في خطوة وصفتها حكومة الوفاق بـ"المنفردة وغير الدستورية"، دعا عقيلة صالح، أحد أعيان قبيلة العبيدات في الشرق، ورئيس مجلس نواب طبرق، مصر إلى التدخل عسكرياً في البلاد، الأمر الذي اعتبره مجلس النواب في العاصمة طرابلس، "خيانة عظمى".
ورفض مجلس النواب بطرابلس هذا الطلب، الذي تقدم به من وصفهم بـ"نواب مقاطعين"، واعتبره تفريطاً في سيادة ليبيا، وجريمة ترقى للخيانة العظمى، علاوة على كونه "خرقاً لقرارات مجلس الأمن، وقواعد القانون الدولي، وأحكام الاتفاقيات الدولية؛ ومنها اتفاقيات جامعة الدول العربية".
"فنحن أمام رئيس مجلس نواب سابق، يرفض الاعتراف باتفاق الصخيرات رغم أن ولاية البرلمان انتهت وفق الإعلان الدستوري، في 25 يونيو/حزيران 2015، وأن لا شرعية له إلا عبر الاعتراف باتفاق الصخيرات، الذي قام بالتمديد في ولاية البرلمان".
الديمقراطية بين طبرق وطرابلس
لم يعرض عقيلة صالح دعوة مصر للتدخل عسكرياً أمام الجمعية العامة للنواب المكتملة النصاب، كما هو متعارف عليه في كل برلمانات العالم. حيث لم تتم مناقشة طلب التدخل ولا التصويت عليه، بل كان قراراً فردياً، وهو ما دفع عبدالرحمن الشاطر، عضو المجلس الأعلى للدولة الليبي (نيابي استشاري)، للتغريد مستغرباً "من عجائب القدر اختزال سلطة تشريعية منتخبة في شخص رئيسها، إذن ما لزوم بقية الأعضاء؟!".
وأجرى مجلس الأعلى للدولة، منذ تأسيسه على أنقاض المؤتمر الوطني العام (البرلمان التأسيسي)، أربعة انتخابات لرئيسيه، وتداول على هذا المنصب رئيسان؛ أولهما عبدالرحمن السويحلي، وآخرهما خالد المشري، الذي انتخب ثلاث مرات على التوالي، وفاز مؤخراً أمام عدة مرشحين.
غير أن عقيلة صالح لم يسمح منذ توليه منصبه في 5 أغسطس/آب 2014 بأي انتخابات لمنصب رئيس مجلس النواب، واتخذ عدة قرارات مصيرية دون الرجوع إلى النواب. وهذا ما يفسر هجرة غالبية النواب من طبرق (شرق) إلى طرابلس (غرب) وانتخابهم الصادق الكحيلي رئيساً جديداً لمجلس النواب في 5 مايو/أيار 2019، بمشاركة أكثر من 50 نائباً، وبعد نحو عام انتخب حمودة سيالة خلفاً له، والذي أعلن في يونيو/حزيران 2020، أن عدد النواب في طرابلس ارتفع إلى أكثر من 70 نائباً.
في حين بقي عقيلة صالح بدون نواب تقريباً، بعد تشكيل نواب طبرق "تجمع تيار الوسط" من 26 نائباً متبقياً، ومعارضتهم ضمنا لانفراده بالقرارات دون الرجوع إليهم، ودعوتهم "لإعادة توحيد مجلس النواب الليبي، وتبني خارطة حل، تنال شرعيتها عبر قاعة مجلس النواب بحضور جميع أعضائه". أما نواب الجنوب فشكلوا "تكتل فزان النيابي"، الذي يضم 14 نائباً، من إجمالي 188 نائباً، رغم معارضة سكان من الجنوب لهذا التكتل، لأنه قد يشجع على تقسيم البلاد.
وتسبب انفراد عقيلة صالح، بقرارات مجلس النواب، إلى انقسام البرلمان لثلاث جزر، تمثل الأقاليم الثلاثة. إذ منحت المحاصصة الإقليمية 100 مقعد لإقليم طرابلس (الغرب)، و40 مقعداً لإقليم فزان (الجنوب)، و60 مقعداً لإقليم برقة، ضاع منهم 12 مقعداً حصة مدينة درنة التي لم تجر فيها انتخابات وتم انتخاب 48 نائباً فقط من برقة، ومع ذلك احتكر عقيلة صالح، رئاسة البرلمان.
يضاف لما سبق أن صالح لم يجتمع منذ طويلة مع "نواب طبرق" لعدم اكتمال النصاب، بل إن ما تبقى في طبرق هم أقلية الأقلية، ولا يتجاوز عددهم 26 نائباً.
الشرعية القانونية والدستورية
وهنا يفرض السؤال نفسه: أنّى لبرلمان لا يستطيع عقد جلسة واحدة قانونية، أن يسمح لرئيسه أن يستدعي جيش دولة أجنبية لها طموحات لضم إقليم برقة إليها، فالخطوة التي قام بها صالح وبعض شيوخ القبائل الليبية الموالية لحفتر، لدعوة الجيش المصري للتدخل في بلادهم لا تستند إلى أي سند قانوني أو دستوري.
فمن يملك الشرعية بعد سقوط كل الشرعيات نهاية 2015، هو اتفاق الصخيرات الذي تم التوقيع عليه بين طرفي الصراع وبرعاية أممية ودولية واسعة، وأقره مجلس الأمن بالإجماع.
واتفاق الصخيرات يمنح المجلس الرئاسي الذي يقوده فائز السراج شرعية عقد الاتفاقات الدولية، كتلك التي تم التوقيع عليها مع تركيا نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2019، بموافقة المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب في طرابلس.
وفي السياق ذاته، لا يملك أعيان القبائل أي شرعية قانونية أو دستورية لاتخاذ هكذا قرار، كما أن عقيلة صالح بدون نواب لا يملك أي سلطة شرعية، وبالتالي أصبح الأمر "كدعوة من لا يملك شرعية لمن لا يحق له التدخل عسكرياً".
سوابق التدخل العسكري المصري في ليبيا
لكن التدخل العسكري المصري في ليبيا ليس الأول من نوعه، إذ تؤكد السلطات الأمنية الليبية في طرابلس خاصة تلك المكلفة بمكافحة الإرهاب، أن وحدات عسكرية مصرية شاركت في القتال إلى جانب حفتر في العدوان على طرابلس.
فضلاً عن قصف طائرات مصرية لمدينة درنة (شرق) علناً في 2015، ووقوع قتلى مدنيين، إثر مقتل أقباط مصريين على يد تنظيم داعش، كما تداول الإعلام اتهامات لطائرات رافال مصرية بقصف قاعدة الجفرة الجوية في 2017.
وكان التدخل العسكري المصري في الغالب غير معلن، رغم شواهده الكثيرة، لكن هذه المرة تسعى القاهرة للتدخل بشكل علني في ليبيا، وبدون غطاء من مجلس الأمن الدولي ولا من منظمة التعاون الإسلامي ولا حتى من الجامعة العربية.
"قوة غزو واحتلال"
في حين لم توجه الحكومة الشرعية في طرابلس المعترف بها دولياً، ولا السلطة التشريعية في ليبيا بغرفتيها، أي دعوة للجيش المصري للتدخل في بلادهم، مما يجعل أي قوات مصرية تدخل الأراضي الليبية بمثابة قوة غزو واحتلال.
ويعني ذلك بحسب حكومة الوفاق، "خرقاً لسيادة دولة مستقلة"، وقد يستفز دول أخرى للتدخل لصالح هذا الطرف أو ذاك، ما سيعمق الأزمة الليبية ويطيل من عمرها، ويجعلنا أمام السيناريو اليمني الذي فقدت مصر فيه عشرات الآلاف من رجالها (1962-1970)، وكان ذلك أحد أسباب هزيمتها ضد إسرائيل في حرب 1967.