يمثُل الرئيس الكوسوفي هاشم ثاتشي أمام محكمةٍ دوليةٍ في لاهاي الهولندية، بعد أن اتهمه المدعي العام للمحكمة الدولية الخاصة بكوسوفو بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال فترة النزاع مع صربيا أواخر تسعينيات القرن الماضي.
فمن هو الرئيس الكوسوفي هاشم ثاتشي، وما هي التهم الموجهة له؟
الرئيس الكوسوفي هاشم ثاتشي
وُلد الرئيس الكوسوفي الحالي هاشم ثاتشي في قرية بروكنا شمال غربي كوسوفو لعائلة ألبانية مُسلمة قادمة من منطقة درينيتشا وسط ألبانيا، في أبريل/نيسان 1968.
وحصل ثاتشي على شهادته الجامعية من جامعة بريشتينا تخصص تاريخ وفلسفة، قبل أن يتجه للحصول على شهادة في تاريخ جنوب شرق أوروبا والعلاقات الدولية من جامعة زيوريخ بسويسرا.
بداية دخول هاشم ثاتشي إلى العمل السياسي!
بعد أن أنهى دراسته في سويسرا، توجه تاجي إلى العمل السياسي والعسكري، فغادر سويسرا سنة 1993 إلى كوسوفو – التي كانت حينها جزءاً من دولة يوغوسلافيا السابقة -، من أجل تعبئة الشباب وتدريبهم على حمل السلاح، لمواجهة يوغسلافيا إبان الحرب الأهلية المستعرة في البلاد.
وعرفت يوغوسلافيا في مطلع التسعينات حرباً أهليةً دينيةً طاحنة بين سكّانها الصرب المسيحيين الأورثوذكس المتمركزين في صربيا والجبل الأسود من جهة، والمسلمين المنتمين لإقليم لبوسنة والهرسك من جهة أخرى، والمسيحيين الكاثوليك الكروات من جهة ثالثة.
ثاتشي شكّل النواة الأولى ما عُرف لاحقاً بـ "جيش تحرير كوسوفو" الذي أصبح قائداً له خلفاً لظاهر باجازيتي.
خلال السنوات اللاحقة عمد جيش تحرير كوسوفو تحت قيادة ثاتشي الملقّب بـ "الثعبان"، إلى استهداف المنشأت العسكرية الصربية، ما دفع قوات الأخيرة إلى شن حملة عسكرية انتقامية من الكوسوفيين والمتعاطفين معهم مطلع العام 1998، وهو ما أدى إلى مقتل ما بين 1500 إلى 200 مدني ومقاتل تابع لجيش التحرير.
وقد أصدرت عليه إحدى المحاكم في بريشتينا (عاصمة إقليم كوسوفو) سنة 1997 حكماً بالسجن لمدة عشر سنوات غيابياً بتهمة الإرهاب، عندما كان الإقليم يخضع للسيادة الصربية
كما أصدرت حكومة بلغراد التي كان يرأسها مجرم الحرب الصربي الراحل سلوبودان ميلوسوفيتش مطلع العام 1998 أمراً بالقبض عليه بتهمة مهاجمة الشرطة الصربية.
في 28 فبراير/شباط 1998 اندلعت الحرب رسمياً بين جيش تحرير كوسوفو بقيادة ثاتشي وبدعم بري من جيش ألبانيا وجوي من قوات حلف شمال الأطلسي "ناتو" ضد قوات جمهورية يوغسلافيا الاتحادية بقيادة سلوبودان ميلوسيفيتش لطردها من إقليم كوسوفو ذي الأكثرية المسلمة.
قبل نهاية الحرب بعدّة أشهر برز اسم هاشم ثاتشي على الساحة السياسية الدولية بعد أن قاد الوفد الكوسوفي – الألباني في مؤتمر السلام الذي عُقد في فرنسا 1999، فقد كان اسم "الثعبان" مدعوماً من الولايات المتحدة الأمريكية كرئيس للمفاوضين.
وبالفعل نجح "الثعبان" في التوصل إلى "معاهدة كومانوفو" والتي أنهت الحرب في 11 يونيو/حزيران 1999، وأجبرت القوات الصربية على الانسحاب من كوسوفو وترك المجال لقوات دولية الدخول إلى الإقليم.
وذلك بعد أن أسفرت الحرب عن مقتل نحو 11 ألف شخص من كوسوفو وألبانيا و نحو ألفين من صربيا.
كيف أصبح "الثعبان" رئيساً لكوسوفو؟
بعد بروز اسمه على الساحة الدولية وتمكنه من إجبار الصرب على الانسحاب من كوسوفو، بات ثاتشي ذا شعبية واسعة في بلاده وهو ما زاد أيضاً من شعبية حزبه "الحزب الديمقراطي الكوسوفي".
وفي العام 2007 تمكن حزبه من الفوز بالانتخابات البرلمانية التي جرت ضد حزب الرابطة الديمقراطية لكوسوفو التي أسسها إبراهيم روغوفا.
هذا الفوز أوصل ثاتشي في العام ذاته إلى رئاسة وزراء كوسوفو، فكان هدفه الأول حينئذ هو الحصول على الاستقلال الكامل عن صربيا التي كانت لاتزال تعتبر إقليم كوسوفو – ذا الأغلبية الألبانية المسلمة – جزءاً من أراضيها
لم يكد يمر شهور على رئاسته لمجلس الوزراء حتى تمكن "الثعبان" من إعلان استقلال كوسوفو عن صربيا يوم 17 فبراير/شباط 2008، لكن حكومة بلغراد المركزية رفضت القرار، غير أنّ 104 دول بينها 23 بالاتحاد الأوروبي، اعترفت بكوسوفو دولة ذات سيادة.
فقاد دولته بعد الاستقلال إلى مفاوضات شاقة للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، وكذلك الأمم المتحدة.
وفي يونيو/حزيران 2014، فاز حزب ثاتشي بالانتخابات التشريعية متفوقاً على حزب المعارضة "حزب الرابطة الديمقراطية لكوسوفو"، ليتم تعيينه وزيراً للخارجية.
وفي فبراير/شباط 2016، تمكّن هاشم ثاتشي من الوصول إلى كرسي الرئاسة في كوسوفو، بعد انتخابه من طرف البرلمان لشغل المنصب، فتسلم منصبه الجديد من الرئيسة السابقة عاطفة يحيى آغا، في احتفال رسمي جرى بالعاصمة بريشتينا.
ما هي التهم الموجهة لهاشم ثاتشي؟
في العام 2015 تأسست المحكمة الدولية الخاصة لكوسوفو للتحقيق في مزاعم ارتكاب عناصر من "جيش تحرير كوسوفو" لجرائم حرب استهدفت الصرب والغجر إضافة لمعارضين ألبان خلال الحرب خلال النزاع أواخر تسعينيات القرن الماضي.
وفي يونيو/حزيران 2020، اتهم المدعي العام للمحكمة الدولية الرئيس الكوسوفي هاشم ثاتشي، الزعيم السابق لجيش التحرير، بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بما فيها القتل والإخفاء القسري والاضطهاد والتعذيب خلال النزاع مع صربيا.
المحكمة أكدت في بيان كذلك، أنَّ "ثاتشي يواجه عشر تهم تم تقديم لوائحها في 24 أبريل/نيسان الماضي".
وأضافت أنّ "ثاتشي، وقدري فيسيلي – الرئيس السابق لبرلمان كوسوفو -، وآخرين يتحملون مسؤولية جزائية عن نحو 100 جريمة قتل، تشمل مئات من الضحايا المعروفين من ألبان كوسوفو والصرب وأفراد عرقية الروما (الغجر)، وغيرهم من العرقيات، كما تشمل معارضين سياسيين".
فيما سبق أن نفى تاجي أي تورط له في جرائم حرب خلال النزاع الذي وقع في أواخر التسعينيات.
مؤكداً أنه سيتوجه بكل تأكيد إلى لاهاي في هولندا للمثول أمام المحكمة الدولية والرد على المدعين الذين يتهمونه بارتكاب هذه الجرائم.
في الأثناء، يتولى قاضٍ بالمحكمة "النظر في التهم، لاتخاذ قرار بشأن تأكيدها"، في خطوة من شأنها أن تؤدي إلى توجيه الاتهام رسمياً.