يناشد سودانيون محتجزون في سجن السلوم المصري على الحدود الليبية، السلطات السودانية ومنظمات المجتمع المدني التدخل للإفراج عنهم بعدما تقطعت بهم سبل التواصل مع ذويهم منذ تم احتجازهم.
وقد ألقت السلطات المصرية القبض على هذه المجموعات المتفرقة من الشباب السوداني يصل عددهم إلى 200 شاب، أثناء محاولتهم الدخول إلى ليبيا بحثاً عن العمل أو للهجرة إلى أوروبا.
وشكا الشباب السوداني تعرّضهم لمعاملة قاسية في سجن السلوم، وطالبوا بالإفراج عنهم، خاصة أنهم ـــ حسب قولهم ــ يقبعون فيه دون محاكمة ومنهم من مضى على اعتقاله أكثر من عام.
معاملة قاسية وأوضاع مأساوية
وتسرب مقطع فيديو للشباب المعتقلين من داخل سجن السلوم ــ حصل عليه عربي بوست ــ يظهر مجموعة منهم يستغيثون بحكومة بلادهم لإجلائهم إليها، كونهم "يعيشون أوضاعاً مأساوية داخل السجن" حسبما ورد بالفيديو.
وكانت منظمات حقوقية كشفت عن قيام السلطات المصرية باحتجاز هؤلاء الشباب السوداني في سجن السلوم بعد القبض عليهم على سواحل البحر الأبيض المتوسط.
وقال أحد الشباب المتحدثين في مقطع الفيديو إن عدد السودانيين في سجن السلوم يتجاوز 200 شخص وقد تم احتجازهم في زنزانتين فقط، متخوفاً من انتشار الأمراض المعدية بينهم، خاصة الحساسية والطفح الجلدي.
وكشف الشاب في الفيديو أن بعضهم يعاني من ضيق التنفس، لافتاً إلى أن السلطات المصرية تمنحهم من الطعام فقط قطعتي خبز، وقطعة جبنة طوال اليوم، موضحاً أن المحتجزين يشربون من الحنفيات الموجودة في دورات المياه، لعدم حصولهم على الماء بالصورة المطلوبة.
وأشار المتحدث إلى أن بعض المحتجزين مكثوا أكثر من عام داخل سجن السلوم، وخاصة الذين تم القبض عليهم أثناء محاولتهم العبور إلى ليبيا وأوروبا.
وروى أحد المحتجزين معاناته مع مرض السكري، مشيراً إلى أنه طالب سلطات سجن السلوم بتوفير جرعة "الأنسولين"، لكن الإدارة لم تهتم لطلبه، ما جعل المرض يتمكن منه أكثر، مؤكداً أن سلطات السجن رفضت نقله إلى المستشفى لتلقي العلاج، وأنه أمضى أكثر من أسبوع في انتظار إسعافه دون جدوى.
وأظهر مقطع الفيديو مجموعة من المحتجزين السودانيين يَضربون بشدة على أبواب السجن كتعبير عن الاحتجاج على غياب مياه الشرب عنهم لأكثر من 24 ساعة.
ابتزاز على طريقة مهّربي البشر
وخلافاً لما ظهر في مقطع الفيديو المسرّب، فإن رامي، وهو شقيق أحد المحتجزين في سجن السلوم، سرد أوجهاً أخرى للمعاناة التي تحدث داخل السجن، فضلاً عن حالات الابتزاز التي يتعرّض لها المحتجزون، بالاستناد إلى رواية شقيقه المحتجز.
وقال رامي لـ"عربي بوست" ــ بعد أن طلب حجب اسمه والده خشية أن يتعرّض شقيقه للعقاب من سلطات سجن السلوم ـــ إن التواصل انقطع بينهم وشقيقه خلال الأيام الماضية، لكنه سرعان ما عاود الاتصال بهم، وطلب تحويل مبلغ مالي عن طريق أحد الوسطاء السودانيين، بحجة أن ذلك يجعله يتمكن من التواصل معهم بشكل دائم.
وأكد رامي أن شرطة سجن السلوم كانت تسمح لشقيقه بالتواصل معهم بشكل مستمر ليطمئنهم على حاله بعد دفعه قدراً من المال.
وقال: "لكن حينما نفدت النقود التي بحوزته تم حرمانه من الاتصال بنا وتعرض للابتزاز والتعذيب النفسي والمعنوي والجسدي وأجبر على أن يطلب منا تحويل المزيد من الأموال ليدفعها لعناصر الشرطة نظير السماح له بالتواصل معنا، مثلما يفعل تجار البشر مع ضحاياهم، طلب الفدية للإفراج عنهم".
وشدد رامي على أن شقيقه كان يخطط للهجرة إلى أوروبا، لكنه وجد نفسه موقوفاً من الشرطة المصرية، وتم إيداعه في سجن السلوم منذ أكثر من ستة أشهر، دون تقديمه للمحاكمة.
وتخوف رامي من أن يتم استخدام الشباب السوداني المحتجز بسجن السلوم في الحرب التي تدور في ليبيا بين اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وحكومة فائز السراج، بإجبارهم على القتال بجانب حفتر القريب من الحكومة المصرية، خاصة أن التواصل انقطع معهم لأكثر من أسبوعين.
تفاعل شبابي مع الاستغاثة
قوبلت الاستغاثة التي أطلقها السودانيون المحتجزون في سجن السلوم، باهتمام شعبي كبير، أرجعه الناشط الحقوقي معمّر الطيب إلى ارتفاع الوعي بالحقوق بين المكونات الشبابية، بما في ذلك حقوق السودانيين خارج البلاد.
ولفت الطيب في حديثه لـ"عربي بوست" إلى أن ثورة ديسمبر التي أطاحت بنظام الرئيس المعزول عمر البشير، حررت القرار السوداني الرسمي الذي كان مرتهناً لبعض المحاور العربية، كما أنها رفعت إيمان الشباب بحركة الحقوق.
وتوقّع الناشط الحقوقي أن تؤدي الحملة التي ملأت مواقع التواصل الاجتماعي، إلى الإفراج عن السودانيين من سجن السلوم، خاصة أنهم محتجزون بصورة تتنافى مع كل الموثيق الدولية لحقوق الإنسان، على حد قوله.
واستدل معمّر بالحملة الشعبية التي أجبرت السلطات المصرية على إطلاق سراح طالب سوداني اعتقله الأمن المصري في القاهرة، بزعم مشاركته في مظاهرات تطالب برحيل الرئيس عبدالفتاح السيسي.
وكانت السلطات المصرية قد اعتقلت الطالب السوداني وليد عبدالرحمن، في سبتمبر/أيلول الماضي، بتهمة المشاركة في المظاهرات التي دعا لها المقاول ورجل الأعمال محمد علي، قبل أن تطلق سراحه وتقوم بإبعاده إلى السودان، عقب وقفة احتجاجية نظّمها ناشطون أمام السفارة المصرية بالخرطوم.
في موازاة ذلك، رسم الناشط السوداني منتصر خواجة، صورة قاتمة ومخيفة لأوضاع السودانيين في سجن السلوم، مؤكداً أن السلطات المصرية قامت بسحب الهواتف النقالة منهم، حتى لا يقوموا بنقل المزيد من الانتهاكات التي يتعرضون لها.
وأكد خواجة في حديثه لـ"عربي بوست" أنه ينشط في مبادرة أطلقها عدد من الناشطين تطالب بالإفراج عن المحتجزين في سجن السلوم، منوهاً إلى أنهم فقدوا الاتصال بهم حالياً، بعد أن كانوا على تواصل دائم معهم.
وكان الناشط السياسي السوداني ميسر نواري، أكد أن المحتجزين السودانيين انتهجوا، يوم الجمعة الماضي، سلوكاً احتجاجياً داخل سجن السلوم للضغط على السلطات المصرية من أجل إطلاق سراحهم، خاصة عقب تفشي جائحة كورونا.
منوهاً إلى أنه كان يتابع الاحتجاجات التي بثها المحتجزون عبر خدمة البث المباشر في موقع فيسبوك، لحظة وقوعها.
ولفت نوراي، إلى أن مجموعة من قوات الشرطة مدعّمة بقوة من الجيش المصري داهمت المحتجزين في سجن السلوم أثناء الاحتجاجات، وقذفت عبوات الغاز المسيل للدموع عليهم، ما أدى لتوقف البث المباشر، مشيراً إلى أنه تم سحب هواتف المحتجزين، وأنه لا أحد يدري ما لحق بهم من أذى، عقب انقطاع التواصل معهم.
وتابع متسائلاً: "إلى متى يستمر استرخاص كرامة الإنسان السوداني".
وكانت المفوضية المصرية للحقوق والحريات، نددت في وقت سابق، بالتعذيب الذي تعرّض له 99 محتجزاً، بينهم 85 سودانياً في سجن السلوم، ووصفت ظروف احتجازهم بأنها في غاية السوء، وأكدت أنهم يعانون في الحصول على الماء، وأنه لا يُسمح بدخول أي نوع من أنواع الأدوية إليهم.
وأكدت المفوضية في تقرير صدر في سبتمبر/أيلول 2018، أن المحتجزين في الفترة من يناير/كانون الثاني 2017 وحتى أغسطس/آب 2018، صدر في حقهم حكم من القضاء العسكري بالسجن بين عام إلى ستة أشهر مع إيقاف التنفيذ، ولكن السلطات المصرية لم تقم بالإفراج عنهم، وسارعت بوضعهم في الاحتجاز دون أي سند قانوني.
سخط على السلطات السودانية
وألقت مجموعة من أسر المحتجزين باللوم على الحكومة السودانية، واتهمتها بالتقصير في قضية أبنائها، وطالبت وزارة الخارجية بالتدخل للضغط على الحكومة المصرية لإنهاء احتجازهم.
وأوضح رامي ـــ هو شقيق أحد المحتجزين ــ أن شقيقه أبلغه بأن إدارة سجن السلوم أكدت لهم أن قرار إطلاق سراحهم يحتاج إلى تدخل من الحكومة السودانية، ودعا رامي وزارة الخارجية إلى الاهتمام بقضية المحتجزين لإنهاء معاناتهم ومعاناة أسرهم.
بدورها، أكدت رئيسة المفوضية الحكومية لحقوق الإنسان في السودان، حرية إسماعيل، أنها أخطرت وزارة الخارجية السودانية وبعض المنظمات للتدخل من أجل إنهاء معاناة محتجزي سجن السلوم.
وقالت إسماعيل لـ"عربي بوست"، إن وزارة الخارجية قامت بإخطار اللجنة العليا للطوارئ الصحية، من أجل السماح للمحتجزين بالدخول إلى السودان، بوصفها الجهة السيادية المعنية بمنح الإذن لعودة أي سوداني عالق بالخارج.
وأشارت حرية إلى أن الخطوات التي قادتها وزارة الخارجية، لوضع حد لمعاناة السودانيين المحتجزين في السلوم، تمضي بشكل جيد، وتوقّعت أن يتم طي الملف قريباً، دون أن تحدّد موعداً بعينه.
ستنتهي المشكلة خلال ساعات
من جهته أكد مصدر بالسفارة السودانية في تصريحات لـ عربي بوست أن مشكلة السودانيين المحتجزين على الحدود المصرية الليبية عند معبر السلوم متكررة، نتيجة رغبة العديد منهم فى السفر إلى أوروبا عبر ليبيا.
وشدد على أن السفارة السودانية لا تتأخر عن القيام بواجبها تجاه أي مواطن سوداني مقيم في مصر، وأن السفارة تتابع مشكلتهم عن كثب منذ عدة أيام، حيث تم إنهاء معظم الإجراءات الخاصة بهم عبر تخصيص فريق من السفارة للتواصل مع السلطات المصرية بهذا الشأن.
وأوضح المصدر ـــ الذي طلب عدم ذكر اسمه ـــ أن هناك عدة مشكلات كانت تعرقل تحرك السفارة وإنهاء الأزمة بسرعة، منها أن عدداً كبيراً من هؤلاء المحتجزين لا يمتلكون هويات شخصية، حيث يقوم معظمهم بالتخلص من جوازات السفر والهويات قبل قيامهم بعمليات التسلل.
وذلك طمعاً في الحصول على اللجوء إلى أوروبا، مما يستغرق بعض الوقت حتى تقوم الجهات الرسمية بالاستعلام عن هؤلاء الأشخاص للتأكد من بياناتهم، حسبما أكد المصدر.
وأكد المصدر، أن تحركات المسؤولين بالسفارة أصبحت محدودة خاصة بعد تفشي فيروس كورونا، نظراً لأن السفارة ستكون مطالبة باستلامهم لترحيلهم إلى السودان، وهو ما كان متعذراً خلال الفترة الماضية بسبب غلق الحدود البرية وتوقف حركة الطيران بين البلدين.
وأكد أنه خلال ساعات ستنتهي مشكلة العالقين فى معبر السلوم الحدودي بشكل كامل، كما تجري التجهيزات حالياً لتحديد موعد تسفيرهم إلى السودان، خاصة بعد أن تم الإعلان عن استئناف حركة الطيران بين القاهرة والخرطوم غد الثلاثاء.
وأوضح، أن مسؤولي السفارة رغم ذلك يبذلون كل الجهد لإنهاء مشكلات السودانيين المقيمين فى مصر، بالرغم من الظروف الصعبة التي يعملون بها في ظل ضعف الإمكانيات المادية وظروف فيروس كورونا.
لافتاً إلى أن السفارة تحملت عبء 6 آلاف عالق سوداني فى مصر خلال الشهرين الماضيين، وتكفلت بنفقات إقاماتهم وعلاجهم طوال فترة إقامتهم في مصر والتي امتدت لأكثر من شهرين، حتى تمكنت من إعادتهم للبلاد عبر الطريق البري.