قبل أقل من خمس سنوات، كان حضور تنظيم داعش على مواقع الإنترنت خطيراً للغاية، لدرجة أجبرت حكومة الولايات المتحدة والدول العربية على إعادة التفكير في نهجها لمواجهة الرسائل المتطرفة على الإنترنت.
أثار ذلك الزخم موجةً من المبادرات بقيادة عربية، بما في ذلك مبادرات انطلقت بالتوازي مع الجهود في واشنطن، حسب ما ورد في تقرير لموقع DW News الألماني.
كان "مركز صواب" إحدى هذه المبادرات، وانطلق في 2015 بوصفه "عملية تتعلق بالرسائل والمشاركة على الإنترنت" قادتها الإمارات وتستهدف دعم جهود الائتلاف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش.
6 ملايين دولار وفريق عمل من 10 أعضاء
وبمساعدة موازنة بلغت 6 ملايين دولار وفريق عمل يزيد عدد أعضائه بقليل على 10 أشخاص، عزز المشروع المشترك "مشاركة الأعمال مع المنظمات الشرطية الدولية، بينما أبلغ أبناء العائلات عن أقاربهم الذين صاروا متشددين"، وذلك بحسب تقرير دائرة البحوث التابعة للكونغرس الأمريكي.
وفي عام 2017، ترأس الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مبادرة جديدة مع العاهل السعودي الملك سلمان، عبر تأسيس المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف (اعتدال). في ذلك الوقت، ألقى ترامب مسؤولية التصدي للتطرف والترويج لنسخة "الإسلام المعتدل" على كواهل حلفائه العرب، مثل السعودية والإمارات، بل وقطر كذلك.
مكافحة داعش على الإنترنت انتهت بـ10 مشاهدات للفيديو
لكن النهج بدا غير متكافئ في أفضل الأحوال، وغير ناجع في أسوئها، حسب وصف تقرير موقع DW News.
ويحظى حساب مركز صواب العربي والإنجليزي على فيسبوك بمتابعة أكثر من 1.6 مليون حساب، غير أن عديداً من فيديوهات المركز على موقع يوتيوب صارت مؤخراً لا تتجاوز حاجز الـ10 مشاهدات إلا في مناسبات نادرة.
وتضمنت جهود مركز اعتدال الأحدث إطلاق منصة "معتدل"، التي استهدفت مساعدة "أفراد المجتمع في الإسهام.. في التصدي للمحتوى المتطرف على منصات التواصل الاجتماعي". ومع ذلك، لم تتجاوز المنصة الجديدة كونها نموذج اتصال على الإنترنت ذي خاصية رفع ملفات. ولا يتضح أين تذهب هذه المعلومات ومن يتعامل معها.
احتفى مركز صواب بالوصول إلى 8 ملايين متابع على مواقع التواصل الاجتماعي، بينما تباهى مركز اعتدال بأن برمجيته تستغرق 6 ثوانٍ فقط لاعتراض المحتوى المتطرف المرفوع على الإنترنت، ولكن بعيداً عن هذه الأرقام، لا تقدم أي من المنصتين أدلة كبيرة على نجاعتهما.
تواصل موقع DW News مع مركز صواب ومركز اعتدال، لكنه لم يتلق رداً حتى وقت نشر هذا المقال.
من المسلَّم به على نطاق واسع أن مثل هذه البرامج الوقائية يصعب تقييمها، فقد ذكرت وزارة الأمن الداخلي الأمريكية في تقرير يعود لعام 2016 "التحدي المرتبط بمحاولة إثبات أن سلوكاً أو تحركاً لم يحدث".
قال إريك روزاند، الباحث البارز غير المقيم لدى معهد بروكينغز في واشنطن: "إذا أمعنا النظر، سنجد أن موارد كثيرة توجَّه نحو مضاعفة الجهود حول موضوع ما، بينما يُرى -إذا أجرينا مزيداً من الأبحاث- أنها أقل نجاعة. في هذه الأثناء، لا تحظى الموضوعات الأهم بالعناية التي تستحقها".
وأضاف: "يدرك مجتمع الخبراء أن الواقع تجاوز ما يفعله مركز اعتدال ومركز صواب، لكن بعض الحكومات لم تدرك، لذا لا يزال هناك جمهور لها ولا تزال تمثل طريقة لتملق عواصم الغرب".
المراكز تحولت إلى وسيلة للهيمنة على الإسلام، وداعش لم يعد هدفاً
حتى بعيداً عن الجدال الدائر حول نجاعة الرسائل المضادة، أشارت الدراسات إلى أن المبادرات العربية في بعض الأحيان تستخدم للترويج لهيمنة مفاهيمية حول معنى الإسلام، بل ولاستهداف المنشقين.
وقال تقرير صادر عن مركز التقدم الأمريكي في عام 2018، إن مركز اعتدال ومركز صواب يعملان "لوضع بلادهما في موضع القادة العالميين للإسلام المعتدل والمعركة ضد التطرف: وهي رواية متصورة عالمياً، لكنها مصممة خصيصاً كي تلقى صدى لدى الغرب".
بل إن مدير مركز اعتدال شدد ذات مرة على أن الإخوان المسلمين كانوا الهدف الرئيسي للمبادرة، وأن اعتقال المدونين ومكافحة المحتوى المؤيد لقطر يعد إحدى المهام الرئيسية لها، وذلك بحسب تقرير صادر عن المركز النرويجي لحقوق الإنسان حول تدابير السعودية لمكافحة الإرهاب، ونُشر في العام الماضي.
ومع ذلك، بينما أساءت مبادرات محددة استخدام الرسائل المضادة والتدابير ذات الصلة، يجادل العاملون في هذا المجال بأن هذه المبادرات تشكل جزءاً من أدوات شاملة للتصدي للإرهاب عندما تُستخدم بطريقة ملائمة.
قال توماس أوليفييه، ضابط استخبارات هولندي سابق وخبير في مجال مكافحة الإرهاب لدى شركة Captara للخدمات الأمنية في هولندا: "كانت الرسائل المضادة مصممة في الأساس لتكون ناجعة في إبطال مفعول السرديات المتطرفة والدعاية المتطرفة على الإنترنت".
وأوضح قائلاً: "بحسب خبرتي الشخصية، أستطيع أن أقول إن تدابير تعطيل الاتصالات عن الأفراد والخلايا والمنظمات -بالدخول إلى المسار الزمني الخاص بهم ودائرة التخطيط التشغيلية الخاصة بها- تعد على الأرجح واحدة من الأدوات الضرورية والبنَّاءة للغاية من أجل وضع الضغط على هذه الحملات التي تكون في الغالب متطورة للغاية".