بعد أن عانت الشابة الأردنية أحلام، ذات الثلاثين عاماً، من تعنيف أسري مستمر، ورغم لجوئها للأجهزة المختصة لأكثر من مرة، فإن عائلتها كانت توقع على تعهّد خطي، لكن ذلك لم يمنع تكرّر تعنيفها، واستمر الحال حتى انتهى الأمر في تمام الساعة التاسعة مساء الجمعة الماضي، عندما سمع الجيران صراخ الشابة أحلام، التي كانت تركض في الشارع والدماء تسيل من رقبتها، بينما يطاردها والدها من المنزل حتى الشارع، فيُجهز عليها بحجر (طوبة) في الرأس أرداها قتيلة، بعد ذلك جلس الأب بجانب جثة ابنته يحتسي الشاي في انتظار الشرطة.
رغم بشاعة الحادث الذي وقع على مسمع ومرأى من الأم والإخوة والجيران، دون أن يتدخل أحد منهم لحماية الفتاة، فإنه ليس الأول من نوعه، فهذا الحادث يعيد إلى الأذهان قصة حدثت في شهر أغسطس (آب) 2019، بطلتها إسراء غريب، وهي شابة فلسطينية من بلدة قرب بيت لحم، عمرها 21 عاماً، وتعمل في صالون تجميل.
بدأت قصتها عندما تقدّم شاب لخِطبتها، ونشرت صورةً شخصيةً معه على موقع التواصل الاجتماعي إنستغرام، فقامت ابنة عمِّها بتحريض أهلها، وتبليغ أخيها المقيم في الخارج. وكانت نهاية إسراء وهي تصرخ دون أن يغيثها أحد داخل المستشفى الذي نقلت إليه من شدة الضرب، حتى لقيت مصرعها على يد أهلها، بزعمهم إخراج جنّ يتلبَّسها، فأدى الضرب المبرح إلى قصور حادٍّ في الجهاز التنفسي ماتت على إثره.
ثم تذكرك صرخات أحلام وإسراء بصرخات أخرى انطلقت في شهر أبريل (نيسان) 2020، من الشابة العراقية ملاك الزبيدي (20 عاماً)، وهي ترقد داخل مستشفى النجف، بعد أن قامت بحرق نفسها جرّاء تعرُّضها للعنف الأسري المستمر، حيث مُنعت من زيارة أهلها لمدة 8 أشهر، وكانت الفتاة قد كشفت أن زوجها منعها من متابعة دراستها وحضور الامتحانات المقررة.
وكان زوجها -وبمشاركة أخيه أحياناً- يقومان بضربها، مستخدمين "كوابل"، وحتى مقاعد خشبية.
وبعد أن نفد صبرها ولم تعُد تحتمل شدة الضرب والعنف المتكرِّر سكبت على جسدها مادة البنزين، وهدَّدت بإحراق نفسها، فما كان من زوجها إلا أن قدَّم لها "الولاعة".
وبعد ثلاثة أيام أُصيب جسم ملاك بتسمم وماتت.
هذه القصص التي حدثت في ثلاث دول عربية مختلفة، وهناك الكثير غيرها يحدث من المحيط إلى الخليج، يجعلنا نتساءل في أي العصور نحن؟!
وهل الواقع منفصل تماماً عمَّا تقدمه الصحف والكتب وشاشات التلفاز والسينما ومواقع التواصل الاجتماعي، وهل الحرية وحقوق المرأة مجرد شعارات خاوية؟!
لا أشك أن هناك قوانين تُجرِّم الاعتداءَ على الأنثى مهما كانت صلة القرابة بينها وبين المعتدي عليها، ولكنها لا تُشكِّل رادعاً لكلِّ رجل يصبُّ جَامَ غضبه على الكائن الأضعف، متمثلاً فيمن هنَّ تحت سلطته مثل الابنة، والزوجة، والأخت.
ثم يتفاخر كونه غسل عارَه وسط مباركة المجتمع، فلا يهمّ إن سُجن أو حتى أُعدم!
لذلك، لا أريد التحدث عن وَضْعِ أو سَنِّ قوانين، فهي لا تُشكِّل مانعاً لشخصٍ يرى في القتل شرفاً ومدعاةً للفخر.
إن هذا كله عائد لفكرة الزواج التي تجعل كلَّ شاب وصل سن البلوغ، وفتاة بدأت الحيض مؤهَّلين للزواج، دون أن يكونا على دراية بأنَّ الزواج مسؤولية، وليس الغرض منه التكاثر ووضع الشهوة في إطارها الشرعي فقط.
لذلك يجب الاهتمام ببناء شخصيات سوية قادرة على تحمُّل المسؤولية، ومدركة أن تكوين أسرة ليس بالأمر الهين.
إن الفورة التي تتبع كل حادثة ثم تبرُد حتى تخرج علينا صرخات جديدة لن تفيد شيئاً، وأظن أنَّ معظم المشاركين في هذه الفورات متأثرون صِدقاً، لكن لا يكفي الوسم، فهذا أضعف الإيمان. ونحن في أيدينا التغيير عن طريق حثّ الدول والمنظمات المعنية بحقوق المرأة على المشاركة في حلٍّ واقعي، وذلك بتوعية الأُسر والصبية والفتيات بأن الزواج مسؤولية.
وكما أنك لا يمكن أن تنجح دون مذاكرة، فلن تنجح أيضاً دون وعي وإدراك لمسؤولية تكوين أسرة سوية يحترم أفرادها بعضهم البعض. وتفعيل مقولة "لا تربوا أولادكم كما رباكم آباؤكم، فقد خُلقوا لزمان غير زمانكم"، حتى لو رجعنا لكتابة إرشادات مختصرة في الكتب والكراسات، وعمل برامج دعائية تشبه الأفلام القصيرة والكرتونية، دون توجيه مباشر، لكن عن طريق شخصيات محبوبة تزرع في عقلية الأطفال قيمة الأسرة، واحترام كل منهم للآخر، ومحو فكرة أن من حق الرجل ضرب أو سب المرأة وإهانتها، ناهيك عن تعنيفها.
إن الأسر الفاشلة هي مَن تُصدّر العنف ضد الطرف الأضعف، وهي التي يخرج منها الإرهابي، والمدمن، والفاسد، والقاتل، والسارق.
والفشل هنا لا يعني الفقر أبداً، بل الفشل في التربية، لأن أعمدتها وهما الأبوان لم يتلقّيا تربية أسرية صالحة، وهنا ينطبق القول "فاقد الشيء لا يعطيه".
الشيء القليل يمكن أن يصنع فارقاً، ربما تكون خطة طويلة الأمد، لكنها أكيدة المفعول، فهذا الخراب الذي تعاني منه الأسرة العربية يحتاج وقفةً حقيقيةً. كما يجب وضع خطة سريعة من خلال تفعيل الاهتمام بالبلاغات والشكاوى والتدخل السريع، فتكرار الشكوى يُنذر بأن هناك خطراً قائماً يجب التعامل معه بجدية، وتوفير الحماية للفتاة أو المرأة، وعمل جلسات مع أطباء نفسيين لحل مشاكل من قام بالاعتداء عليها.
فقد سمعنا صوت إسراء وملاك وأحلام بعد فوات الأوان، وأجزم أن هناك أصواتاً تصرخ ولم يسمعها أحد خوفاً من التهديد لو قامت بالإبلاغ، والخوف من عواقب أن تعيش مع من أبلغت عنه بعد ذلك وهو يحمل ذات العُقَد والأفكار، وربما ترحل وسط التعتيم والتكميم.
لهذا يجب توفير الحماية، والتأكد من ذلك لطمأنة الفتيات أن البلاغ لن يكون سبباً في المزيد من العنف ضدها، بل هو الحل الذي سيُنهي مأساتها، ومعالجة الطرف الآخر.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.