من المتوقّع أن تنكمش اقتصادات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال العام الجاري بمعدلٍ أكبر من التقديرات الأوّلية، وفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي لدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
ففي توقّعاته الاقتصادية المُحدّثة، تنبّأ الصندوق بانكماشٍ يصل إلى 5.7% في المنطقة خلال العام الجاري، أي أكثر بنقطتين مئويتين من تقديراته التي وصلت إلى 3.3% في أبريل/نيسان.
تقديرات صندوق النقد الدولي لدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تشير لأسوأ أداء اقتصادي منذ نصف قرن
الصدمة المزدوجة للانخفاض الحاد في أسعار النفط، مع استمرار الشكوك حيال طول فترة جائحة فيروس كورونا، قد طغت على التوقعات باسترداد الاقتصاد لعافيته، حسبما ورد في تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية.
وفي تقرير جديد ، خفّض صندوق النقد الدولي توقعات النمو في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لتتراجع إلى أدنى مستوياتها منذ 50 سنة، وذلك على خلفية استمرار تداعيات تراجع أسعار النفط وانتشار فيروس كورونا المستجد.
وبحسب تحديث التوقعات الاقتصادية الإقليمية للشرق الأوسط وآسيا الوسطى، الصادر يوم الإثنين الـ13 من يوليو/تموز؛ "يجب على الدول تسهيل استرداد الاقتصاد لعافيته عن طريق تيسير إعادة تخصيص العمال والموارد حسب الحاجة، مع استئناف التعديل المالي التدريجي وإعادة بناء السياسات الوقائية".
إغلاقات صارمة
يقول تقرير صندوق النقد الدولي "لقد استجابت منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى لوباء COVID-19 العالمي بتدابير سريعة وصارمة أنقذت أرواحاً، لافتاً إلى انخفاض نسبة الإصابات والوفيات مقارنة بأوروبا والأمريكتين.
ومع ذلك، كان لهذه السياسات أيضاً تأثير كبير على النشاط الاقتصادي المحلي.
ومع بدء إعادة فتح العديد من البلدان في المنطقة في الأسابيع الماضية، وارتفاع النشاط في الآونة الأخيرة، قد يشكل ارتفاع أعداد العدوى مخاطر جديدة.
وتسيطر على توقعات الصندوق المستوى العالي غير المعتاد من عدم اليقين بشأن طول الوباء وتأثيره على عمليات الإغلاق القوية، والمخاطر السلبية الناتجة عن ذلك (بما في ذلك الاضطرابات الاجتماعية وعدم الاستقرار السياسي)، والتقلبات المتجددة المحتملة في أسواق النفط العالمية.
وأضاف التقرير "سيواصل الوباء اختبار القدرات الصحية للبلدان ومرونتها الاقتصادية. في حين أن ضمان أنظمة صحية قوية لا يزال يمثل الأولوية العاجلة، يجب على الحكومات أيضاً التركيز على دعم التعافي وإنشاء شبكات أمان اجتماعي تتسم بالمرونة والاستهداف الجيد.
الكل متضرر، ولكن من سيتكبد الخسارة الأكبر؟
يشهد النمو في الدول المصدرة للنفط بالمنطقة حالياً انكماشاً بنسبة 7.3% في عام 2020، مقابل انكماشٍ بنسبة 1.1% بالنسبة للدول المستوردة للنفط، بالتزامن مع تأثير تقلّبات أسعار النفط وحالات الإغلاق المرتبطة بالجائحة تأثيراً خطيراً على الميزانيات العمومية لتلك الدول. وبالنسبة للدول المستوردة، نجد أنّ مكاسب انخفاض أسعار النفط ستضيع جراء تراجع التجارة والسياحة وحوالات المغتربين، إلى جانب الظروف المالية العالمية الصعبة.
وقال الصندوق أيضاً إن تعديلات تقديرات النمو يبدو أنها مرتبطة بحالات الإغلاق والتنقل. وشهدت دول بما في ذلك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، التي كانت لديها قيود حركة أكثر صرامة، مراجعات أكبر للناتج المحلي الإجمالي.
ويشير الصندوق إلى أن دول الخليج خفضت نفقاتها، وقلّلت أجور العاملين في الحكومة، ويسّرت الإقراض.
وتوقعت مؤسسة ستاندرد آند بورز العالمية أن تشهد دبي، التي تعتمد على صناعات مثل السياحة والضيافة والبيع بالتجزئة، انكماش اقتصادها بنسبة 11٪ هذا العام، حسب ما نقل عنها موقع شبكة CNBC.
كانت المدينة تحت حظر صارم على مدار 24 ساعة عند نقطة واحدة، ولكن أعيد فتحها للسياح الأسبوع الماضي بعد ما يقرب من أربعة أشهر من إغلاق الحدود.
وأوقفت مختلف دول العالم اقتصاداتها من أجل احتواء انتشار الجائحة، مع ضخ حزم التحفيز بشكلٍ مباشر وغير مباشر، نفذت من قبل دول المنطقة.
لكن كل تلك الإجراءات لا ترقى إلى حالة التقشف بحسب جهاد أزعور، مدير صندوق النقد الدولي للشرق الأوسط وآسيا الوسطى.
إذ قال أزعور في إحدى المقابلات: "يجب على بعض الدول، التي تمتلك محافظ وقائية أقل، أن تُعيد تخصيص مواردها داخل نفس المظروف. ولكنّني لن أقول إنّنا في حالة تقشف بعد".
نقاط إضافية من التقرير بعضها إيجابي:
- لا تزال الأنظمة المصرفية مرنة وتمتلك رؤوس أموال جيدة، لكن جيوب نقاط الضعف الحالية قد تؤدي إلى ارتفاع القروض غير العاملة في حال استمرار الأزمة المزدوجة. كما يُمكن لتراجع أسعار النفط والإنتاج أن يزيد تآكل حيز السياسات داخل الدول المصدرة للنفط، مما قد يُؤثّر على أنظمتها المصرفية.
- من المتوقّع أن تتدهوّر أرصدة الحسابات الجارية أكثر خلال عام 2020، وخاصةً بالنسبة للدول المصدرة للنفط.
- ربما تزيد صعوبة الظروف المالية من تعقيد تمديد مديونيات شركات ودول المنطقة. وربما تُواجه الصناديق السيادية ديوناً خارجية مستحقة بقيمة 21 مليار دولار خلال النصف الثاني من العام الجاري.
دول المنطقة تتحول إلى أكبر مستدين من الأسواق العالمية
ومنذ أواخر مارس/آذار، شكّلت دول الشرق الأوسط وآسيا الوسطى أكثر من 60% من الإصدارات السيادية في الأسواق الناشئة، مع استغلال قطر والإمارات والسعودية والبحرين لأسواق السندات.
لكن ذلك لم يُوقف التدفّق الخارجي المفاجئ للمحافظ في مارس/آذار، والذي تُشير التقديرات إلى أنّه تراوح بين 6-8 مليارات دولار. وربما كان نطاقه الفعلي أكبر بكثير وفقاً لصندوق النقد الدولي، لأنّ البيانات الرسمية لم تصدر بعد.
وقال أزعور: "يجب أن تكون السياسة استباقيةً في الوقت الحالي، ويجب أن تتحرّك بنهجٍ متعدد الأطراف، وتواصل التكيّف مع البيئة الصعبة سريعة الحركة".
يقول تقرير صندوق النقد "مع تلاشي الوباء، ينبغي أن تيسر البلدان الانتعاش عن طريق تسهيل إعادة تخصيص العمال والموارد، حسب الحاجة، مع استئناف التعديل المالي التدريجي وإعادة بناء السياسات الوقائية. يمكن للدعم المتعدد الأطراف أن يلعب دوراً رئيسياً في مساعدة البلدان على التغلب على هذه الصدمات".