تصاعد الحديث عن تدخُّل مصري وشيك في ليبيا من قِبَل نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة بعد طلب مجلس نواب طبرق من القاهرة التدخل لمواجهة الحكومة، فهل يتدخل الجيش المصري في ليبيا، وما قدرته على تنفيذ عملية عسكرية في هذه الدولة المجاورة التي تزيد مساحتها عن مصر مرة ونصف المرة.
أكدت مصادر عسكرية ليبية لـ"عربي بوست"، الأربعاء 15 يوليو/تموز 2020، وصول مئات المقاتلين من مصر إلى مدينة سرت في ليبيا، لدعم مقاتلي قوات اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، في وقت أكدت فيه قوات حكومة "الوفاق" وصول تعزيزات عسكرية من مصر إلى ليبيا، وسط أحاديث عن معركة كبيرة مُحتملة ستندلع في محيط مدينتي سرت، والجفرة.
المصادر الليبية -التي فضلت عدم الكشف عن اسمها- قالت إن "التعزيزات التي وصلت إلى ليبيا هي مجموعة من أبناء القبائل الليبية في مصر، ويصل عددها إلى 2000 مقاتل، ووصلت إلى مدينة طبرق خلال الفترة الماضية، وانتقل 800 منهم بالفعل إلى مدينة سرت.
تقرير لمعهد أبحاث السياسة الخارجية الأمريكي (Foreign Policy Research) بعنوان "حدود القدرات العسكرية المصرية.. خيارات مصر في الدفاع عن شرق ليبيا" تناول قدرات الجيش المصري على التدخل في ليبيا بعد إعلان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أن خط سرت-الجفرة خط أحمر، والتلويح بتدخل عسكري مصري محتمل في مواجهة انتصارات حكومة الوفاق المدعومة من تركيا.
ويشير التقرير إلى أنه في حين دعمت القاهرة الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر بالسلاح والتدريب والغطاء السياسي لأكثر من ست سنوات، مشيرة إلى مخاوف تتعلق بأمن الحدود ومصالح مكافحة الإرهاب في شرق ليبيا، فقد لعبت دوراً ثانوياً مقارنة بدور دولة الإمارات العربية المتحدة الأكثر حزماً، التي كانت الداعم الرئيسي لحملة الجنرال المارق، حسب وصف التقرير.
فمنذ بداية حملة قوات حفتر، قامت مصر بتمكين وتسهيل العمليات الإماراتية والروسية في ليبيا من خلال السماح لها باستخدام القواعد الغربية للبلاد ونقل الأسلحة عبر الحدود، لكن لم تلعب القاهرة دوراً عسكرياً مباشراً في حد ذاته.
ومع ذلك، فإن هزائم حفتر التي بدأت عند أبواب طرابلس، وتعزز دور تركيا المنافس الجيوسياسي لنظام الرئيس السيسي، دفع قيادة البلاد إلى موقع حيث قد يضطرون للعمل بشكل حاسم.
هل تستطيع مصر التدخل العسكري في ليبيا؟
يبدو أن مصر الآن عازمة على نشر قواتها في ليبيا على الرغم من أن العملية الفعلية للقيام بذلك وما يمكن أن تفعله هذه القوات بشكل واقعي هو موضوع بعض النقاش.
في حين أن حدود مصر مع ليبيا قد توفر للبلاد سيناريوهات بسيطة نسبياً لنشر القوات العسكرية في منطقة برقة الساحلية الشرقية في ليبيا، فإن الوصول إلى خط النزاع الغربي الذي يبعد أكثر من ألف كيلومتر يعد مهمة صعبة، مما يحد بشكل فعال من مسارات العمل المتاحة للقاهرة. إن التحدي المتمثل في الوصول إلى القوات العسكرية وتشغيلها على طول الخط الأحمر بين الجفرة وسرت، والمخاطر المحتملة للتصعيد مع تركيا، يعني أن القاهرة ستسعى على الأرجح إلى تدخل رمزي.
في هذا السيناريو، سيتم استخدام إدخال القوات العسكرية المصرية لإجبار الأطراف المتحاربة في ليبيا على التفاوض تحت إشراف مصري، بدلاً من الانخراط في أي قتال فعلي من قبل الجيش المصري.
وتفضل مصر أن تترك دفاع سرت وجفرة لحلفائها الإماراتيين والروس، الذين يدعمون الجيش الوطني الليبي.
إذا كانت القاهرة تنوي التحرك نحو خط سرت – الجفرة، فستفرض العديد من التحديات اللوجستية والعملية للجيش المصري وقواته الجوية القصيرة المدى نسبياً،حسب التقرير الأمريكي.
من المرجح أن يلعب هذان الفرعان العسكريان الدور الأكثر أهمية في أي انتشار، إذ لن تحاكي في تركيا بالتدخل عبر القوات البحرية نظراً لوجود القوات البحرية التركية قبالة سواحل غرب ليبيا، إضافة إلى تفوق أنقرة في المجال البحري تحديداً
تشير التدريبات العسكرية المصرية إلى أن أي تحرك إلى ليبيا، من المحتمل أن تشمل تشكيلات تقليدية تتضمن ألوية مدرعة وأجنحة مقاتلة تكتيكية، والسفن الحربية البحرية.
يقول التقرير: "بينما يعتبر الجيش المصري غالباً عملاقاً نائماً، فإن صراعاته في شمال سيناء على مدى السنوات السبع الماضية أثارت مخاوف بشأن أدائه وكفاءته بشكل عام.
على الرغم من أن احتمال التدخل في ليبيا يمثل تحدياً مختلفاً تماماً لقوة مكافحة التمرد المنخفضة في سيناء، فإنه لا يزال هناك احتمال أن يعاني الجيش المصري نقاط الضعف التكتيكية والتشغيلية النظامية الطويلة الأمد، حسب التقرير الأمريكي.
ومع أن الطبيعة الجغرافية الليبية تعد مواتية للجيوش النظامية الكبيرة التي تمتلك أعداداً ضحمة من الدبابات والطائرات مثل الجيش المصري، فإن تدخلاً عسكرياً واسع النطاق بهدف هزيمة كاملة للطرف الآخر، يستلزم اقتحام مدن ذات كثافة عالية نسبياً مثل مصراتة وطرابلس وهو أمر من شأنه تشتيت أي جيش مع احتمال حدوث إصابات واسعة النطاق في أوساط المدنيين.
قد تواجه القوات القتالية البرية المصرية تحديات إضافية وهامة إذا كانت القوات الجوية للبلاد غير قادرة على توفير الدعم الجوي المستمر والحماية من تهديدات الطائرات بدون طيار التركية التابعة لحكومة الوفاق.
في حين أن مجموعة المقاتلات التي تمتلكها القوات الجوية المصرية يمكن أن تصل إلى خط سرت – الجفرة، إلا أن فاعليتها ستكون محدودة نظراً للمسافة التي يجب تغطيتها والوقت الذي يستغرقه الوصول إلى هذه المناطق من القواعد الجوية المصرية الغربية.
هذه العوامل تعني أن فترة تحليق هذه الطائرات فوق ميدان المعركة المحتمل يمكن أن تكون قصيرة.
في حين كانت هناك اقتراحات من بعض المراقبين بأن القوات الجوية المصرية يمكن أن تستخدم قواعد في ليبيا نفسها، فإن معظم هذه المواقع تفتقر إلى البنية التحتية الحديثة لدعم المقاتلات المتطورة.
وقد يتطلب الأمر جهداً كبيراً لتزويد الوحدات المتمركزة هناك بشكل صحيح، وستفتقر إلى الأمن الذي تتسم به القواعد داخل حدود مصر.
فقط استخدام قاعدة الخادم التي يديرها الإماراتيون هو الاحتمال القابل للتطبيق، على الرغم من أنه قد يمثل مشاكل بسبب الاستخدام الإماراتي والروسي المكثف لها لدعم قوات حفتر، كما أنها تقع على مسافة من خط سرت – الجفرة.
تقييم التدخلات العسكرية المصرية الخارجية السابقة
وقد تميزت التدخلات الخارجية السابقة لمصر بالأداء الضعيف، مثلما حدث في حرب تحرير الكويت في عام 1991، حسب تقرير المعهد الأمريكي .
ونقل التقرير عن مسؤولين أجانب وصفهم لنشر الجيش المصري الكبير في الكويت لدعم القوات متعددة الجنسيات بقيادة الولايات المتحدة بأنه متواضع وكشف عن نقاط ضعف في قدرة البلاد على قيادة وحداتها العسكرية والسيطرة عليها بشكل فعال بعيداً عن الوطن.
وعلى نفس المنوال، أدت مشاركة القوات الجوية مؤخراً في قتال فوق اليمن إلى إرسال طيارين للتدريب التكميلي في الإمارات العربية المتحدة، بعد أن تحدث شركاؤها الخليجيون عن عدم خبرتهم في عمليات التزود بالوقود جواً، وسوء استخدام الذخائر الموجهة، والعمل بدون ألفة مع وحدات التحكم القتالية الأرضية، ومشاكل التعامل مع الذخائر الموجهة.
بالنسبة لكثير من القيادات العسكرية المصرية، يظل التدخل الكارثي في الحرب الأهلية في شمال اليمن تجربة تحذيرية أثرت على افتقار القاهرة إلى شهية المغامرات العسكرية الأجنبية على الرغم من تركيزها على القوة العسكرية ودورها الإقليمي.
يقدم هذا التردد المؤسسي قيداً آخر قد يمنع القاهرة فعلياً من تجاوز التدخل الرمزي في ليبيا الذي قد يتطلع إلى موازنة دور تركيا.
وكما أوضح السيسي في خطابه في حزيران/يونيو، فإن أي انتشار مصري سيبحث بشكل أساسي عن فرض وقف إطلاق النار بموجب خطة سلام القاهرة، بدلاً من عكس أي مكاسب.
هذا التقييم لا يتناسب فقط مع الرسائل المصرية وأنماط السلوك السابقة، ولكنه أيضاً مرتبط بشكل لا ينفصم بالقيود العسكرية على القاهرة والخطر الحقيقي لتدخل مرهق طويل الأمد أو الاحتمال الأكثر إثارة للقلق للتصعيد مع تركيا الذي قد يؤدي إلى مواجهة تقليدية وهزيمة محتملة، حسب وصف تقرير المعهد الأمريكي.
بالنسبة للنظام المصري الحالي، من الأفضل تجنب أي أعمال قد تؤدي إلى مثل هذه السيناريوهات بشكل كامل، خوفاً من تشويه الصورة التي نماها محلياً كقوة عسكرية والتي يستمد منها إحساساً بالشرعية السياسية.
ما يعنيه هذا عملياً هو أن القاهرة قد تكون راضية عن خط سرت – الجفرة نفسه محصن من قِبل الإمارات العربية المتحدة والمرتزقة الروس إذا سعت حكومة الوفاق وتركيا إلى تحقيق المزيد من المكاسب.
لماذا يمكن أن تتورط القاهرة في حرب؟
مع ذلك، يجب ألا يتم التقليل من التهديدات المصرية أو التقليل من شأنها، نظراً لاحتمال التصعيد وسوء التقدير من قِبَل الأطراف المتنافسة.
إن التهديد الصريح بالعمل العسكري من الرئيس المصري والطبيعة العلنية لموقفه العسكري يتطلب بعض مظاهر النصر والتأكيد على أن مصالح النظام ليست في خطر.
إذا لم تتَح هذه الفرصة، فإن احتمال وقوع اشتباكات في البحر المتوسط بين مصر وتركيا قد يكون نتيجة حتمية لأخطاء من الطرفين تجبرهما على تحدي بعضهما البعض دون وجود أي سبل يمكنهما من خلالها بشكل معقول التراجع دون فقدان الوجه أو التخلي عن حملاتهما.
ولكنه يجب ملاحظة أنه مع كل التوتر والتصعيد بين مصر وتركيا، سياسياً في الأزمة الليبية وقبلها بسبب الخلاف حول غاز شرق المتوسط، لم يحدث أي احتكاك عسكري بين البلدين رغم أنه حدثت احتكاكات بين أنقرة وأثينا وفرنسا شريكتيها في حلف الناتو.
كما أنه لم تتأثر العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين رغم كل هذه التوترات، بل إن المرحلة الأخيرة لاتفاق التبادل التجاري الحر بين الدولتين دخلت حيز النفاذ بداية العام الحالي في ذروة التوتر بين البلدين، وتزامناً مع إصدار البرلمان التركي قانوناً يجيز للجيش التركي مساعدة حكومة الوفاق عسكرياً بما في ذلك إرسال قوات لليبيا.