي لمجموعة الخطوط القطرية أكبر الباكر في البيان نفسه: "إن القرار الذي اتخذته دول الحصار الأربع بمنعنا من العمل في أسواقها، والطيران في مجالها الجوي، يشكل انتهاكاً صريحاً لاتفاقيات الطيران المدني".
وزاد: "اتبعنا كافة الوسائل التي من شأنها إنصافنا قانونياً، من أجل حماية حقوقنا والحصول على تعويض كامل عن الانتهاكات التي تعرضنا لها.. ونرى أنه لا بد من محاسبة دول الحصار عما بدر منها من ممارسات غير قانونية".