في عام 1981 هاجر الشاب بيتر تساي إلى أمريكا للحصول على شهادة الدكتوراه. ما توصل إليه سيصبح الأيقونة المنقذة والكفيلة بحماية الملايين من جائحة كورونا بعد نحو 39 عاماً على اختراعها. إليك قصة العالم التايواني مخترع كمامة N95 بيتر تساي، الذي أصبح بطل الآسيويين المهاجرين إلى أمريكا.
وبعدما تقاعد في العام 2018، عاد تساي لمشاركة أفكاره ومقترحاته مع المجتمع الطبي في أمريكا، وضم جهوده للعاملين بالخطوط الأمامية لمواجهة الجائحة، بعدما تحولت أمريكا إلى مركز الوباء في العالم.
ويعود تساي للعمل رغم المواقف العنصرية التي تعرض لها المهاجرون والأمريكيون من أصل آسيوي.
مخترع كمامة N95 يبحث عن حل لإعادة استخدامها
ويركز الآن في العثور على الطريقة المثلى لتعقيم الكمامات بعد استخدامها، حسبما نشرت صحيفة The Washington Post، وذلك بعدما اشتكت الطواقم الطبية الأمريكية من نقص الكمامات والأقنعة الطبية.
وأظهر البحث التجريبي الذي أجراه تساي، أنه يمكن تسخين الأقنعة على درجة 70 مئوية دون المساس بقدرتها على منع انتشار الفيروسات.
نشرت نتائج تساي في تقرير طبي طارئ على دورية The Journal of Emergency Medicine.
وقبل ذلك جرب عدة طرق، منها وضع الكمامة في الشمس وحتى الفرن، وغسلها بالماء والصابون ثم تعريضها لبخار الماء. لكنه توصل إلى أن أفضل طريقة لتعقيمها هي عبر تسخينها لحرارة تصل إلى 70 درجة مئوية.
ورغم ذلك، نصح بإعادة تدويرها عبر طريقة ممنهجة زمنياً، تقضي بتعقيم القناع المستخدم على حرارة عالية ثم تعليقه ليجف واستخدام قناع آخر في اليوم التالي.
ونصح مخترع كمامة N95 بإعادة استخدام الكمامات المستخدمة بعد 7 أيام من تعقيمها وتجفيفها، بحيث يتم القضاء على أي بكتيريا عالقة.
العمل الجاد لمكافحة وباء العنصرية في أمريكا
وقال تساي لشبكة قنوات NBC الأمريكية، إنه لم يتردد في العودة للعمل رغم تقاعده؛ حباً في المساعدة.
وأوضح أنه لم يتردد في العمل لنحو 20 ساعة في اليوم الواحد، بعدما سمع أن الأطباء والممرضين يعيدون استخدام الكمامات عند معالجة مرضى كورونا لانقطاعها.
وكان تساي حصل على براءة اختراع لمواد الترشيح أو الفلترة المستخدمة في أجهزة التنفس N95 في عام 1995.
وشهد تساي قدراً كبيراً من الشهرة على مواقع الإنترنت، إذ تحوَّل لبطل بالنسبة لعديد من أبناء الجالية الآسيوية في أمريكا وخارجها، بسبب مساهماته الحاسمة خلال الوباء، وكذلك خلفيته كمهاجر من تايوان تفوق في جامعة ولاية كانساس.
وأشاد كثيرون بتساي كنموذج يحتذى به للعمل، على الرغم من الظروف الصعبة التي مر بها والتي تشبه ظروف كثيرين.
من الجدير ذكره أن حوادث الكراهية ضد الأمريكيين الآسيويين تزايدت بشكل ملحوظ بعد اندلاع جائحة كورونا، حيث تم الإبلاغ عن أكثر من 800 حادث في كاليفورنيا وحدها في الأشهر الثلاثة منذ إطلاق أداة الإبلاغ عن إيقاف AAPI Hate، ولكن إدارة الرئيس دونالد ترامب سعت أيضاً إلى الحد من هجرة الآسيويين إليها.
ففي يونيو/حزيران 2020، وقَّع الرئيس على أمر تنفيذي بتجميد تأشيرات H1-B الجديدة للعمال الأجانب حتى نهاية العام.
ثم وقّع أمراً يطلب من إدارة الهجرة والجمارك إجبار الطلاب الدوليين الذين يتعلمون في الجامعات الأمريكية ولكن من منازلهم، على أن يغادروا البلاد، ثم ما لبث أن أُلغي القرار.
وأقر تساي، الذي كان طالباً دولياً في حد ذاته، بأن البيئة قاسية وأنه شهد في العقود التي قضاها بالدراسة والعمل عدة مواقف عنصرية.
ومع ذلك، قال إنه حاول أن يبتعد عن هذه المظالم، مع إبقاء هدفه الأكبر نصب عينيه، وهو التفوق في عمله.
وعن التمييز العنصري قال تساي: "لقد واجهت بعضاً منه، لكنني كنت أقوم بعملي فقط، وأعتقد أن ما أفعله مفيد للمجتمع. تكنولوجيتي جيدة للبشر، وبغض النظر عن كيفية معاملتهم لي لا أهتم كثيراً".
وقال إن المهاجرين يجب أن يعملوا بجديةٍ أكبر وأن يساهموا في ازدهار المجتمع أكثر من المواطنين المولودين من السكان الأصليين لكسب الاحترام. وقال إنها حقيقة يجب ألا يتعامل معها الجميع.
وأضاف تساي: "يمكنك القول إن ذلك غير عادل، ولكن لا توجد عدالة في العالم".
واعتبر أن العمل الإضافي الذي بذله لم يشعره قط كالتزام، إذ يعود تعطُّشه للبحث إلى عقود للوراء عندما كان لا يزال في المدرسة.
فعندما طُلب منه إنهاء 90 ساعة عمل للتخرج، انتهى به الأمر إلى إكمال أكثر من 500 ساعة.
ولفت إلى أنه لطالما ركز بشكل كبير على أبحاثه وكان ينغمس في مجتمع العلوم الصغير الخاص به.
وقال: "إذا كنت تعتقد أنك بحاجة إلى العمل بجدٍّ أكبر من أجل الحصول على المنصب نفسه، فهذا أمر غير عادل. إذا كنت تفكر في الأمر بطريقة أخرى مثلي، فإن العمل بجد هو هوايتي".
وفي هذه اللحظة من الزمن، وبينما يمر العالم بأزمة فيروس كورونا وتلوح في الأفق أشباح أزمات أخرى، فإن رسالة مخترع كمامة N95 للبشرية هي "ارتداء الكمامة".