مَن اخترع الشطرنج؟ لا شكّ أنه سؤال يراود بعض محبي لعبة العباقرة هذه، التي تعد واحدة من أقدم الألعاب المعروفة في تاريخ البشريّة، والسبب تعدد الروايات حول منشئها. فهناك من يقول إنها جاءت من الهند في القرن السابع الميلادي، والبعض الآخر يعتقد أنها لعبة صينية منذ قبل الميلاد.
ما هو منشأ هذه اللعبة، ما هي قواعدها، كيف وصلت إلى العالم العربي، وما سر حب الخليفة العباسي المأمون لها؟
مَن اخترع الشطرنج.. الصينيون أم الهنود؟
رغم أن الشطرنج لعبة معروفة في جميع دول العالم، فإنه حتى الآن ليس هناك مصدر دقيق لمعرفة المنشأ الأصلي لها.
يعتقد البعض أنّ للشطرنج جذوراً صينيّة، وأنّ اختراعه تمّ قبل الميلاد بـ 200 عام، من قِبل القائد هان شين وهو أحد أفراد سلالة هان – ثاني السلالات الإمبراطورية في الصين التي حكمت من عام 202 قبل الميلاد حتى تفككها في عام 221 ميلادي -، وقد شهدت الصين خلال هذه الفترة تقدماً ملحوظاً في العلم والاختراعات بفضل تطبيق تعاليم كونفوشيوس من قِبَل الأسرة الحاكمة، وذلك وفق ما ذكره موقع Iches، المتخصص بالشطرنج.
وتقول الرواية إنّ هان كان أحد القادة وقد اخترع اللعبة من أجل تمثيل خطة لإحدى المعارك، ويقال أيضاً إنّ هذه المعركة كانت واحدة من المعارك المهمة في التاريخ الصيني، لكن اسمها لم يذكر ولم يعرف ضد مَن كانت.
حكيم هندي أراد إثبات أهمية الشعب لملك مستبد
ولكن الرواية الأكثر شيوعاً هي أن أصلها يعود إلى الهند، حيث اخترعت في فترة ما بين القرنين الخامس والسابع الميلادي، على يد رجل هندي حكيم يدعى صصه بن داهر.
تحكي الرواية أنّ الحكيم صصه أراد أن يثبت للملك الهندي المستبد شهرام أهمية الناس الذين يعيشون في المملكة، فاخترع هذه اللعبة التي تتكون من الملك، والوزير والأحصنة والفيلة والجنود، وأثبت خلال اللعبة أهمية جميع هذه العناصر من أجل حماية الملك والمملكة.
الملك شهرام أحبّ هذه اللعبة، وفهم خلالها أهمية جميع الأشخاص الموجودين في مملكته، وأمرهم بأن يلعبوا هذه اللعبة بشكل دائم، إضافة لعرض الذهب والفضة على الرجل الحكيم صصه بن داهر الذي رفض الهدية.
حكمة وراء رفض صصه هدايا الملك شهرام
عندما رفض الحكيم هدايا الذهب والفضة، عرض الملك عليه أن يتمنى ما يشاء، فطلب صصه طلباً متواضعاً وهو أنّ توضع له حبة قمح على أول مربع من رقعة الشطرنج، وأن تتم مضاعفتها بمتوالية عددية، أي (1، 2، 4، 8، 16.. إلخ) حتى تنتهي مربعات الرقعة.
استهان الملك شهرام بطلب الحكيم صصه، إذ بدا له في الوهلة الأولى أنه طلب سهل التحقيق، وطلب من خدمه تحضير الطلب له.
وعندما بدأ الخدم بتنفيذ ما أمرهم ملكم، وجدوا أنّ كل محصول الكرة الأرضية من القمح لن يكون كافياً، فالرقم الذي وصلوا إليه هو 18,446,744,073,709,551,615 (ثمانية عشر كوينتليون و446 كوادريليون و744 تريليون و73 مليار و709 مليون و551 ألف و615 حبة قمح).
أدرك الملك أن الرجل الحكيم أعطاه درساً ثانياً، تماماً مثل الأحجار في الشطرنج، يجب ألا نقلل من قيمة الأشياء الصغيرة في الحياة، فزاد إعجابه به وقال له: "لا أدري مما أعجب أكثر أمِن الشطرنج أم من الأمنية؟".
وصلت إلى العرب ومنهم إلى أوروبا
من بلاد الهند والسند انتقلت لعبة التفكير إلى بلاد فارس، ومنها انتقلت إلى العرب الذين أحبوها وأتقنوها وألفوا فيها الكتب خلال العصر العباسي، مثل "كتاب الشطرنج" لأبي العباس أحمد بن محمد بن الطبيب السرخسي الذي علّم المعتضد بالله وولَّاه الحسبة في بغداد.
وكتاب "تضاعيف بيوت الشطرنج" لأبي يوسف المصيصي، وكتاب "الشطرنج" لأبي زيد البلخي، وكتاب "منصوبات الشطرنج" لأبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن صالح.
سر حب الخليفة المأمون للشطرنج
عندما وصل الشطرنج إلى العالم الإسلامي والعربي لاقت هذه اللعبة رواجاً كبيراً، خاصة من قِبل الخلفاء العباسيين هارون الرشيد وابنه المأمون، وذلك لأهمية اللعبة وقدرتها على تنمية العقل وتقوية التدقيق المعرفي.
ويحكى أنّ الخليفة المأمون بعد قدومه من خراسان وتسلمه عرش الخلافة كان يستحضر كبار أهله من أجل لعب الشطرنج معهم.
كما أنه كان دائماً ما يلعب الشطرنج مع جاريته "عريب" التي كانت من أحسن الناس وجهاً وأدباً وضرباً وشعراً.
وقد شاع الشطرنج في عصره حتى أصبح جزءاً من الحياة العامة والنمط الحضاري القائم.
بعد ذلك انتقلت لعبة الشطرنج إلى أوروبا عبر إسبانيا مع الفتح الإسلامي للأندلس حوالي القرن العاشر وبعدها انتشر في كامل أوروبا ابتداء من القرن الحادي عشر، ويقال إنها انتشرت عبر إمارة صقلية جنوب إيطاليا، إذ إنّ إحدى الروايات تقول إن الملك شارلمان تلقى مجموعة قطع شطرنج هدية من عند الخليفة هارون الرشيد.
قواعد لعبة الشطرنج
أولاً تتكون رقعة الشطرنج من 64 مربعاً، بينما الأحجار فهي 32 حجراً 16 من اللون الأبيض و16 من اللون الأسود وتقسم على لاعبين اثنين.
وتتكون أحجار كل لاعب من ملك ووزير وقلعتين وفيلين وحصانين، و 8 جنود.
يتم صف الأحجار من اللونين الأبيض والأسود بشكل متقابل في الجهتين بحسب الترتيب التالي:
الصف الأخير من الجهة الأولى (قلعة، حصان، فيل، وزير، ملك، فيل، حصان، قلعة)، ويحميهم في الصف الأمامي 8 جنود.
على نفس الترتيب نقوم بصف أحجار اللون الثاني في الجهة المقابلة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن يقابل الملك الأسود الوزير الأبيض في الجهة المقابلة، والملك الأبيض يقابل الوزير الأسود في الجهة المقابلة أيضاً.
بحسب قواعد اللعبة، فإن صاحب اللون الأبيض هو من يبدأ بالحركة الأولى دائماً، لذلك تكون له الأفضلية دائماً في الهجوم، ويتم اللعب بتبادل الأدوار حتى يموت أحد الملكين لتنتهي اللعبة حينها.
أما التعادل فيحسب حينها بإحدى الحالتين:
- حصار الملك بحركة "كش ملك" أو موته.
- أو موت جميع أحجار أحد اللاعبين باستثناء الملك، وبذلك لا أحد يخرج منتصراً من اللعبة.
أما عن طريقة تحرك الأحجار فهي كالآتي:
القلعة: تتحرك بشكل أفقي وعمودي فقط وبإمكانها التحرك بحرية وتجاوز العدد الذي تريده من المربعات ولكن من دون القفز فوق الأحجار.
الفيل: يتحرك بشكل قطري فقط وبإمكانه التحرك بحرية وتجاوز العدد الذي يريده من المربعات ولكن من دون القفز فوق الأحجار.
الحصان: يتحرك بطريقة مختلفة وهي مربعان عموديان ومربع أفقي، أو بالعكس مربعان أفقيان ومربع عمودي، وهو الحجر الوحيد الذي يسمح له بالقفز فوق الأحجار الأخرى.
الوزير: حركته تتنوع ما بين حركة الفيل والقلعة، لذلك يعد الفيل أقوى الأحجار في اللعبة وخسارته فادحة.
الملك: يتحرك مربعاً واحداً فقط لا غير، وحركته تكون مدروسة ومحسوبة حتى لا يتعرض للهجوم، فموته يعني خسارة اللعبة.
الجنود الثمانية: هم الخط الأمامي للعبة، ويتحركون عمودياً لمربع واحد فقط، بإمكان الجندي أن يأسر جندياً من الفريق الآخر عبر تحركه بشكل قطري وأخذ مكانه.