أعلن الأزهر في مصر، السبت 18 يوليو/تموز 2020، عن رفضه مشروع قانون لتنظيم دار الإفتاء المصرية عشية مناقشته بالبرلمان، مؤكداً أن المشروع "يمس استقلاليته"، وأنه يتضمن ما وصفه بـ"العدوان" على اختصاص هيئة كبار العلماء فيه واستقلاليتها.
"مخالف للدستور": وسائل إعلام محلية في مصر نقلت مساء السبت، نص خطاب للأزهر، أُرسل إلى رئيس البرلمان علي عبد العال، يتضمن رأي هيئة كبار العلماء بالأزهر في مشروع قانون تنظيم دار الإفتاء.
الأزهر قال في بيانه، إن "مواد هذا المشروع تخالف الدستور المصري، وتمس باستقلالية الأزهر والهيئات التابعة له، وعلى رأسها هيئة كبار العلماء وجامعة الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية".
كما أوضح البيان، أن "الدستور المصري نص على أن الأزهر هو المرجع الأساس في كل الأمور الشرعية التي في صدارتها الإفتاء"، مضيفاً: "ما ذُكر في مقدمة القانون المقترح من أن هناك فصلاً بين الإفتاء والأزهر منذ نحو 700 عام، وأن هناك كياناً مستقلاً (دار الإفتاء) غير صحيح"، مؤكداً أن مقر الإفتاء في القدم كان في الجامع الأزهر.
وتابع البيان أن "جميع مناصب الإفتاء في مصر طوال العصر العثماني كانت في يد علماء الأزهر، وأشهرها إفتاء السلطنة والقاهرة والأقاليم"، واعتبر أن "مشروع القانون المقترح تضمن عُدواناً على اختصاص هيئة كبار العلماء بالأزهر واستقلالها".
كما شدد الأزهر على أن الهيئة "هي التي تختص وحدها بترشيح مفتي الجمهورية، وجاء المشروع مُلغياً للائحة هيئة كبار العلماء التي تكفَّلت بإجراءات ترشيح 3 بواسطة أعضاء هيئة كبار العلماء، والاقتراع وانتخاب أحدهم لشغل المنصب".
ويناقش البرلمان، خلال جلسته العامة، الأحد، مشروع القانون المقدم من النائب أسامة العبد وآخرين (مؤيدين للنظام)، والخاص بتنظيم دار الإفتاء.
تعديلٌ مقترحٌ يطال كل شيء: يأتي بيان الأزهر، بعدما أكدت اللجنة المشتركة من لجان "الشؤون الدينية والأوقاف"، و"الخطة والموازنة"، و"الشؤون الدستورية" بالبرلمان في تقرير سابق، أن مشروع القانون يهدف إلى إعادة تنظيم دار الإفتاء ومنحها الشخصية الاعتبارية المستقلة والاستقلال، وفق وسائل إعلام محلية.
كما يستهدف مشروع القانون إعادة تنظيم كل ما يتعلق بالمفتى من حيث: "وضعه الوظيفى، وإجراءات تعيينه واختياره، ومدة شغله للمنصب، والتجديد له، وسلطاته، واختصاصاته، ومن ينوب عنه في تسيير شؤون الدار بوجه عام في أحوال معينة".
خلاف الأزهر والسيسي: يأتي مشروع القانون الذي يرى الأزهر أنه "يمس استقلاليته"، ليُضاف إلى سلسلة من محطات توتر العلاقات بين شيخ الأزهر أحمد الطيب، والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي.
كانت أولى بدايات الصراع بين الإمام الطيب، والسيسي الذي كان جنرالاً بالجيش في عام 2013، حيث تولى منصب وزير الدفاع أثناء الانقلاب على الرئيس المصري الراحل، محمد مرسي.
نشب الخلاف من جراء موقف شيخ الأزهر الذي أدان فيه مذبحة رابعة، التي راح ضحيتها أكثر من ألف قتيل من أنصار الرئيس الراحل مرسي، وكان لافتاً حدة خطاب الطيب، الذي لم يساوِ بين الجلّاد والضحية، كما تبرّأ من هذه الدماء وأكد أن الأزهر ليس لديه علم بما حدث، ثم إعلانه الاعتصام إلى أن تزول الغمة.
لكن العلاقة الشخصية بين السيسي والطيب لا تتعلق بالماضي ومذبحة رابعة فحسب، فقد وجّه السيسي سهام انتقادات إلى الأزهر عموماً، على خلفية ما يعتبره البعض تقصيراً من طَرَفه في تطبيق إصلاحات بنّاءة للمناهج التعليمية، بل إن السيسي وجّه بعض كلماته إلى الطيب شخصيّاً.
فقد سبق أن قال السيسي للطيب: "تعبتني يا فضيلة الإمام"، وهي كلمات ظنّ الناس بعدها أن الإمام سيصمت، أو أن الجنرال سيعزله على طريقته، وقد يضعه في غياهب السجون كما فعل مع قائده السابق سامي عنان، رئيس الأركان المصري السابق، ولكن كلمات الرئيس أعادت للأذهان السؤال القديم عن سر تجدد الخلافات بين السيسي وشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب دوماً.
في المقابل لم يتوانَ الأخير عن الرد على هذه الانتقادات مراراً وتكراراً، مشدّداً على أن الأزهر يتابع هذه القضية كما ينبغي بطريقته الخاصة، ومُلمحاً ضمنياً إلى أنه لا يحتاج إلى تعليمات من شخصية تفتقر إلى أوراق اعتماد أزهرية، حسب وصف تقرير لمركز كارنيغي.
كان النزاع حول ما يُعرف بالطلاق الشفوي إحدى المحطات الرئيسية للخلافات بين السيسي وشيخ الأزهر، واللافت أنه عند اندلاع الخلاف بين الرئيس والإمام حول الطلاق الشفوي ظهرت مطالبات إعلامية باستقالة الطيب، بسبب إصراره على وقوع الطلاق الشفوي، ورفضه مطلب السيسي بعدم اعتبار الطلاق نافذاً إلا في حال توثيقه.